ثقافة ومجتمع
28 حزيران 2016, 08:34

إستنكارات.. شعب!

ريتا كرم
عندما تقع الكارثة تعلو الأصوات من كلّ حدب وصوب رسميّين، وتهطل على الشّعب كمطر كانون، وتغصّ الشّاشات بوجوه أبطال السّياسة والأحزاب، وتصدح من المذياع أصوات بتنا إن لم نسمعها في هكذا مناسبة- وهذا مستبعَد جدّاً- نشعر بفراغ ينخر.

 

يظهرون كلّهم ويردّدون العبارة نفسها: "نستنكر"، "ندين"، "نأسف"، "نندّد"... ينادون بـ"رصّ" الصّفوف وضرورة "العيش المشترك" و"وحدة القرار" والوقوف "معاً" في وجه الإرهاب المستشري. وبُعيد المصيبة والّتي غالباً ما تكون تفجيراً إرهابيّاً، تخفت الأصوات، تُطفأ الأضواء، ويعود الأبطال إلى منازلهم لينشغلوا في اليوم التّالي بـ"ملفّات" يُقال عنها مهمّة ونادراً ما يبصر الحلّ نوره في ما يخصّها.

اليوم، إسمحوا لنا أيّها السّياسيّون الكرام، أن نكون نحن الصّوت الصّارخ في تلك البرّيّة المضطربة والّتي باتت غابة تتصارع فيها ضباع ضارية.

إسمحوا لنا أن "نستنكر" لو لمرّة، ونعبّر عن ألم يمزّق القلب ويسدّ شرايينه مع كلّ نقطة دم تُسفك في أرض الوطن.

نحن شعب "شابّ" نعم، يحبّ الحياة صحيح، لا تشلّه شدّة ولا تُفقده العزيمة. ولكنّنا شعب يتألّم لأنّه في بلدنا صرنا نخاف أن يعصف الإرهاب فجأة ويدوّي تفجير ويسرق معه أرواح أبرياء ذنبهم الوحيد أنّهم ضحايا لعبة "الكبار". بتنا نشعر وكأنّ الدّهر أكل وشرب على ظهرنا، وصرنا لا قدرة لنا ولا حيلة.

يا ليتكم تصغون اليوم إلى "إستنكارات شعب"، وتعطون المنبر لنُخرج كلّ ما هو مدفون في داخلنا من غضب وعتب:

"أنتم آباء وأمّهات هذا الشّعب، أيهون عليكم أن تروا أولادكم يموتون وأمّهاتهم ثكالى يبكين على أضرحة فلذات أكبادهنّ وآباؤهم يحاولون كبت الدّموع من دون جدوى؟ أطلقتم وعوداً كثيرة وعزمتم قطع اليد الّتي تطال مجتمعنا، تضامنتم مع عائلات الضّحايا وحضرتم غالباً إلى مجالس العزاء مآزرين... مشكورون أنتم! لكن ماذا عن هذا المسلسل الطّويل الّذي يُكرّر نفسه ويأبى أن ينتهي؟!

هلّا تضعون أنفسكم مكاننا لبرهة، تقيسون الأمور من منظارنا، تختبرون ألمنا وتحملون همومنا مرّة واحدة، وتبلّغونّا إن كان يوخزكم الألم نفسه الّذي يوخزنا ألف مرّة كلّ يوم، على اعتبار أنّ "الجمرة ما بتحرق إلّا محلّها!"

إعلموا أنّه مع كلّ تلك السّوداويّة الّتي تلفّنا، نحن أبناء الرّجاء! نحن مستمرّون صامدون لأنّ إلهنا غلب العالم. ونحن كلّنا ثقة أنّه مهما اشتدّت الضّربات فهو حامينا أوّلاً وأخيراً، فهو من قال لنا: "لا تخافوا الّذين يقتلون الجسد ولا يستطيعون قتل النّفس، بل خافوا الّذي يقدر على أن يُهلك النّفس والجسد جميعاً في جهنّم. أما يُباع عصفوران بفلس؟ ومع ذلك لا يسقط واحد منهما إلى الأرض بغير علم أبيكم. أمّا أنتم، فشعر رؤوسكم نفسه معدود بأجمعه. لا تخافوا، أنتم أثمن من العصافير جميعاً." (متّى 10/ 28-31)

الإمضاء: شعب صامد