الإنسان L’Antropos كائن الظمأ الدينيّ والكيانيّ والوجدانيّ عطش الإنسان إلى الله
Être et Fragilité
كما يعطش الإنسان طبيعيًّا إلى الشرب
أو كما يجوع إلى الخبز،
كذلك هو يعطش إلى روح الله.
فليس بالماء وحده ولا بالخبز وحده
يحيا الإنسان أو الـ Antropos
بل في قعر كيانه ظمأ دينيّ ميتافيزيقيّ
وعطش روحيّ لا يهدّئه إلّا الله
الكائن المطلق L’Être Unique.
ألم يقل القدّيس أغسطينوس
وهو الذي عاش اختبار البعد عن الله
واختيار شهوات الجسد، ثمّ صرخ قائلًا:
"لقد خلقت قلبنا لك يا ألله، ولا يزال
قلقًا حتّى يرتاح فيك".
هذا القلق الوجوديّ الكيانيّ existentiel
ينبع من عمق الكائن البشريّ الطامح إلى التألّه
وعدم الفناء والزوال،
لأنَّ الموت يطحن الوجود البشريّ،
ويضع عليه بلاطة الزوال والفناء
"كان هنا" والمرض يسحق أيّامه.
قال سارتر Sartre
"أنا لست أتعزّى على كوني لست إلهًا"
Je ne me consolerai"
Jamais de ne pas être Dieu”
لأنَّه اختبر الزوال الرابض في كيانه،
في دمه ولحمه وعظامه.
العشق الإلهيّ يكوي قلب المتصوّفين
والنسّاك والحبساء والمتصومعين
في الجبال والوديان والصحاري،
حيث يعيشون في الوحدة مع الوحيد
المطلق الأزليّ.
إنّهم ليسوا في العزلة، فالمعزول كائن
منغلق على نفسه، بل هم
في الوحدة، فالوحيد كائن يملأ حضورَه آخرُ،
الغائبُ الحبيب يملأ قلبهم ووجودهم،
يملأ الحضورُ الإلهيّ المشتعلُ بالحبّ
قلبَ الناسك أو الحبيس.
ألا يقول المزمور"كما يشتاق الأيل
إلى مجاري المياه، هكذا تشتاق نفسي
إليك يا ألله".
يقول طاغور" لقد حسن في عينيك فخلقتني
لا نهاية لجمالي، أسكب سوف تفنى الأيّام
ويبقى في يديَّ فراغ".
الكائن البشريّ هو كائن القلق والغربة،
يهدّده المرض والموت وجرح المعطوبيّة
العميق، وفي قلبه حنين إلى المطلق،
وتوق حرّاق للشفاء والخروج من صحراء الغربة
والكآبة والخوف والقلق والهلع.
ألله وحده هو الجواب على هذا التمزّق
والضياع والخوف من المرض والموت والفناء والزوال.
العشق الإلهيّ هو الجواب الوحيد لتهدئة الظمأ الكيانيّ
إلى الحضور الإلهيّ، والبقاء في الله لقهر الموت
والمرض والفناء والزوال.
هذا هو الرجاء الشافي لهذا القلق ولهذه الغربة والكآبة.
الإنسان ليس متروكًا في وحشة شواطىء الوجود déréliction
حيث الموج يمحو كلّ أثر يتركه الإنسان.
هذا الإنسان الغارق بالغثيان الوجوديّ
لأنّه محكوم عليه كسيزيف Sisyph
أن يرفع صخرة هي تلّة من الرمال
أو أن يملأ سلالًا من الهواء وهو مأخوذ
بشبق شهوة الجنس وشهوة المال
وشهوة السلطة ومجدها، كما يقول،
القدّيس يوحنّا.
هذا السعي إلى الكمال والجمال هو الطريق
الوحيد لتهدئة أشواقه وعطشه وظمئه
الدينيّ والروحيّ.
فكما يقول Dostoïevski
مَن ينقذ العالم إلّا الجمال، لأنَّ الجمال
ظلّ من ظلال الجمال الإلهيّ اللامتناهي.
فلا يعود هناك هذا الجرح الوجوديّ
الكيانيّ النابع من ضربة حربة المعطوبيّة
الكائنة في الذات كالزجاج المشعور
في دميتنا الترابيّة أو الدلغانيّة.
فيخرج الإنسان من ذاته، من نرجسيّته
من نرسيسيّته Narcissisme وأنانيّته
ليلتقي بالآخر (L’autre) الذي هو
وحده الطريق إلى الله والخروج من ذاته
وعدميّة إلغاء الآخر، التي هي عدميّة
وموت للذات.
لن نخرج من هذا الانحلال إلّا بالحبّ
الذي يملأ اغترابنا بالسكينة.
ولذّة الموت كما يقول Hegel
وارتواء الظمأ الميتافيزيقيّ Métaphysique
والعطش إلى لقاء الله الذي خلقنا له ولأجل حبّه
كما يقول Augustin، ونشفى من معطوبيّتنا
ونهائيّتنا فنعود إلى نقاء ولادتنا ومهدويّتنا ويُعنى
دنسنا وتلوّثنا الكيانيّ بالخطيئة والشرّ
وشعورنا بالمذنوبيّة كما يقول
Paul Ricoeur.