دينيّة
10 أيار 2016, 09:07

البابا يوحنّا بولس الثّاني قدّيس مرّ بلبنان

ريتا كرم
"أحثّكم أنتم جميعاً أيّها اللّبنانيّون من كلّ المذاهب، على مواجهة هذا التّحدّي بنجاح، تحدّي المصالحة والأخوّة، والحرّيّة والتّضامن الّذي هو الشّرط الأساسيّ لوجود لبنان، ورباط وحدتكم على الأرض الّتي تحبّون." هل تذكرون تلك الكلمات؟ أتعرفون قائلها؟ إنّه الرّجل الّذي أحبّ لبنان لأنّه يذكّره بوطنه الأمّ، هو الّذي نطق بالحقّ والصّدق يوم حلّ في ربوعه، هو من فرحت الأرض والسّماء بقداسته، هو ذاك الكهل الّذي غطّى الشّيب رأسه ونبض قلبه بالشّباب الدّائم. هو بابا السّلام يوحنّا بولس الثّاني الّذي قبّل تراب لبنان تواضعاً ومحبّة منذ 19 سنة.

 

ففي تلك الحقبة، حلّ ربيع العام 1997 واللّبنانيّين تملأهم غبطة عظيمة لقدوم الآتي باسم الرّبّ، غبطة ترجموها في العاشر والحادي عشر من أيّار بأعدادهم الهائلة الّتي افترشت الطّرقات وامتدّت متماوجة على طولها فتمايلت الأيدي رافعة العلمين اللّبنانيّ والفاتيكانيّ، مرحّبة بالزّائر الملك والقائد.

كانت تلك الزّيارة الأولى من نوعها إلى لبنان والوطن العربيّ، زيارة للملاك الأبيض الّذي أراد أن يفرد جناحيه فوق جبال ووديان وسهول لبنان ناثراً السّلام المرجوّ، كأب ووصديق مؤازر لمسيحيّي أرض القدّيسين وداعم للعيش المشترك ومثبّت لركائز الحرّيّة والسّلام بعد حرب طويلة حاول اللّبنانيّون التّعافي منها.

فاستقطبت الزّيارة المسلمين كما المسيحيّين الّذين تحلّقوا على طول الطّريق من مطار بيروت الدّوليّ باتّجاه قصر بعبدا الرّئاسيّ حيث أطفأ الحبر الجليل شمعته السّابعة والسّبعين متسلّماً بحسب البروتوكول مفتاح المدينة ملتقياً بالرّؤساء الثّلاثة ورؤساء الطّوائف الإسلاميّة؛ ليحلّق بعدها بمروحيّة خاصّة في سماء لبنان متوجّهاً إلى مزار سيّدة لبنان حريصا حيث كان اللّقاء "الذّروة" بـ"ثروة لبنان" أيّ شبابه الّذين أتوا بعددهم الهائل الّذي وصل إلى الخمسين ألف فعجّت بهم البازيليك وباحات المقام، وامتلأت بصيحاتهم المعبّرة عن حبّ عميق أبدوه من دون تردّد أو خجل، فنادوا بأعلى صوتهم مع إطلالته المحبّبة: "أيّها البابا يوحنّا بولس الثّاني نحن نحبّك!" (John Paul II we love you!).

هناك، أصغوا إلى كلامه بشوق وانتباه معبّرين عن حلمهم وتوقهم إلى الحرّيّة والسّيادة والاستقلال. أمّا هو صاحب الابتسامة الرّقيقة والنّظرة الثّاقبة والقلب المحبّ فقدّم لهم الهديّة الكنز: الإرشاد الرّسوليّ "رجاء جديد من أجل لبنان"، تلك الثّمرة الطّيّبة للسّينودس من أجل لبنان الّذي عُقد عام 1995 بدعوة فريدة وسبّاقة منه أصرّ خلاله على مشاركة كلّ الطّوائف اللّبنانيّة من دون استثناء.  فوقّع عليه مسلّماً إيّاه للبطريرك المارونيّ حينها مار نصرالله بطرس صفير أمام ذاك الأفق الشّبابيّ الّذي عشقه وأعلنه قدّيساً مذّاك التّاريخ.

وفي اليوم الثّاني، شهدت الطّريق الممتدّة من جونيه نحو مرفأ بيروت تظاهرة شعبيّة لا مثيل لها، فأكثر من مئة ألف لبنانيّ تجمهروا على جانبي الطّريق وصولاً إلى الواجهة البحريّة حيث أكملت اللّوحة الفسيفسائيّة ذات النّصف مليون نسمة المشهديّة فترأّس البابا هناك القدّاس الحبريّ، فظهرت الكنيسة في مجد وتألّق، والوطن بلحمة وتضامن، وولدت شرارة من الأمل قطعت على الخوف تسلّله إلى القلوب فاتحة الأفق نحو المصالحة والأخوّة.

فيا أيّها اللّبنانيّون، مسلمون ومسيحيّون، اليوم وفي ذكرى هذه الزّيارة، لنفتح صفحات الإرشاد الرّسوليّ مرّة جديدة، ونشرّع قلوبنا على وصايا البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، ولنعمل معاً- اليوم قبل الغد- لأجل خطّة تنهض بالوطن وأبنائه جميعاً، فتتحقّق مقولة البابا الشّهيرة: "لبنان أكثر من وطن، إنّه رسالة".