دينيّة
10 تموز 2020, 07:00

الشّهداء المسابكيّون... بطولة مقدّسة

ريتا كرم
هم ثلاثة موارنة يختصرون تاريخًا مجيدًا خطّ خلاله أبناء الطّائفة بدمائهم بطولات إيمانيّة لا يزال التّاريخ يحكي عنها والكنيسة تشهد لها لغاية اليوم. هم الأخوة المسابكيّون فرنسيس وعبد المعطي وروفائيل مسابكي.

 

فيهم اجتمعت الفضائل المسيحيّة من دون أن يلبسوا ثوب الرّاهب ولا الكاهن، بل نمت تلك في أرباب العيل هؤلاء بمجهود شخصيّ وسهر دائم على مخافة الرّبّ وعيش تعاليمه والتّسليم لمشيئته.

الثّلاثة كانوا من بين اللّاجئين إلى دير الرّهبان الفرنسيسكان في دمشق، في 10 تمّوز/ يوليو 1860، هربًا من سخط العثمانيّين وتحديدًا الوالي أحمد باشا السّفّاح الّذي أراد القضاء على المسيحيّين، بعد أن فرضت معاهدة باريس (30 أيّار/ مايو 1856) على السّلطان العثمانيّ عبد المجيد "إعلان المساواة" بين جميع رعايا السّلطنة وإلغاء امتيازات المسلمين. هذا الأمر أجّج الوضع سوءًا بين الطّرفين بخاصّة في لبنان وسوريا وأشعل شرارة الحرب.

كانت الثّامنة ليلاً عندما لجأ الإخوة الثّلاثة إلى الكنيسة الّتي أقفلت أبوابها عند الحادية عشرة مساء على جماعة المؤمنين الّذين صلّوا واعترفوا وتناولوا القربان المقدّس. فامتلأوا إيمانًا بالرّبّ الّذي فيه خلاصهم، وعزّز ثقتهم المزمور 26 القائل: "إذا اصطفّ عليّ عسكر فلا يخاف قلبي، وإن قام عليّ قتال ففي ذلك ثقتي".

بعد منتصف اللّيل، دخل الرّعاع عنوة إلى الدّير شاهرين أسلحتهم بوجه اللّاجئين الّذين نجح بعضهم بالفرار والبعض الآخر بالاختباء، في حين بقي بعضهم في الكنيسة تحت حماية أنظار الأمّ الحزينة. المسلّحون طلبوا من فرنسيس وأخويه أن ينكروا دينهم ويعتنقوا الإسلام فيخلصون، إلّا أنّ جواب فرنسيس كان بالمرصاد، فقال: "إنّنا مسيحيّون وعلى دين المسيح نموت. إنّنا نحن معشر المسيحيّين لا نخاف الّذين يقتلون الجسد، كما قال الرّبّ يسوع". بكلامه شجّع وثبّت أخويه "لأنّ إكليل الظّفر معدّ في السّماء لمن يثبت حتّى المنتهى"، فأعلنا إيمانهما الرّاسخ: "إنّنا مسيحيّان ونريد أن نحيا ونموت مسيحيّين".

بعدها انهال عليهم المسلّحون بالضّرب والطّعن، فأسلموا أرواحهم وأعلنوا طوباويّين في ت1/ أكتوبر 1926.

اليوم، وفيما تحتفل الكنيسة المارونيّة بشهدائها الّذين كانوا من بين "شهداء دمشق" الطّوباويّين، نتذكّر كلّ المسيحيّين الأبرار الّذين سقطوا على مذبح الرّبّ شهداء ولا يزالون، رافضين التّخلّي عمّن افتداهم على الصّليب؛ ونرفع إلى الله كلّ الأوطان المتألّمة الّتي لا تزال تنزف بسبب ظلم وإجحاف جهّال أغمضوا أعينهم عن حقيقة الله والإيمان فتعدّوا على بيوته من دون خجل ولا حياء، سائلينه الخلاص العاجل والقيامة القريبة.