دينيّة
13 أيلول 2020, 07:00

خاصّ– الصّلاة صلة... أنت فرّيسيّ أم عشّار؟

غلوريا بو خليل
"يسلسل الإنجيليّ لوقا من الفصل الثّالث عشر حتّى الفصل الثّامن عشر أربعة عشر مثلًا، متوجّهًا بالأخير لمن يعتبرون أنفسهم أطهارًا ويحتقرون الآخرين. ويطلعنا إنجيل القدّيس لوقا (18/ 9 – 14) في الأحد السّادس عشر والأخير من زمن العنصرة أنّ هناك نوعان من المصلّين: الفرّيسيّ والعشّار." بهذه المقدّمة استهلّ نائب رئيس رعيّتي مار أليشاع وسيّدة بزعون في بشرّي الرّاهب المارونيّ المريميّ الأب دومينيك نصر حديثه لموقعنا.

وللتّعمّق في هويّة هذين الشّخصين وأثرهما في تعاليمنا، أردف الأب نصر شارحًا: "الفرّيسيّ هو الذي يعتبر نفسه بارًّا ومحافظًا على الشّريعة ومتمّمها من دون منازع. إنّه يحتقر العشّارين الذي يعتبرهم خطأة وغير أهل للرّحمة، وبالنّسبة له إنّه على يقين أنّهم لن يصلوا إلى بِرّه وغيرته على الله وشريعته.

أمّا العشّار فهو ذاك الإنسان الذي كان يُعتبر خائنًا وعميلًا للأعداء إذ يأخذ العشر (أيّ ضريبة الـ10% على مداخيله) من الشّعب اليهوديّ ويعطيه للعدوّ الرّومانيّ، وهو محتقر من بني قومه. هذا العشّار أتى إلى الهيكل يقرع على صدره، واقفًا بعيدًا خاجلًا من أن يرفع نظره نحو الله".

وأكمل قائلًا: "يعلّمنا الرّبّ يسوع في هذا المثل شرطًا أساسيًّا لتكون صلواتنا مقبولة ألا وهو أن نصلّي ونحن شاعرين بأنّنا لا نستحق شيئًا، وبأنّ خطايانا هي سبب بعدنا عن الله. وعند الشّعور بأنّنا خطأة، لا يحقّ لنا أن نطالب بشيء سوى مراحم الله "اللّهم ارحمني أنا الخاطئ"، فهذا هو القول الوحيد الذي يمكننا من غير استحقاق أن نردّده. من صلاة هذا العشّار تعلّمت الكنيسة الصّلاة التي نردّدها ليسوع "يا ربّي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ"، ونردد أيضًا في كلّ صلوات الكنيسة "يا رب ارحم".

يعلّمنا هذا المثل أنّ الإنسان حين يتّكل على بِرّه يسقط سقوطًا قاتلًا، أمّا حين يتّكل على برّ المسيح فيشعر بخطاياه ويتبرّر في نظر ذاته والآخر والله."

من ثمّ تأمّل الأب نصر بالصّلاة قائلًا: "الصّلاة هي صلة تجمعنا مع يسوع: إلهنا وصديقنا وحبيبنا.

علاقتنا معه كإله لنا: يجب أن تكون علاقة مخلوق يعرف حجمه وبأنّه لا يساوي شيئًا. إلهنا هو الذي أوجدنا من العدم إلى الحياة، فلا يحقّ لنا أن نعاتبه وأن نفرض عليه ما نراه مناسبًا. يجب أن نشكره دائمًا على كلّ عطاياه المجانيّة وبخاصّة تجسّده من أجل خلاصنا.

علاقتنا معه كصديق وحبيب لنا: إنّه الصّديق الوفيّ والحبيب الذي يفتدي بذاته بمجانيّة كاملة. يجب عليّ أن أتعلّم منه وأن أتّحد به لتصبح كلّ الحركات والكلمات والتّعابير منه وإليه.

يجب علينا أن نعيش روح الانسحاق نحو إلهنا، أن نرى بأنّنا بالمسيح فقط تغفر خطايانا. فبهذا العمل الذي قام به العشّار انمحت منه شروره، أيّ المجد الباطل والكبرياء، حبّ المال، السّيطرة وغيرها...

ومن ناحية أخرى نرى أنّ كبرياء الفرّيسيّ يجعله يقع في إدانة الآخرين، لا بل في أيّ خطيئة. إنّ صلاته تدور حول محور واحد وهو الذّات ويرى نفسه الكامل بأعماله وصلاته، على عكس الآخرين الخطأة والضّالين. والمميّز عند الفرّيسيّ أنّه هو الحاكم والمقرّر والمقيّم لصلواته ولصلوات الآخرين."

وأردف: "القدّيسون جميعًا كانوا ينظرون إلى أنفسهم أنّهم أحقر النّاس، منهم من كان يعترف كلّ يوم وآخرون كانوا يبكون على خطاياهم، ومنهم من كانوا يمرّون في ليالٍ مظلمة... لأنّهم كانوا يبصرون عظمة الله وحقارة الإنسان."

وإستخلص الأب نصر حديثه حول هذا النّصّ الإنجيليّ قائلًا: "هذا المثل يمثّل كلّ فرد منّا، فنحن ننظر إلى الآخرين نظرة خارجيّة ونحكم عليهم، وننظر إلى ذواتنا كقدّيسين ولا جروح فينا، فكم من مؤمن في أيّامنا هذه يدخل الكنيسة وينظر إلى الآخرين باحتقار وكبرياء... هنا تكمن المشكلة الكبيرة إذ نكون الصّورة المشوّهة ليسوع الذي يحبّ الخطأة وليس الخطيئة، فهو الذي قال "جئت من أجل الخطأة وليس للأصحّاء"، ومن منّا ليس مجروحًا وخاطئًا؟"

وإختتم الأب نصر حديثه مصلّيًا: "نطلب منك يا ربّ أن تعطينا نعمة التّواضع، فنقرع كلّ يوم صدرنا في صلواتنا قائلين: "إرحمنا يا ربّ نحن الخطأة. آمين."