خاصّ– مفوّض: هل نشهد بدورنا لفرح القيامة أم صار الحدث ذكرى سنويّة فلكلوريّة؟
"لم يكن من السّهلِ تصديق حدث القيامة وكأنّه أمرٌ بديهيّ يحدث كلّ يوم. بل إنّ وَقعَ الموت كان مرًّا ومحطّمًا للآمال والأحلام. هذا المخلّص المنتظر منذ عهود لم يأت مُخلِّصًا لشعبه، بل هو من احتاج إلى من يخلّصهُ من عذاباته وموته المحتّم على الصّليب. هذه تصوّرات وأفكار التّلاميذ التّائهين، الضّائعين في مهبّ الرّيح وكأنّ كلّ شيءٍ انتهى، كلّ شيءٍ كان وهمًا واختفى. هذا هو موقف تلميذَي عمّاوس مغادرين أورشليم مدينة الأحزان والقلق، عائدين إلى ما قبل المسيح، إلى حياتهما وعاداتهما السّابقة. تركا بشرى القيامة والخلاص التي نصّها العهد القديم، وحتى نَسيا كلام المسيح عن موته وقيامته بهدف تحضيرهما لهذا الحدث والمصير. رحلا عن أورشليم حاملين كآبة الموت وكُربة الأحزان، كأنّهما خُدِعا. إنّها مسيرة إحباطٍ إلى بلدتهما وحياتهما وتاريخهما وماضيهما. مسيرة مرافقة ظهر فيها القائم ولم يعرفاه. مسيرة اثنين أصبحت ثالوثيّة. وجود الله في مسيرة حياتنا لا بدّ من أن يحوّل الأحزان أفراحًا واليأس رجاءً. ضاقت بهما هموم الحياة بعد رحيله وغشاوة الوحدة غلّفت أعينهما فغفلا عن معرفته. وكأنّ نور المسيح ليس بنور، ووهج القيامة بات باهةً لا ضياء فيه." بهذه المقدّمة استهلّ الخوري مفوّض حديثه.
وأردف قائلًا: "نعم، ما أدركاه وما عرفاه. لكنّهما استعذبا كلامه العميق واللّطيف، الذي يزرع السّكينة في القلوب، والطّمأنينة في الأفكار المشوّشة. الله يأتي كنسيمٍ عليل لا يتطفّل على حياتنا، بل نحن من نرغب به وندعوه للبقاء. وهذه حال التّلميذين. عند الوصول لم يشاءا أن يغادرهما. ها إنّ النّهار قد مال وحان المساء، فامكث معنا، أمكث ههنا في ظلمة حياتنا، وأضئ بنورك اسودادها. هو المسيح القائم غير المُدرك، قد دخل عتبة حياتهما لينيرها بأنوار قيامته. وكان حدث المعرفة والحقيقة وانجلاء كلّ الأمور عند كسر الخبز. عرفاه عند كسر الخبز، جسده الذي سُكب خلاصًا للجميع، ها هو يعيد مشهديّته على مائدتهما. مائدتهما الجائعة إلى الدّواء الشّافي، إلى الحقيقة التي تكشف مرارة الأحداث. يسوع يُعيد البصر إلى بصيرتهما الغارقة في ديجور هذا العالم. كسر الخبز أمامهما، فكُسِرَ الخوف والوحدة وعادت أنوار القيامة تُشِّعُ في قلبيهما. وعادا أدراجهما إلى قلب الحدث، إلى أورشليم حيث انطلقت بشرى القيامة مع المريمات. عادا ليصيرا رسولا رجاء مُعلنين الخبر السّار: المسيح قام، حقًّا قام! ونحن شهودٌ على ذلك!"
وتابع مؤكّدًا: فعلاً تلميذي عمّاوس كانا شاهدي عيان لرؤية المسيح. واليوم هل نشهد بدورنا لفرح القيامة أم صار الحدث قصّة نمطيّة، ذكرى سنويّة فلكلوريّة؟ إذا كنّا أبناء الرّجاء، فلنجعل من الرّجاء المسكوب فينا سفينة عبور في وسط الصّعاب والمحن. ولتكن راية المسيح القائم هي مرساة النّجاة. لا نخف ممّن يقتل الجسد بل لنخف ممّن يقتل الرّوح. في ظلّ الأوضاع المُهلكة والتي تُثقل كاهلنا، فلنُبقي أعيننا موجّهة إلى الصّليب حيث عُلّق الألم مع المسيح ولم يفتح فاه. ولننظر إلى صليب القيامة، حيث المسيح قام منتصرًا وكسر شوكة الموت. وكما يقول بولس الرّسول إلى أهل روما: "فمَن يَفصِلُنا عن مَحبَّةِ المسيح؟ أَشِدَّةٌ أَم ضِيقٌ أَمِ اضْطِهادٌ أَم جُوعٌ أَم عُرْيٌ أَم خَطَرٌ أَم سَيْف؟ فقَد وَرَدَ في الكِتاب: " إِنَّنا مِن أَجْلِكَ نُعاني المَوتَ طَوالَ النَّهار ونُعَدُّ غَنَمًا لِلذَّبْح". ولكِنَّنا في ذلِكَ كُلِّه فُزْنا فَوزًا مُبينًا، بِالَّذي أَحَبَّنا." (رو8/ 35-37)
وبكلمة ملؤها الرّجاء وبمناجاة من القلب اختتم الخوري مفوّض تأمّله قائلًا: "مع تلميذي عمّاوس، دعوة لنسير ونلتقي بالمسيح في دروب حياتنا، ولتنفتح أعيننا ونرى كم هو جميل مكوثه معنا، في الإفخارستيّا وفي كلمته المقدّسة. نعم يا ربّ، هب لعيوننا وقلوبنا اندهاشًا، عندما نلمسك وندرك حضورك في وسط حياتنا. فنعرف أنّك دائم الحضور حتّى عندما تنام في مؤخّرة سفينتنا، نعرف أنّك حاضر. فقط علينا أن نثق بك، ونثق بأنّك القيامة والحياة الأبديّة. آمين.".