ثقافة ومجتمع
08 أيار 2017, 09:31

قصّة اليوم: سامحنى أنا العمياء

كنت أنا وأبي وأمي في طريقنا إلى المصيف، وبينما كان أبي يقود سيّارته إذ بمقطورة كبيرة تصطدم بالسيارة ولم أدر بعدها بشيء ... ولكني أفقت وأنا أتساءل لماذا انقطع التيار الكهربائي؟ أما توجد شمعة؟

 

أخبرتني الممرضة أنّ عيناي أصبحتا ضعيفتان، ولكنّ الحقيقة المرعبة أنّني أصبحت أعمى ! الظلام يحوطني من كل جانب، فصرخت بفزع أين أمي؟
أخبروني بلطف إنها بقسم آخر من المستشفى لأنّها أصيبت بشلل، شعرت أنّ الظّلام الذي يحوطني أصبح دامسًا حالكًا وكأنّي أمسكه بيدي.
وفي الصباح، زارني، ويا ليته ما زارني، فقد كانت الصاعقة الثالثة، إذ أنّه أخبرني برقة مصطنعة ما معناه أنّني أصبحت شخصًا عاجزًا محتاجًا لمن يخدمه، وأنّ أمي مشلولة ولذا فإنه سيودعني مركز المكفوفين. وقبل أن أفيق من صدمتي كان قد تركني.
ما هذا ؟ بالتأكيد إنه حلم أو كابوس!! 
منذ أيام كنت الإبن المدلّل لأبي وأمي والآن في بيت المكفوفين. لا، لا بدّ أنّ أبي سيأتي غدًا ويأخذني في حضنه إلى بيتي وإذا بصوت أمي تبكي بحرقة وهي تودّعني، عرفتها من صوتها الحنون وحضنها الدافئ، "لا تخف يا حبيبي ستعود إلى البيت ويسوع سينوّر عينيك وقلبك"، ظللت أبكي حتى وصلت بيت المكفوفين، واستقبلتني المسؤولة بترحاب إلا أنّي لم أتكلم ولم آكل لمدّة يومين.

وفي يوم، جاءت المشرفة وتحدّثت معي حديثًا لا أنساه، قالت لي ربنا قال: ""إنّ الله أمين فلن يأذن أن تجرّبوا بما يفوق طاقتكم بل يؤتيكم مع التّجربة وسيلة الخروج منها بالقدرة على تَحَمُّلها" (1قور 10: 13)، فلا بد إنك إنسان قوي وأنا لا أريدك أن تخدم نفسك فقط، بل أن تخدم الآخرين وتتفوّق في دراستك فأنت إنسان ذكي وعندك حبّ للآخرين، لا تضيّع وقتك فلديك رسالة".

كان لكلماتها أثر السحر في نفسي وأخذت أردّد أنا لست عاجزًا "أستطيع كلّ شيء بذاك الّذي يقوّيني" (فيل 4: 13).

مرّت السّنوات وتفوّقت في دراستي وساعدت كلّ كفيف في المركز على أن يستثمر مواهبه، وعندما زارني والدي في أول عيد رفضت مقابلته ولكن عندما دخلت محبّة الله قلبي، طيّبت جروحي ومسحت دموعي وأصبحت إنسانًا قويًّا.

لكنّ القصّة لم تنته، فقد اضطر المركز أن يطلب من والدي أن يضمني إلى بيته بعد أن أكمل رسالته معي ولكنّ المشكلة أنّ أمّي كانت قد ماتت وأبي تزوّج وأنجب ولدًا وبنتًا وشعرت مرّة أخرى أنّني شخص غير مرغوب فيه وعاملتني زوجة أبي بقسوة شديدة، فكانت تتعمّد أن تكرّر كلمة الأعمى كثيرًا في حديثها معي أو عنّي، ولكن كلّ هذا لم يشغلني لأن الله ملأ قلبي بمحبّة الجميع. وفي يوم، شعرت أنّ أخي الأصغر يسير في طريق الهلاك بسبب رفاق السوء. حاولت أن ألفت نظر والدي وزوجته فشتمتني واتّهمتني بالحقد أنا الأعمى.

وفي أحد الأيام لم يرجع أخي إلى المنزل حتّى الصباح وظلّت أمّه تبكي. اتّصلت بأحد زملائي في المركز وكان يبصر قليلًا وخرجنا نبحث عنه عند كلّ أصدقائه حتى وجدناه في حالة غير طبيعيّة، فحملناه بصعوبة بالغة إلى المنزل، وما أن رأتني زوجة أبي حتى ضمّتني إليها وهي تبكي وتقول "سامحني يا ابني ...أنا العمياء وأنت البصير لقد أنار الله قلبك ... سامحني".