العراق
06 شباط 2023, 12:50

أبرشيّة الموصل وتوابعها احتفلت برئيس أساقفتها الجديد بوضع يد البطريرك يونان

تيلي لوميار/ نورسات
رسم بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، يوم الجمعة، الخوراسقف يونان مبارك حنّو مطرانًا رئيس أساقفة لأبرشيّة الموصل وتوابعها، بإسم "مار بنديكتوس يونان حنّو"، وذلك خلال قدّاس إلهيّ اجتفل به في كنيسة الطّاهرة الكبرى- قره قوش، عاونه فيه لفيف من الأساقفة، بحضور السّفير البابويّ في العراق المطران ماتياس لسيكوفار وإكليروس من مختلف الكنائس الشّقيقة في العراق، وعدد من المسؤولين المدنيّين والعسكريّين، وضيوف من أصدقاء الطّائفة.

خلال القدّاس، ألقى يونان عظة تحت عنوان "أنا هو الرّاعي الصّالح، قال فيها بحسب إعلام البطريركيّة: "اليوم تستقبل أبرشيّة الموصل وتوابعها رئيس أساقفتها الجديد المطران المنتخَب يونان حنّو، الّذي انتخبه مجمع أساقفة كنيستنا السّريانيّة في شهر حزيران الماضي، وثبّت قداسة البابا فرنسيس هذا الانتخاب، كي يخدم أبرشيّتكم العزيزة بروح الرّبّ يسوع الرّاعي الصّالح.

الكثيرون منكم يعرفون "أبونا يونان"، فهو من أبناء أبرشيّتكم المحبوبة، العريقة بتاريخها، والشّهيرة بشهادتها الإيمانيّة الّتي قدّمَتْها في سنوات المحنة، بل النّكبة الأليمة، أبرشيّة غالية علينا، فخورة بأبنائها وبناتها الرّاسخين في الإيمان وغير المتزعزين في الرّجاء. أبرشيّة تعتزّ بكهنتها ورهبانها وراهباتها وجميع المكرَّسين للخدمة فيها، أبرشيّة أضحتْ مثالاً يُقتدى به، في الشّهادة الحياتيّة للرّبّ، حتّى الاستشهاد من أجله، مع عيش المحبّة والمناداة بالتّسامح نحو الجميع، حتّى نحو الّذين كانوا أداةً لمعاناتهم الظّالمة والمظلمة.

لقد أنعم الرّبّ على هذه الأبرشيّة برعاةٍ أجلّاء ذوي خدمة أسقفيّة تميّزتْ بالتّقوى والحكمة والقرارات المحقّة، بروح التّواضع والوداعة. كلُّ ذلك بالرّغم من الأزمنة المُرهِقة النّكراء، يومَ غابتِ الدّولة، وانتشرتِ الفوضى، ومعها القهرُ والظُلم والمتطلّبات الكثيرة. قليلون يجهلون كم عانى وتحمّل أساقفة أبرشيّتكم، من راقدين وآخرهم المثلَّث الرّحمات المطران مار قورلّس عمّانوئيل بنّي، وقد خدمكم أربعين عامًا بالتّفاني والإخلاص، ومن أحياءٍ أطال الله بعمرهم، وهم: المطران مار باسيليوس جرجس القسّ موسى الّذي استلم الخدمة في سنوات الفوضى العارمة في مدينة الموصل، ورعى الأبرشيّة بروح أبويّة حكيمة، والمطران مار يوحنّا بطرس موشي الّذي عانى ما عانيتُم من تنكيل واقتلاع من أرضكم، وتهجير ولجوء، فحافظ على الأبرشيّة في أرض المنفى بجهودٍ مضنيةٍ، إلى أن أعادها بقوّة الرّبّ مُصانةً إلى أرضها الأمّ، والمطران المدبّر البطريركيّ مار أفرام يوسف عبّا، الّذي قَبِلَ تعييننا له منذ أيلول عام 2021 بطاعة مثاليّة، وبذل بعطاء جمّ وسخاء كبير وتفانٍ ملحوظ ومقدَّر، كلّ ما في وسعه لكي يخدمكم برعاية أبويّة، يقطع الطُّرق ذهابًا وإيابًا من أبرشيّته في بغداد، كي يكون بينكم، راعيًا وخادمًا ومرشدًا ومدبّرًا، يُصغي ويتفهمّ ويُرشد ويضحّي، راسمًا الشّمامسة لكي يتكرّسوا لخدمة الهيكل بالخدمة المجّانيّة، ويساعدوا كهنة الرّعايا، ويعطوا للشّبيبة مثال الأب والزّوج.  

في هذا اليوم المخصَّص للصّلاة من أجل الأحبار والكهنة الّذين خدموا والّذين لا يزالون يقومون بالخدمة، نصلّي لأساقفة هذه الأبرشيّة العزيزة وكهنتها، كما لكلّ الأساقفة والكهنة، طالبين الرّحمة لمن غادرونا إلى بيت الآب السّماويّ، ونشكر إخوتنا الأساقفة والكهنة المشاركين اليومَ معنا، من كنيستنا ومن الكنائس الشّقيقة، متمنّين لهم طولَ العمر في العافية والنّعمة. ونخصّ بالذّكر أصحاب السّيادة الإخوة الأحبار الأجلّاء والآباء الكهنة الّذين رافقونا للمشاركة في هذه الرّسامة والزّيارة الأبويّة، قادمين معنا من لبنان وسوريا والأراضي المقدّسة، ومن أبرشيّاتنا في العراق.

من باب العدل أن ننّوه بما قاساه وتحمّله المطران بطرس موشي عندما اقتلعه الإرهابيّون مع أبرشيّته بالكامل ليل السّادس من شهر آب 2014. لقد أُرغِمتُم جميعًا، إكليروسًا ورهبانًا وراهباتٍ ومؤمنين مسالمين، على النّزوح، وتحمّلتم بصبرٍ عجيب شروط اللّجوء إلى أرض غريبة، فيها استضافكم إقليم كوردستان بمسؤوليه من كنسيّين ومدنيّين، وهم قد اختبروا في تاريخهم القديم والحديث آلام اللّجوء، ولم يتقاعسوا عن تقديم ما يستطيعون للتّخفيف من معاناتكم والحفاظ على كرامتكم الإنسانيّة.  

وبعد عامين من تلك المعاناة المخيفة، عدتم، والحمدلله، إلى أرض الآباء والأجداد في قرى وبلدات سهل نينوى، قره قوش- بخديده، وبرطلّه، وبعشيقه. ولا تزالون ترمّمون ما تهدّم، وتُعيدون ما احترق إلى رَونقه الأصيل، من بيوت وكنائس ومدارس ومستشفيات ومراكز ومؤسّسات، وباتّكالكم الرّاسخ عليه تعالى نفضتُم غبار النّكبة المخيفة، وما رضخْتُم للتّهديد ولجُرم عصابات التّنكيل والتّهجير، بل حافظتم على هويّتكم المسيحيّة وكرامتكم الإنسانيّة. وبذلك أعطيتم المثال للجميع بأن يُثمِّنوا حقوقهم المشروعة، مع احترام الحقوق المشروعة لجيرانهم المواطنين الشّرفاء، لأيّ دين أو طائفة انتموا.

وبالرّغم من النّكبات والمآسي، لا تزال أبرشيّتُكم أمينةً للرّبّ، وفخورةً بالعراق- الوطن الغالي، ومُشرقةً بين أبرشيّات كنيستنا أينما كانتْ، معطاءةً تُغذّي العديد من الرّعايا والإرساليّات في بلاد الاغتراب بالكهنة والمُرسَلين، وترسل الكهنة الجديرين للدّراسة المتخصّصة.

أبونا يونان، مطرانكم الجديد، هو عارفٌ بأنّ الدّعوة إلى الخدمة الأسقفيّة بانتخاب مجمع أساقفة كنيستنا بإلهامٍ من الرّوح القدس، هي نعمةٌ مجّانيّةٌ ينالها من الرّبّ يسوع، الّذي يدعو مختاريه، لا لأنّهم ذوو حقّ مُكتسَب، أو لأنّهم أكثر كفاءةً من إخوتهم في الكهنوت، بل لأنّه قرّر بقناعة تامّة أن يخدم أبرشيّته: إخوته الكهنة، والمؤمنين. لذا عليه أن يتذكّر قول معلّمه الفادي الإلهيّ: "... أنا اخترتُكم... لتنطلقوا وتأتوا بثمارٍ وتدومَ ثماركم". فالرّبّ يسوع هو الّذي ينتقي خادمه ويصطفيه ويرسله كي يؤدّي الخدمة في المكان والزّمان الّذي يختاره بحسب مشيئته المقدّسة، وهو الّذي يبارك عمله ليؤتي ثمار البرّ والقداسة، ويفيض بنور المسيح بين الّذين اؤتُمِنَ على خدمتهم.  

عليك يا أبونا يونان، أن تعرف أبرشيّتك الّتي لا تزال تعاني من النّكبات الّتي حلّت بها، بشرًا وحجرًا. وقد ظلّت محافظةً على وديعة الإيمان بالرّغم من معاناة الاقتلاع من أرض الآباء والأجداد، ومن تحدّيات التّهجير والتّشرّد الّتي يجابهها أولادنا في أصقاع العالم عبر البحار والمحيطات.

عليك أيّها الأب العزيز يونان، وقد لبّيتَ اليومَ دعوة معلّمك الإلهي، أن تسير وراءه دون خوفٍ أو تردُّد، حاملاً صليبك، بالتّواضع، والتّجرّد، والحكمة الحازمة والوديعة، ناظرًا على الدّوام إلى خشبة الصّليب، ومتأمّلاً بالمصلوب، فهو، كما تنشدُ كنيستُك السّريانيّة: "ܐܳܬܳܐ ܕܫܰܝܢܳܐ ܘܢܺܝܫܳܐ ܕܙܳܟ̣ܽܘܬܳܐ - آية الأمان وعلامة الظّفر!". من الفادي المصلوب تستلهم فعلاً، وليس بالقول والوعود، مسيرةَ الخدمة الأسقفيّة الصّادقة والنّزيهة.

شجّع بولس رسول الأمم تلميذه تيموثاوس على أن: "لا يستخفَّنَّ أحدٌ بحداثتك، بل كُن قدوةً للمؤمنين بالكلام والتّصرّف، بالمحبّة والإيمان...!" (1 تيم 4: 12). فقبل أن يعظ الأسقف والكاهن بتعليمه، فهو يعظ بحياته، يشبه معلّمه يسوع الّذي عمل ثمّ علّم. إنّه مثالٌ للجميع "بالكلام والسّلوك والمحبّة والإيمان والطّهارة". أجل، الأسقف والكاهن بالدّرجة الأولى، والمؤمن، ولاسيّما صاحب المسؤوليّة، صار "مشهدًا للعالم وللملائكة وللنّاس" (1 كور 4: 29). ويجب أن يضيء نورُه أمام النّاس ليروا أعماله الصّالحة ويمجّدوا أباه الّذي في السّماء (مت 5: 16).

حين يعتمد المؤمن ينال موهبةً خاصّةً، وحين توضَع اليد على رأس الأسقف والكاهن، ينال موهبة خاصّة. فالله لم يرسلْنا صفر اليدين، بل منحنا نعمته، وها هو يرافقنا يومًا بعد يوم، ونحن نضع ملء ثقتنا به. ويقول لكلّ واحد منّا، كما قال على لسان إشعيا النّبيّ: "لا تخف أنا أنصرك" (اشعيا 41: 13ب)، هذه الآية المباركة الّتي اتّخذتَها يا أبونا يونان شعارًا لأسقفيّتك. وهكذا فالخادم الصّالح للمسيح يتحلّى بالحكمة، ولو أوصلَتْهُ هذه الحكمة إلى الصّليب. ويتحلّى بالأمانة والثّبات، كي لا يسمع يومًا كلام الرّبّ يقول له كما في سفر الرّؤيا: "أعتب عليك لأنّك تركتَ محبّتك الأولى (رؤ 2: 4). كما يتحلّى بالغيرة الرّسوليّة الّتي تُفهِمُه أنّ عمله في النّهاية هو امتدادٌ لعمل الرّبّ يسوع، وخدمته هي تكملةٌ لذاك الّذي خدمَنا على الأرض ويستعدّ لخدمتنا في السّماء.

وها هم آباؤنا السّريان يُبرِزون أهمّيّة خدمة الأسقف والكاهن:

" ܒܥܺܝܪܽܘܬܳܐ ܛܰܪ ܡܰܪܥܺܝܬܳܟ ܡܶܢ ܣܽܘܓܦܳܢ̈ܶܐ ܘܚܶܪ̈ܝܳܢܶܐ܆ ܕܚܽܘܫܒܳܢܳܐ ܐܺܝܬ ܠܳܟ ܕܬܶܬܶܠ ܩܕܳܡ ܕܰܝܳܢܳܐ ܕܟܺܐܢܽܘܬܳܐ ܕܠܰܝܬ ܒܕܺܝܢܶܗ ܡܰܣܰܒ ܒܰܐܦ̈ܶܐ" - "بيقظة إحفظْ رعيّتك من كلّ الأخطار والنّزاعات، إذ ستؤدّي عنها حسابًا أمام الدّيّان العادل الّذي ليس لديه محاباة".

إنّ رسالة الخدمة الأسقفيّة هي أصعب ما يكون في عالم اليوم. هناك صعوبة التّواصل، وصعوبة التّفاهم، وصعوبة اكتناه ما توصّلت إليه التّقنيّات الحديثة، بل المعاصرة. هناك الأسئلة الّتي يلقيها شباب اليوم، طالبين من أبيهم الرّوحيّ الأجوبة على همومهم وقلقهم، أجوبةً تطمئنهم نفسيًّا وتريحهم فكريًّا.

وهناك التّراجع في عيش المحبّة بصدق وبسخاء، فيما عالم اليوم مُجرَّب بعدوى الأنانيّة والانفراديّة، كما يحصل في الخلافات بين الأزواج، الّتي تهدّد المحبّة الزّوجيّة والعائلة. إنّها مسؤوليّة جسيمة تقع على كاهلك، يا أبونا يونان، أن تبقى أمينًا لتعاليم الكنيسة السّريانيّة المستقاة من الكتاب المقدّس ومن تعاليم الرّسل والملافنة والآباء، ومن القوانين الطّبيعيّة، بأنّ على العائلة أن تبقى مؤسَّسة على الرّجل والمرأة، على الأب والأمّ، خلافًا لما يأتينا من بعض الدّول والمجتمعات الغربيّة من تعاليم خاطئة وشرّيرة، بحجّة أنّها علامات الأزمنة، وغايتها أن تهدم العائلة الّتي عرفناها كما عرفَتْها البشريّة منذ ظهورها، وهي العائلة الّتي ندعوها بحقّ: "الكنيسة البيتيّة".  

وخير ما نختم به اقتباسٌ من تأمُّلٍ لأحد آبائنا السّريان:

" ܡܳܐ ܦܰܐܝܳܐ ܠܳܗ̇ ܠܟܳܗܢܽܘܬܳܐ ܡܰܟܺܝܟ̣ܽܘܬܳܐ܆ ܢܺܝܚܽܘܬܳܐ ܘܕܰܟ̣ܝܽܘܬ ܠܶܒܳܐ ܘܝܽܘܠܦܳܢܳܐ ܓܡܺܝܪܳܐ... ܢܶܗܘܶܐ ܥܺܝܪ ܟܳܗܢܳܐ ܕܰܐܠܳܗܳܐ܆ ܘܰܡܫܰܡܠܰܝ ܒܰܥܒܳܕ̈ܶܐ ܛܳܒ̈ܶܐ. ܘܰܡܕܰܒܰܪ ܒܰܝܬܶܗ ܫܰܦܺܝܪ ܘܥܺܕܬܶܗ ܕܰܡܫܺܝܚܳܐ"- "ما أبهى أن يتّصف الكهنوت (والأسقفيّة) بالتّواضع، والوداعة، ونقاوة القلب، وكمال العلم... فليكن كاهن الله ساهرًا، ومكمَّلاً بصالح الأعمال، ومدبّرًا بيته حسنًا وكنيسة المسيح".

هذا ما نضرع إلى ربّنا وإلهنا أن يمنحه للمطران الجديد، ولنا جميعًا، ولكلّ خدّامه، إكليروسًا ومؤمنين، له المجد على الدّوام، الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، بشفاعة أمّنا مريم العذراء الطّاهرة، وجميع القدّيسين والشّهداء.

نجدّد التّهنئة للمطران الجديد، ولعائلته، ولأبرشيّة الموصل وتوابعها، كهنةً وإكليروسًا ومؤمنين، ولكم جميعًا، مع الشّكر لجميع الّذين تعبوا في الإعداد لهذه المناسبة التّاريخيّة المباركة."

ثمّ كانت كلمة شكر ألقاها المطران الجديد، جاء فيها: "بدايةً أقدّم شكري ومحبّتي وطاعتي إلى الله الّذي دعاني لأكون كاهنًا في كنيسته المقدّسة، والآن يدعوني بواسطتكم، يا غبطة أبينا البطريرك، مع الأحبار الأجلّاء آباء سينودس كنيستنا، لأكون رئيس أساقفة في كنيسته. قد دعاني أنا الضّعيف والخاطئ، وأنا مؤمن إيمانًا مطلقًا بأنّه لن يتخلّى عنّي. فهو يقول لي "لا تخف أنا أنصرك".

أقدّم أيضًا محبّتي وشكري للأحبار الأجلّاء الّذين وضعوا ثقتهم بي وانتخبوني، وأوكلوا لي هذه الخدمة المقدّسة. أتمنّى أن أكون أمينًا للخدمة الّتي أوكلتموها إليَّ.  

أقدّم محبّتي وشكري لإخوتي الكهنة العاملين معي في الأبرشيّة، أشكركم لمحبّتكم وثقتكم وطاعتكم لدعوتكم الكهنوتيّة، ومحبّتكم المتفانية في خدمة الرّعيّة.

أقدّم محبّتي وشكري لأبناء أبرشيّتي الأعزّاء الصّامدين رغم كلّ المحن والصّعوبات، ثابتين بإيمانهم، بمحبّتهم، متمسّكين بكنيستهم وأرضهم.

أقدّم محبّتي وشكري لكلّ من لبّى الدّعوة وشاركنا في هذا اليوم المقدس.

لقد عشنا في هذه الأيّام الأخيرة قبل السّيامة الأسقفيّة ثلاثة أيّام مهمّة في تاريخ الكنيسة، ولاسيّما في تاريخ إيماننا المسيحيّ، ألا وهي صوم باعوثه نينوى، هذه المدينة الّتي يدعوها الكتاب المقدّس في سفر يونان النّبيّ بالمدينة العظيمة. بشّرها النّبيّ يونان، فتابت، وقدّمت الطّاعة للرّبّ، ونالت الخلاص. واليوم أحبّائي، نحن أبناء نينوى الأصلاء بحاجة اليوم أيضًا إلى التّوبة والطّاعة لله لكي ننال الخلاص. علينا أن نفعل مثلما فعل شعب نينوى في زمن النّبيّ يونان. الكلّ تكاتف، الكلّ صام بدءًا من الملك ووصولاً لأصغر طفل في المدينة، بمعنى الكلّ تحمّل مسؤوليّة خلاص نفسه وخلاص المدينة، هذا التّكاتف نحن بحاجة إليه اليوم. المسؤوليّة لا تقع على عاتق شخص واحد، بل علينا جميعًا. كذلك حال كنيستنا، يجب علينا أن نلتئم حولها، أن نطيعها، أن نكون أبناءها الحقيقيّين المطيعين لها، بدءًا من الأسقف حتّى أصغر طفل معمَّد في الكنيسة، وجب علينا أن نكون جماعة واحدة، رعيّة واحدة لراعٍ واحد، وهو ربّنا يسوع المسيح.

كنيستنا مؤسَّسة على قيامة الرّبّ، إذًا هي كنيسة حيّة، هي كنيسة متجدِّدة، ونراها: تختبر الفرح الّذي وعد به القائم من بين الأموات لأتباعه. الكنيسة حيّة لأنّ المسيح حيّ، لأنّه قام حقًّا. الكنيسة باقية ولا تزول لأنّ الرّبّ باقٍ إلى الأبد، وهو من قال لنا: أنا باقٍ معكم إلى انقضاء الدّهر. كنيستنا مبنيّة على صخرة الإيمان، لن تقوى عليها أبواب الجحيم، لذا لا نخاف، أيّها الأحبّاء، كنيستنا لن تزول لأنّها مؤسَّسة على الرّبّ.

إخوتي الأعزّاء! إنّ برنامجي الحقيقيّ يتمثّل بما أُعطيَ لي اليوم، وهو العكّاز والصّليب:

العكّاز: نقرأ في سفر المزامير (المزمور 22)، عصاك وعكّازك هما يعزّيانني. العكّاز هي من أدوات الرّاعي، وبها يدافع عن القطيع، وأيضًا من خلالها يجذب الخراف عندما تنحرف عن الطّريق. من هنا رسالتي الأولى هي الدّفاع عن رعيّتي بكلّ ما أوتيتُ من قوّة. فيقول في إنجيل يوحنّا: الرّاعي الصّالح يبذل نفسه عن الخراف، لذا سأكون راعيًا، ولن أكون أجيرًا أو مأجورًا أو مستأجرًا، سأكون راعيًا يدافع عن رعيّته، ولا يخاف الذّئاب مهما كان عددها وقوّتها ونفوذها، وأيضًا واجبي أن أعيد الخراف الّتي ضلّت الطّريق، فالعكّاز تدافع وتجمع في آنٍ واحد. في نصّ الصّيد العجائبيّ، يقول النّصّ: كادت الشّبكة أن تتمزّق، فهي حملت 153 سمكة. فبالرّغم من هذا الثّقل، إلّا أنّ الشّبكة بقيت صامدة، ولكن الشّبكة اليوم تمزّقت، والرّعيّة تبعثرت. لذا يجب علينا إصلاح الشّبكة، وأن نعود مرّةً أخرى إلى أحضان أمّنا الكنيسة.

الصّليب: علامة انتصارنا، سلاحنا الوحيد، به ندافع عن نفسنا من الخطيئة، وبه نعطي البركة للآخرين. الصّليب الّذي أُعطيَ لنا هو ثقيل جدًّا، والرّسالة الّتي أُوكِلت إليَّ صعبة وشاقّة. ولكن لن أخاف من حمل الصّليب، لأنّي سأحمله مع إخوتي الكهنة. لن أكون وحيدًا، فبركة الرّبّ ونعمته معنا دائمًا. لذا ستكون الرّسالة أن نرسّخ التّعاليم الإيمانيّة، وأن نكون أمناء على عقائدنا الكنسيّة، ولن نتهاون بالدّفاع عنها. سنكون نحن ورعيّتنا واقفين دائمًا تحت أقدام الصّليب، كما كانت أمّنا العذراء واقفةً، أمينةً، مطيعةً، مؤمنةً بابنها الحبيب.

هذه ستكون رسالتي، أعانني الله على حملها، وأن أكون أمينًا لها."