لبنان
10 آذار 2020, 10:30

أبو كسم للمسؤولين: إتّقوا الله وإلّا اتّكلوا على الله

تيلي لوميار/ نورسات
قبل ظهر أمس ندوة صحفيّة في المركز الكاثوليكيّ للإعلام، بدعوة من اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، تحت عنوان "الوضع الاقتصاديّ والماليّ، وسبل المعالجة"، شارك فيها رئيس اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام المطران أنطوان- نبيل العنداري، مدير المركز الكاثوليكيّ للإعلام الخوري عبده أبو كسم، الأستاذ السّابق في السّياسات الاقتصاديّة في الجامعة اللّبنانيّة الدكتور ابراهيم مارون، عميد كلّيّة إدارة الأعمال في جامعة القدّيس يوسف د. جورج عون، وحضور أمين عامّ جمعيّة الكتاب المقدّس الدّكتور مايك باسوس، وأعضاء من اللّجنة الأسقفيّة ومهتمّون.

العنداري

بداية رحّب المطران أَنطوان– نبيل العنداري بالحضور وقال: "تتَطَرَّقُ نَدوَتُنَا اليَومَ إِلى الشُؤونِ الحَياتِيَّة والمَعيشِيَّة الّتي تَقُضُّ مَضاجِعَ اللُّبنانيّاتِ وَاللُّبنانيّينَ دونَ استِثنَاء، وفي طَليعَتِهَا الوَضعَ الاقتِصاديّ والمَالي. فَالمُعانَاةُ كَبيرَة على مُستَوى الوَطَن، والضَائقَةُ المُتَوَحِّشَة تَتَنامى يَومًا بَعدَ يَوم، والمَسؤولونَ الفَاسِدون يَتَقَاذفونَ الاتِّهامات، وأَصبَحَ المُواطِنُ ذَليلًا يَستَعطي مَالَهُ وَجَنى تَعَبِهِ وَعُمرِه على أَبوابِ المَصارِف لِيُحَصِّلَ الرَغيفَ وقُوتَ العَيش".

تابع: "نَتَطَلَّعُ، بِالرُغمِ مِن بُؤسِ الأَيَام، إِلى سُبُلِ المُعَالَجَة، لَعَلَّنَا نَفتَحُ نَافِذَةً على مُستَقبَلٍ يُخرِجُنَا مِمَّا نتَخَبَّطُ فيه، ونَرغَبُ أَلّا يَطولَ لَيلُ الواقِعِ كَثيرًا، رُغمَ الدِراساتِ والأَرقامِ والتَحليلاتِ المُجمِعَة على الدُخولِ في النَفَقِ المُظلِم. وكَأَنَّ الوَضعَ الّذي غَرَقنا فيه لا يَكفي، فَجاءَ وَباءُ الكورونَا لِيَغزوَ البِلادَ والعِبادِ بَدَلَ الجَراد".

ثم تحدث المطران عنداري عن التطورات في موضوع الكورونا فأكد :"أنّ المطلوب من المسؤولين في أي موضع كانوا- وأكثر من أي وقت مضى- أن يشددوا الرقابة على كافة المرافق والأماكن بما في ذلك المطار والمرفأ والمعابر الشرعية وغير الشرعية ولا بد من مراقبة التجمعات ومن ضمنها داخل الكنائس والعائلات، كما لا بد من أخذ مبادرات الحيطة والحذر والتدابير الوقائية مؤقتًا لمنع انتشار الوباء الّذي يجتاح العالم".

وختم سيادته "نحن نأمل أن تتخذ الأمور بجدية ومن دون تعليقات من هنا وهناك وكأنها مزايدات على الآخرين، لأنّه وأمام  الصحة علينا أن نتوقى ونعتني بما يلزم، فالمسيح قال "أنتم هياكل الرّوح القدس"، كما أنّ تناول الدواء من قبل الإنسان لا يعني أنّه غير مؤمن."

 

مارون

ثم تحدث الدكتور ابراهيم مارون عن "الوضع المالي والاقتصادي والنقدي، وسبل المعالجة" فتناول بمحاضرته الأزمات الثلاث الّتي يعاني منها لبنان حاليًا، أي المالية والاقتصادية والنقدية، من حيث نشأة كلٍّ منها، وتطوّرها، وأسباب تفاقمها. واقترح لكلْ من هذه الأزمات إجراءات تطبيعية mesures d’assainissement، أي تهدف فقط إلى إعادة التوازن المالي والاقتصادي والنقدي بأسرع وقتٍ ممكن للبنان، مستبعدًا بالوقت الراهن الإجراءات ذات الطابع الهيكلي (structurel)، أي الّتي تحدث تغييرات جذرية في القطاعات الاقتصادية، معتبرًا أنّ دورها يأتي بعد إعادة التوازن.

أولًا الأزمة المالية

نشأت هذه الأزمة المتمثلة بعجز الموازنة وتفاقم الدين العام، في العام 1993، من جراء تمويل ورشة إعادة الإعمار، عبر إصدار سندات خزينة بمعدل فائدة ترواح بين 38 و43 بالمئة. وساهم في هذه الأزمة الهدر الناجم عن التلزيم بالتراضي، أو من خلال المناقصات المزيفة لمشاريع إعادة الإعمار، فضلًا عن الهدر في ملف الكهرباء، وملف المهجرين، وفي مجلس الإنماء والإعمار، ومجلس الجنوب، وسوكلين… غير أنّ هذه الأزمة لم تنفجر إلا في العام 2018 حيث ارتفع الدين العام 5 مليارات و562 مليون دولار، وبلغ 85 مليار و100 مليون دولار، من خلال عاملين على الأقل، هما: سلسلة الرتب والرواتب الّتي كانت مقرّرة بِـ800 مليون دولار، وبلغت حوالي مليارين دولار؛ والتوظيف الانتخابوي (électoraliste) في القطاع العام لِـ5013 شخصًا.

ورغم هذا الانفجار للأزمة المالية، وضعت الحكومة مشروع موازنة للعام 2019 يحافظ على جميع مزاريب الهدر، ومن بعدها موازنة عام 2020 الّتي تتضمن 34 مزراب هدر، ذكر منها الدكتور مارون 13 مزرابًا على سبيل المثال.

وهكذا، ارتفع الدين العام في لبنان من مليارين و994 مليون دولار نهاية 1992، إلى حوالي 88 مليار نهاية 2019، أي بمعدل 13،3 بالمئة سنويًا، ويبلغ هذا الدين حاليًا حوالي 90 مليار دولار.

أما الإجراءات الّتي يقترحها الدكتور مارون لتطبيع الوضع المالي، فهي الآتية:

1- إعادة النظر بموازنة 2020، وتنظيفها من الـ34 مزراب هدر الّتي ذكرها، وإعادتها للمجلس النيابي للتصويت على تعديلاتها.

2 – إقفال 79 مؤسسة عامة غير مجدية، رديفة لوزارات وإدارات عامة، وإعادة توزيع العاملين المثبيتن فيها على الإدارات العامة حسب اختصاصهم، وإعطاء تعويضات صرف من الخدمة للمتقاعدين من بينهم.

3 – الصرف من الخدمة لِـِ5013 شخصًا تم توظيفهم قبيل الانتخابات النيابية الأخيرة، وإعطاؤهم تعويضات صرف، وملاحقة الّذين وظفوهم، على أموالهم الخاصة.

4- البيع بالمزاد العلني لآلاف السيارات الموضوعة بتصرف أفراد في الإدرات العامة والأجهزة العسكرية.

5 – إقفال مراكز الإدارت والمؤسسات العامة الّتي فُتحت في مختلف المناطق، بدون أي قرار من مجلس الوزراء.

6 – تطهير إدارة الجمارك من الفاسدين فيها، المسؤولين عن تهرب جمركي يتراوح بين 1،5 مليار و2 مليار دولار سنويًا.

7 – الإمتناع عن أي إنفاق استثماري، باستثناء الإنفاق على إنشاء معامل لتوليد الكهرباء، وعلى صيانة المعدات والبنى التحتيّة.

8 – تخفيض الفوائد على سندات الخزينة، مع الإشارة إلى أنّ كل تخفيض 1 بالمئة من الفائدة على هذه السندات، يؤفّرعلى الخزينة حوالي 800 مليون دولار سنويًا.

9 – فيض تخفيض رواتب ومخصصات الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين بنسة 50 بالمئة، وهذا ما وافقت عليه الأحزاب المشاركة في الحكومة، في إطار ما سُمي بـ "الورقة الإصلاحية".

10 – تخفيض رواتب ومخصصات الرؤساء والنواب السابقين، إلى 30 بالمئة مما هي عليه حاليًا، وتخفيضها خلال السنوات المقبلة بمعدل 10 بالمئة سنويًا لتصبح في السنة الرابعة ملغاة نهائيًا.

11 – تحديد 8 مليون ل.ل كسقف شهري للرواتب والأجور ومعاشات التقاعد في القطاع العام، وتخفيض كل ما يتجاوز هذا السقف حاليًا، إلى هذا السقف.

12 – إخضاع القيمة الزائدة (plus –value)، أي أرباح العمليات العقارية وعمليات القطع، للضريبة على الدخل.

13 – توسيع صحن الضريبة على القيمة المضافة، لتشمل تجارة الأحجار الكريمة، وتجارة المنازل الفخمة واليخوت.

14 – إستحداث ضريبة دخل مقطوعة على العاملين الأجانب، كما هو معمول به في سائر دول العالم.

15 – عدم صرف مستحقات البلديات من الصندوق البلدي، قبل التدقيق المالي لحساباتها، بإشراف ديوان المحاسبة.

16 – رفع مستوى الجباية الضرائبية، وملاحقة المتهربين.

17 – إسترداد المال العام المنهوب من خلال محاكمات سريعة للفاسدين، سيما أنه أنجزت في الأسبوع الماضي التشكيلات القضائية الجديدة، مع التذكير بأن امتناع أي سلطة عن التوقيع على هذه التشكيلات الصادرة بالإجماع عن مجلس القضاء الأعلى، سييعتبره الخارج إمعانًا للسلطة السياسية بالفساد، مما سيحرم لبنان من أي مساعدة خارجية لتجاوز أزماته.

18 – التفاوض مع أصحاب الأبنية الّتي تشغلها الوزارات والإدارات العامة والجامعة اللبنانية، والّتي تعود ملكيتها بمعظمها لنافذين سياسيين، أو إلى مالكين مدعومين سياسيًا، من أجل تخفيض إيجاراتها البالغة حوالي 150 مليون دولار سنويًا.

19 – فرض ضريبة على الأملاك البحرية والنهرية بمعدل 0،5 بالمئة الّتي من شأنها أن توفّر 325 مليون دولار سنويًا للخزينة، علمًا أنّ القيمة المقدرة لهذه الأملاك هي 65 مليار دولار حاليًا.

20 – شراء النفط حصرًا من قبل الدولة، مما يوفّر للخزينة 220 مليون دولار سنويًا.

21- من الوفر الّذي من شأنها أن تحققه هذه الإجراءات المالية، تخصيص الف مليار لشبكة الأمان الاجتماعي تتوزع على أقسام ثلاثة تالية:

• قسم يعطى على شكل مساعدات نقدية شهرية للخمسين ألف أسرة الأشد فقرًا في لبنان، على أساس 400 ألف ل.ل. شهريًا لكل أسرة، أي ما مجموعه 240 مليار ل. ل. سنويًا.

• قسم ثانٍ من 500 مليار ل.ل. يُعطى للصندوق الوطني الاجتماعي، لتغطية جميع الأعمال الطبيّة من استشارة طبيب وأدوية وفحوصات مخبرية، لغير المضمونين صحيًا في لبنان. ويُستثنى من هذه التغطية الاستشفاء الّذي هو على عاتق وزارة الصحة.

• أما القسم الثالث البالغ 260 مليار ل.ل.، فيُضاف إلى موازنة وزارة الصحة، ليُخصص منه 200 مليار من أجل زيادة القدرة الاستيعابية للمستشفيات الحكومية، أو لإنشاء مستشفيات حكومية جديدة، و60 مليار للنفقات الجارية لهذه المستشفيات.

ثانيًا الأزمة الإقتصادية:

بدأت هذه الأزمة في النصف الثاني من العام 1996 على إثر أزمة في قطاع البناء، وكانت على شكل إنكماش اقتصادي (récession économique)، ومن ثم تحولت إلى  كساد اقتصادي (dépression énomique)، بعد أن أقدمت الحكومة في العام 2000 على تخفيض جنوني للرسوم الجمركية الّتي أصبحت معدلاتها تتراوح بين صفر و5 بالمئة فقط على 86 بالمئة من السلع المستوردة، فأمست المعدلات الأدنى في العالم. وهذا ما استقطب المنافسة الأجنبية الشرسة وغير الشريفة (déloyale) أحيانًا للإنتاج الوطني، وأدى إلى إقفال المصانع بالمئات، وإلى إحباطٍ للاستثمار في لبنان حتى اليوم.

كما ساهمت وتساهم حتى الآن في هذه الأزمة عدة عوامل، منها معدلات الفائدة المصرفية الّتي تُعتبر من بين الأعلى في العالم، وهي مُحبطة للإستثمار؛ تقلص الطلب على الاستهلاك بسبب تراجع القدرة الشرائية للمداخيل الثابتة، وتفاقم البطالة؛ تراجع الصادرات اللبنانية إلى دول الخليج والأردن والعراق، بسبب الحرب السورية والرفع السوري لرسوم الترانزيت؛ غياب دولة القانون؛ أزمة قطاع البناء الّتي اندلعت في العام 2017، بسبب هروب الرساميل العربية والأجنبية المستثمرة في القطاع العقاري، على أثر الانتخابات الرئاسية في العام 2016، والنيابية في العالم 2018.

أما الإجراءات الّتي اقترحها الدكتور مارون لتطبيع الوضع الاقتصادي، فهي التالية:

1- السعي فورًا لدى الدول المموّلة لبرنامج "سيدر"، للحصول على الأموال الّتي رصدتها لهذا البرنامج في نيسان 2018، والبالغة 11 مليار و6 مليون  دولار، منها 10 مليار و200 مليون على شكل قروض بفائدة 1،5 بالمئة، و660 مليون على شكل مساعدات، مع التذكير بأنه يستحيل على أي حكومة لبنانية الحصول على هذه الأموال، أو على أي أموال أخرى من الخارج، إذا لم تطبّق إجراءات مالية شبيهة بالّتي ذكرها.

2 – في حال الحصول على هذه الأموال المخصصة لبرنامج "سيدر"، على الحكومة التفاوض مع الدول المموّلة لهذا البرنامج، حول تغيير وجة استعمال الأموال المخصصة له، بما يعزّز الاستثمار والنمو الاقتصادي، من خلال إقراض 5 مليارات دولار من هذه الأموال، بفائدة 3،5 بالمئة، للقطاع الخاص، على الشكل التالي:

– 2 مليار دولار للقطاع الصناعي

– مليار دولار للقطاع الزراعي

– مليار دولار لقطاع البناء

– مليار دولار للقطاعات الإقتصادية الاخرى، باستثاء قطاعات المصارف والتأمين والتجارة.

أما الستة مليارات المتبقية، فتتوزع على القطاع العام، حسب الآتي:

• 3 مليار دولار لزيادة انتاج الطاقة الكهربائية

• مليار دولار للموارد المائية

• مليار دولار لحل المشاكل البيئية

• 500 مليون دولار لإنشاء مجمعات للجامعة اللبنانية

• 506 مليون دولار لصيانة البنية التحتية.

أما أهمية هذا التوزيع الجديد لأموال "سيدر" فتكمن في:

• ضخ ما لا يقل عن 8 مليار دولار في الاقتصاد اللبناني الإنتاجي، مما يعطي دفعًا للاستثمار والنمو الاقتصادي.

• إنّ ضخ 8 مليار دولار في الاقتصاد الوطني، من شأنه أن يوفّر ما لا يقل عن 160 ألف فرصة عمل ، بحيث أن كل 50 ألف دولار تُستثمر في لبنان، تخلق فرصة عمل واحدة.

• تحويل 49 بالمئة من الدين المترتب على الدولة من جرّاء هذه القروض، إلى دين على القطاع الخاص.

• الفائدة المترتبة على هذه القروض، أي على العشرة مليار و200 مليون دولار، يدفعها القطاع الخاص بكاملها.

3- إعادة رفع الرسوم الجمركية، إلى ما كانت عليه قبل تخفيضها في العام 2000، ولكن فقط على السلع المستوردة المماثلة لتلك الّتي ينتجها لبنان، مما يوفّر حد أدنى من الحماية للإنتاج الوطني، تشجع على الإستثمار في لبنان.

4- الإقفال التام للمعابر غير الشرعية على الحدود مع سوريا، حتى ولو اقتضى الأمر هدم الطرقات الآتية، من هذه المعابر، أو زرعها بالألغام ، وذلك حمايةً للإنتاج الوطني من جهة، وزيادة الواردات الجمركية من جهة ثانية.

5 – التفاوض مع سوريا لخفض رسوم الترانزيت على الشاحنات اللبنانية المتجهة إلى الخليج والعراق والأردن. وفي حال رفضت سوريا هذا الخفض، يجب معاملتها بالمثل، برفع الرسوم الجمركية على الصادرات السورية إلى لبنان، واستعمال الزيادة في هذه الرسوم، لدعم الصادرات اللبنانية عبر النقل البحري.

6 – الطلب من حاكم مصرف لبنان إصدار تعميم يخفض فيه معدلات الفائدة المصرفية على القروض، كما خفضها على الودائع، وذلك من أجل أعطاء دفع جديد للاستثمار في لبنان.

ثالثًا الأزمة النقدية:

نسب الدكتور مارون هذه الآزمة، إلى عاملين أساسيين: العامل الأول هو عجز في ميزان المدفوعات بلغ 19 مليار و922 مليون دولار، بين 2011 وآخر حزيران من العام 2019، مما خفض بنفس القيمة احتياط لبنان بالعملات الأجنبية. ونتج هذا العجز عن العوامل الآتية: ازدياد العجز في الميزان التجاري، تراجع عدد السياح الآتين برًا من سوريا؛ هروب الرساميل العربية والأجنبية الّتي كانت مستثمرة في القطاع العقاري؛ تراجع الاستثمارات الخارجية المباشرة (IDE) في لبنان؛ تراجع تحويلات المغتربين؛ سحوبات الودائع المصرفية وتحويلها إلى الخارج؛ تراجع الملاءة المالية للمصارف؛ تسديد استحقاقات الدين الخارجي…

أما العامل الثاني الّذي ساهم في هذه الأزمة، فهو أزمة السيولة في المصارف، بسبب توظيف هذه الأخيرة، حوالي نصف موجوداتها في سندات الخزينة، وحوالي ربع موجوداتها كقروض للقطاع الخاص، وأصبحت اليوم غير قادرة على استيفاء ديونها على القطاعين العام والخاص؛ أضف إلى ذلك سحب الودائع من هذه المصارف، الّذي بلغ حوالي 11 مليار دولار منذ أيلول الماضي.

كما أبدى خشيته من تداعيات خطيرة على الوضع النقدي لقرار الحكومة بتعليق سداد استحقاق اليوروبوندز.

أما الإجراءات النقدية الّتي اقترحها الدكتور مارون لتطبيع الوضع النقدي، فهي الآتية:

1- الإبقاء على القيود الّتي وضعها مصرف لبنان على السحوبات والقطع والتحويلات إلى الخارج، مع توحيدها لتكون هي ذاتها في كل المصارف، وهي ذاتها لكل المودعين، مهما كان حجم ودائعهم.

2 – الحصول على أموال "سيدر"، وعلى قروض ومساعدات خليجية، ومن البنك الدولي والصناديق العربية، من شأنها إعادة تكوين وتعزيز الإحتياط اللبناني بالعملات الأجنبية، مما يتيح لمصرف لبنان البدء بتخفيف القيود على السحوبات والقطع والتحويل إلى الخارج، لتعود الحركة الإقتصادية إلى طبيعتها.

3- حظر التداول بأي عملة غير الليرة اللبنانية على الأراضي اللبنانية، مع السماح بدون قيد شراء العملات الأجنبية، أو إيداعها في المصارف. فبسبب هذا الإجراء، سيضطر المدخرون بالعملات الأجنبية، التحويل إلى الليرة اللبنانية، من أجل دفع مشترياتهم، أو دفع أجور وإيجارات، وما إلى ذلك من أنواع التداول، مما يرفع الطلب على الليرة اللبنانية ويرفع سعر صرفها تجاه العملات الأجنبية. عندئذٍ يغتنم مصرف لبنان الفرصة لشراء عملات أجنبية، من اجل تعزيز احتياطه الرسمي بهذه العملات.

4 – تغريم المصارف الّتي هُربت منها أموال للخارج، بعد صدور قرار مصرف لبنان المقيِّد لهذه التحويلات، والضغط على استرداد هذه الأموال إلى المصارف المحلية.

5 – رفع الملاءة المالية للمصارف إلى 18 بالمئة على الأقل، من خلال موجوداتها الخارجية، والعمل على دمج المصارف المتعثرة .

وختم د. مارون محاضرته بالقول إنّ اعتماد هذه الإجراءات المالية والاقتصادية والنقدية، هو بحاجة لحكومات لا تخضع لإملاءات سياسية، وحكومات لا تتردد في اتخاذ القرارات الصعبة.

 

ثم تحدث الدكتور جورج عون عن الأزمة الاقتصاديّة: الماضي والحاضر والمستقبل فقال:

أسباب الأزمة:

1) اقتصاد مرتكز على قطاع الخدمات السريع التأثر بالأزمات الّتي تعصف بالبلدان المجاورة وتداعياتها العديدة على لبنان.  

2) عجز مزمن في الميزان التجاري وعجز حديث في ميزان المدفوعات مع ضمور التحويلات من الخارج وتصاعد وتيرة الإنفاق.

3) ومجموعة من السياسيين الّذين استمالوا الناخبين عبر زيادة الإنفاق العام خلال السنوات الأخيرة (سلسلة الرتب والرواتب، توظيف عشوائي، خسائر متراكمة في المؤسسات العامة).

وعن الوضع الحالي للأزمة الإقتصادية:  

1) نسبة الدين العام مقارنة بالدخل القومي من الأعلى في العالم.

2) عزلة لبنان اقتصاديًا وعدم انتمائه إلى منطقة اقتصادية على غرار دول تعثرت مؤخرًا كاليونان وقبرص وإسبانيا.

2) الموازنة العامة لا تغطي الرواتب والأجور وخدمة الدين العام مما يولّد عجز في الموازنة.

3) اقتراض الدولة اللبنانية أموال المودعين الموجودة في المصارف بواسطة الترغيب والترهيب (فوائد مرتفعة وضغط على المصارف.

4) هذا الوضع نتجت عنه البطالة وهجرة الشباب وشعور لدى المواطنين أنّ الأفق مظلم ويائس على كافة المستويات.

 

وإختتم بالحلول والآفاق لهذه الأزمة مشيرًا إلى: إفلاس الدولة وعدم تمكنها من إيفاء التزاماتها ولاسيما أموال المودعين في المدى القريب؛ العمل على وضع موازنات لا تؤدي الى عجز في المالية العامة؛ جردة بموجودات الدولة وممتلكاتها وتقييمها تمهيدًا للتعويض على المودعين؛ تحديث البنى التحتية بواسطة (BOT)  وعدم الاقتراض لتنفيذ هذه المشاريع وخصخصة بعض المرافق العامة؛ وتخفيض حجم القطاع العام ودوره في الاقتصاد.

 

أبو كسم

في ختام الندوة كانت كلمة الخوري عبدو أبو كسم فقال:

"لقد استمعنا اليوم إلى أصحاب الاختصاص، لتنوير الرأي العام المسيحي ووضع الأصبع على الجرح من دون ارتداء القفزات، وتم الكشف بوضوح على أبواب السمسرات والتنفيعات والمحاصصة والنهب."

تابع "وما سمعناه من أرقام مخيف، ويبّين مدى الطواطؤ في عمليات النهب هذه والحلول الّتي طرحها الدكتور ابراهيم مارون، هي حلول منطقيّة، وندعو الحكومة الحالية دراستها للإفادة منها".

أضاف "ونحذّر هذه الحكومة من مد يد يدها إلى جيوب المودعين الّذين وضعوا جنى عمرهم في البنوك. مع العلم أنّنا نسمع تكرارًا من المسؤولين أنّنا سنحافظ على حقوق صغار المودعين، فمن يحدّد من هم صغار المودعين."

وسأل أبو كسم  "ماذا عن أموال المسؤولين اللبنانيين المهربين إلى الخارج؟ وكيف سيتم استردادها؟ من سيستردها؟ والسؤال الّذي يطرح نفسه، لماذا تأجيل تطبيق هذه الإصلاحات؟".

وقال "المدهش أنّ جميع المسؤولين السياسيين يعرفون مكامن الخلل، ويتجاهلون إيجاد الحلول، في حين أن الشعب يجوع والشباب اللبناني يهاجر، ولا من يرف له جفن".

وإختتم بالقول "إنّ التنصل من المسؤولية بعد اليوم غير مسموح، إما هناك مسؤول وعليه تحمل المسؤولية، وألا ينطبق عليه القول "مسؤول اللامسؤول"، فالحكم ليس وجهة نظر، إنما هو توكيل من الله لكل مسؤول في خدمة الناس، فلكل المسؤولين نقول: "اتّقوا الله وإلّا اتّكلوا على الله"."