لبنان
14 آب 2023, 05:00

أمسية صلاة وتأمّل على نيّة العراق والكنيسة الكلدانيّة فيه برعاية الرّاعي

تيلي لوميار/ نورسات
أحيت أبرشية بيروت الكلدانية أمسية صلاة وتأمّل على نيّة العراق والكنيسة الكلدانيّة فيه، وذلك في كاتدرائيّة الملاك رافائيل في بعبدا- برازيليا يوم السّبت 12 آب/ أغسطس 2023، برعاية البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الرّاعي وحضوره وبركة رئيس الطّائفة الكلدانيّة في لبنان المطران ميشال قصارجي.

حضر الأمسية بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك مار رافائيل بدروس الحادي والعشرين ميناسيان، بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق والإسكندريّة وأورشليم للرّوم الكاثوليك يوسف العبسيّ، رئيس دير مار الياس – شويّا المطران قسطنطين كيّال ممثّلًا بطريرك أنطاكيا للرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر يازجي وعدد من رجال الدّين والدّولة والسّياسة والقوى الأمنيّة والمؤمنين.

في البداية ألقى النّائب الأسقفيّ العام المونسنيور رافائيل طرابلسيّ كلمة ترحيبيّة جاء فيها: "إنّ كل ما تسألونه في الصّلاة، فآمنوا بأنّه يكون لكم فيكون"(مر 24:11) هذا الوعدُ الإلهيّ هو الذي يدفعنا لنعقد اليوم محفلاً روحيًّا، ترتقي فيه قلوبُنا وأفكارُنا ونياتُنا إلى العُلى، حيث عرشُ الحمل الفصحيّ (رؤ3:21) تخف به طغماتُ الملائكة القدّيسين. نودعُهُ نوايانا وهمومنا وأشجاننا ونكِلُ الى عنايته عراقَنا الحبيب وكنيستنا الكلمى. وشعبَنا المجاهد وحكومتنا ورؤساءنا المدنيّين: "مكلّمين بعضنا بعضًا بمزامير وتسابيح روحيةٍّ ومرنّمين في قلوبنا للرّبّ" (أفس 5/19)".

 

ثم رفعت الصّلوات والقراءات.

 

وألقى قصارجي كلمة قال فيها: "هذا إيماننا وهكذا نحن كنا وسوف نبقى، ثقة مطلقة بالله. هو وحده أبينا السّماويّ القادر أن يحمينا. المسيحيّ لا يوجد في قاموسه شيء اسمه خوف وقلق واحباط. يا ربّ نحن نعرف أنّه كلّما اشتدّ الضّيق والمحن، وكلّما العواصف العاتية اشتدّت ستبقى منافذ مفتوحة في السّماء. وكلّما كبر الألم، سيكون  الأمل  أكبر. ونعرف أنّ كنيسته باقية مدى الدهر. هل تأخرنا؟ يا ربّ كم أنت صبور، أحيانًا نتعجّب رغم كلّ شي إنّك ما زلت تحبّنا. صلاتنا اللّيلة لك نرفعها، يا مسيحيّ، يا مشرقيّ، امْح من قاموسك كلمة احباط، لا تقول إنّك غير قادر. يا مسيحيّ، يا مشرقيّ، أنت لم توجد هنا بالصّدفة، أنت جوهرة ثمينة، أنت رقم صعب، أنت ملح في هذه الدّنيا، نفوّض عنك الاستسلام، يسوع بدمه على الصّليب فداك، وأنت يا ربّ ملجأي وترسي وأملي، أنا في وَسَط هذه الضّيقات والمحن والاضطهاد، أعرف أنّ الضّيق سينتج الصّبر، والصّبر سيجعلنا نفوز بالامتحان والنّصر سيعطينا الرّجاء، وبعد الرّجاء توجد القيامة.

هو الرّوح القدس الذي يقود سفينتنا لميناء الخلاص، هو الرّوح القدس الذي يعرف أخطار الطّريق وهو وحده قادر أن يحافظ على كنيسته وشعبه. الله وضعنا على هذه الأرض المقدّسة أرض ابراهيم النّبيّ، أرض أور الكلدانيّة، الرّوح هو الذي يلهمنا، لن نستسلم والرّبّ هو الذي يحمينا. إبسط يا ربّ يمينك وباركنا، وبارك أمسيّتنا، بارك رعاتنا، بارك كهنتك ومكرّسيك الذين يحملون بشارة إنجيلك، بارك العراق وشعبه، بارك الكنيسة الكلدانيّة، بارك لبنان، بارك بلداننا.

كنيستنا في العراق تمرّ بظروف صعبة.  سنصلّي كلّنا، الرّبّ قادر على تغيير كلّ الظّروف، الإصرار يقويّ الإرادة، والصّلاة هي مفتاح كلّ شي، أكيد سننتصر ولن نستسلم. يا ربّ السّلام ضع السّلام في قلوبنا، دعنا نتحسّس لمستك ونشعر أكثر بوجودك، كم أنت كبير وعظيم يا ربّ، كم أنت خير وقدّوس. إيماننا عظيم فيك، إيماننا ثابت مثل الصّخرة، مهما اشتدّت التّجارب، سنبقى هذا الزّرع ببلداننا، بعراقنا وبلبناننا. لا يوجد يأس معك يا ربّ، ما في حزن، ما في خوف وهمّ. يسوع هو الأمل المطلّ من عند الرّبّ. هو الفرح الذي ملأ قلوبنا وهو القوّة التي تزيدنا عزم وصلابة وإيمان.

اليوم، لا يجب أن ننسى إنّه لا يوجد حضارة لا في أوروبا ولا في الشّرق الأوسط ولا في لبنان، لو لم يرتفع هذا الصّليب على الكنائس والجبال وحِمل الفنون والأدب والشّعر واللّحن والصّوت والتّاريخ والهندسة واللّغة والعلوم والمدارس والمعاهد والجامعات والمستشفيات ودور الأيتام ودور الحضانة.

سيّدنا البطريرك لويس ساكو ومثل كلّ الذين سبقوا على مرّ الزّمان ساهموا برفع اسم الكنيسة الكلدانيّة بالعراق وبالعالم. الكنيسة في الأوّل ومن ثمّ الكنيسة والدّولة هما ضمانة استمراريّة هذا الشّرق، وأؤكّد لكم إنّ أجراس الكنائس ونضال رجال الدّين ورجال السّياسة سيكونوا خميرة استمراريّة هذه الأرض المباركة، التي هي رسالة لكلّ الكون. لنصلّي اللّيلة على هذه النّيّة".

وكانت كلمة للبطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي بعنوان "أخرج من هذا الإنسان أيّها الرّوح النّجس" (مر 5: 8)، جاء فيها: 

"وحده يسوع استطاع بأمر منه، أن يخرج مجموعة الشّياطين من ذاك الرّجل في منطقة الجراسيّين، فيما لم يكن يقدر أحد أن يوثقه حتّى بالسّلاسل التي كان يحطّم قيودها. هذه الآية تدلّ على أنّ المسيح الرّبّ قادر أن يحرّر الإنسان من قيود الشّرّ والشّرير، مهما عظمت، وأن يعيد إليه اسمه وهويّته. في الواقع كان الرّوح النّجس يتكلّم بلسان ذاك الرّجل. ولـمّا سأله يسوع عن اسمه قال: "نحن فرقة لأنّنا كثيرون". ولـمّا أخرجه يسوع أعاد لذاك الرّجل اسمه وهويّته وحالته السّليمة، كما عرفه أهل تلك الكورة.

عالم اليوم ولاسيّما حكّامه، يضعون الله جانبًا، ويستغنون عن رسومه ووصاياه، ويستسلمون لمصالحهم على حساب الخير العام، ويقترفون الظّلم والاستبداد ويشعلون نار النّزاعات والحروب، من دون أيّ وخز ضمير. وهذا يعني أنّ قوى الشّرّ والشّرير مسيطرة عليهم.

إنّ رسالة المسيح ربّنا تهدف إلى تحرير كلّ إنسان من الأرواح الشّريرة، ومن تجارب الشّيطان. فعندما كان يرسل تلاميذه، كان يمنحهم السّلطان لطرد الأرواح الشّريرة. وهو نفسه طرد هذه الأرواح مرّات عديدة. وسلّم كهنة العهد الجديد هذا السّلطان عينه، فراحوا يمارسونه بما يُسمّى "صلاة التّعزيم"، بدءًا من المعموديّة.

قليلون يؤمنون بوجود الشّيطان وباستحواز الأرواح الشّريرة على الأشخاص والأشياء. وإن آمنوا يعتبرون أنفسهم بمنأى عنها، حتّى ولو استسلموا لكلّ عمل شرير، وللأهواء الشّريرة. لذلك كثر الشّرّ، ولا من مسؤول. وبات النّاس يعيشون في سلسلة من الخطايا التي يقترفها الأشخاص ولا يتوبون عنها.

هنا تكمن مآسي البلدان والشّعوب. ومن هذا المنظار نتطلّع إلى مأساة العراق العزيز وشعبه والكنيسة الكلدانيّة فيه وسائر الكنائس والمسيحيّين. وهذه مآسينا في سوريا والأراضي المقدّسة ولبنان، حيث تجلّى الله بعهديه القديم والجديد، وأرسى جذور الثّقافة المسيحيّة التي أغنت هذه البلدان بحضارتها. فإنّنا بحكم رسالتنا الإنجيليّة في هذه البلدان، حيث أرادنا الله أن نكون، نبقى ثابتين وراسخين في الإيمان والرّجاء والمحبّة، ومصمّمين على العيش معًا بروح الأخوّة والتّعاون والاحترام المتبادل مع جميع المواطنين.

إنّ مواهب الرّوح القدس السّبع التي سمعناها في نبوءة أشعيا تحيي فينا الفضائل الإلهيّة الثّلاث التي هي بمثابة مصابيح لحياتنا.

فالحكمة والفهم والمعرفة تضيء إيماننا وعقلنا، والمشورة والقوّة تعضدان رجاءنا وإرادتنا، والتّقوى ومخافة الله تذكيان المحبّة في قلوبنا.

وكما أنّ فضائل الإيمان والرّجاء والمحبّة معطاة من الله لكلّ إنسان، كذلك مواهب الرّوح القدس السّبع مفاضة على البشريّة جمعاء. فإنّا نصلّي كي يفتح كلّ إنسان عقله وإرادته وقلبه لهذه الفضائل ولمواهب الرّوح القدس، فيجد طريقه إلى الحقّ والعدل والجمال. وهكذا يعيش جميع النّاس سعادة الأخوّة والعيش معًا كما يصفها آشعيا النّبيّ في القراءة التي سمعناها (أش 11/1-10). وعندئذٍ نتمكّن بقوّة سلاح الله الذي هو كلمته وإنجيله والحقيقة من الانتصار على روح الشّرّ والشّرير (راجع أفسس 6: 10-17).

تقبّل الله صلاتنا وأغدق عطيّة السّلام على العراق العزيز، والكنيسة الكلدانيّة الشّقيقة، بطريركًا وأساقفة واكليروسًا ومؤمنين وعلى بلدان الشّرق الأوسط وكنائسنا. له المجد والشّكر الآب والإبن والروح القدس الآن، إلى الأبد، آمين."