لبنان
09 كانون الثاني 2024, 14:50

إبراهيم في عيد الظّهور الإلهيّ: نرفع الصّلاة من أجل لبنان كي يظهر الله فيه ويغسله من رأسه حتّى أخمص قدميه

تيلي لوميار/ نورسات
على هذه النّيّة رفع رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم الصّلاة في عيد الظّهور الإلهيّ، خلال صلاة الغروب واللّيتورجية الإلهيّة اللّتين ترأّسهما عشيّة العيد في كاتدرائيّة سيّدة النّجاة في زحلة، بمشاركة النّائب الأسقفيّ العامّ الأرشمندريت نقولا حكيم والأب ايلياس ابراهيم، بحضور جمهور كبير من المؤمنين تقدّمهم مدير عامّ وزارة الزّراعة المهندس لويس لحّود.

بعد الإنجيل المقدّس، كان للمطران ابراهيم كلمة تحدّث فيها عن معاني العيد فقال: "عندما نحتفل بعيد الظّهور الإلهيّ ومعموديّة يسوع المسيح، الّذي ندعوه أيضًا عيد الغطاس، والّذي له أسماء كثيرة، لكن الإسم الرّئيسيّ للعيد هو عيد الظّهور الإلهيّ، أيّ عيد ظهور الله الثّالوث للمرّة الأولى معًا في تاريخ البشريّة. فالرّوح القدس بهيئة حمامة والآب بصوت عظيم يقول "هذا هو ابني الحبيب الّذي به سررت" والإبن الأقنوم الثّاني من الثّالوث الأقدس يتقبّل المعموديّة من يد يوحنّا المعمدان.

هذا العيد ليس بدء الحياة العلنيّة ليسوع المسيح، واعتلان الثّالوث الأقدس للمرّة الأولى في تاريخ البشريّة فحسب، بل هو اعتلان لطف الله في شخص يسوع المسيح الّذي حدّثنا عنه القدّيس بولس في رسالة اليوم قائلاً: "وَلكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا اللهِ وَإِحْسَانُهُ­ لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ­ خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، الَّذِي سَكَبَهُ بِغِنًى عَلَيْنَا بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ مُخَلِّصِنَا" (تيطس 3: 4-6). في الإنجيل وتحديدًا في انجيل متّى (3-17) سمعنا هذه الكلمات الّتي تقول "هذا هو ابني الحبيب"، الله الآب يتكلّم بصوت عظيم "هذا هو ابني الحبيب الّذي به سررت". هذه الآية تجسّد لنا معنى الكرَم الإلهيّ والتّلاحم بين الله والإنسان.

عندما نتأمّل بهذه الكلمات ندرك أنّ يسوع المسيح أتى إلى عالمنا لكي يكون مِثلَنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة، وهو ابن الله الحبيب الّذي أُرسل ليُظهر لنا الطّريق إلى الخلاص والحياة الأبديّة، وفي معموديّته قدّم يسوع نفسه كضحيّة من أجل خطايانا لأنّه في ذاته لا يحتاج إلى المعموديّة أو الغسل والتّطهير لأنّه منزّه عن الخطيئة، لكنّه حمل خطايانا لكي يذكّرنا دومًا بأهمّيّة المعموديّة والتّوبة والعودة إلى الله. كان ذلك رمزًا لتنازل يسوع وتواضعه. إنّها لحظة تعبّر عن رغبته في تحمّل نتائج خطايانا، وتقديم نفسه كضحيّة من أجل خلاصنا، لذا يمكن أن نستلهم من هذه اللّحظة التّواضع والتّضحية والرّغبة في خدمة الآخرين.

في يوم الغطاس، المسيحيّون يُشجِّعون على التّفكير في حياتهم والنّظر في كيفيّة تجديد العهد مع الله الّذي أظهر لنا ذاته. من الممكن أن يكون هذا العيد فرصة لإعادة التّفكير في الأولويّات والاستعداد للمساهمة في خدمة الله والإنسان بجدّيّة أكثر. عيد الغطاس هو أيضًا وقت للتّعبير عن الإيمان بشكل مميّز. في معظم الكنائس تجري غالبًا طقوس رتبة تقديس الماء حيث يتمّ غرز الصّليب في الماء ثلاث مرّات ممّا يرمز إلى تجسيد معموديّة يسوع، إلى موته وإلى قيامته. يمكننا أن نرى في هذا التّطهير والتّجديد الفرصة لتجديد إيماننا والتّفكير في كيفيّة أن نعيش حياة متميّزة بناء على قيم المسيح.  

الماء الّذي سيعطيه يسوع لنا سيصبح فينا ينبوع ماء حيّ ينبعث إلى الحياة الأبديّة، هذا ما وعدنا به عندما التقى المرأة السّامريّة عند بئر يعقوب. هذا هو نوع جديد من الماء، ماء حيّ ينبعث ويتدفّق للأشخاص الّذين يستحقّونه. لكن لماذا اختار الله المياه؟

سمعنا في القراءات اليوم كيف انشقّت المياه وكان نهار وكان ليلٌ، يومٌ ثانٍ ويومٌ ثالث. كلّ الأمور تعتمد على المياه، النّباتات والحيوانات. الماء ينزل من السّماء كمطر، وعلى الرّغم من أنّه دائمًا نفسه في ذاته لكن النّتيجة متعدّدة، وهكذا هو المسيح واحد في ذاته، في جوهره الإلهيّ وفي ناسوته. هو شخص واحد لكن عندما يلمسنا، كلّ لمسة تولّد شيئًا مختلفًا عن الآخر. الله شخص واحد في ذاته لكن خًلقُهُ متعدّد. الماء لا يأتي من السّماء اليوم كشيء وغدًا كشيء آخر بينما يبقى في جوهره نفسه، يتكيّف مع احتياجات كلّ مخلوق يستقبله.

وهكذا هو الرّوح القدس الّذي بطبيعته هو واحد في ذاته، بوحدته الّتي لا يوجد فيها انقسام ولا تشوّش، نعمته على كلّ إنسان تنزل بحسب مشيئته. وكالشّجرة الّتي تسقى يصبح لديها غصونًا متعدّدة وثمارًا متنوّعة. عندما تروى البشريّة بماء الرّوح، ثمار هذا الرّوح هي القداسة بكلّ تنوّعها. على الرّغم من أنّ الرّوح لا يتغيّر إلّا أنّ تأثيره عمله في مشيئة الله وباسم المسيح يكون متنوّعًا وعجيبًا: الرّوح القدس متعدّد المواهب.

في هذا العيد المجيد نتوجّه بالصّلاة وبالتّفكير العميق إلى كيفيّة استفادتنا من هذا الماء، من المسيح الّذي أعطانا المثال في السّعي إلى الطّهارة. دعونا نعمل معًا من أجل تعزيز السّلام والوحدة ومساعدة الأقلّ حظًّا في هذه الأرض والمحتاجين. وهذه أفضل طريقة نحتفل بها بعيد الظّهور الإلهيّ، أن نظهر نحن كصورة حيّة وفعّالة أمام الآخرين، صورة لله متجسّدة في أفكارنا وأعمالنا.  

نرفع الصّلاة اليوم من أجل لبنان كي يظهر الله فيه ويغسله من رأسه حتّى أخمص قدميه، وينقذه من جهالات شعبه وخطايا مسؤوليه، ويلبسه لباس النّعمة والبرارة كي يتحوّل إلى طريق الحقّ والعدل والإنصاف. في لبنان الكثير من المياه لكن قلّة هم من يتطهّرون بالماء ويغسلون خطاياهم ويتوبوا. كثرة المياه لا تنفعنا إذا لم نتعمّد بها. لقد لوّثنا مياهنا فلم تعد صالحة لكي نعتمد فيها. إنعدمت توبتنا فجعلنا مياهنا على صورتنا بدلاً من أن نصير أنقياء على صورتها. علينا أن نعترف: ضيعان هذا البلد بنا وبمن سبقنا ممّن لم يحافظوا عليه. وآمل ألّا نقول: ضيعانه بمن سيأتي بعدنا. أصْلُّي من أجلهم، وقد ضاعت الصّلاة بمن سبقهم ففشلوا، كي يَتَحَدَّوا جَمِيعًا، وَكي تَتَوَحَّدَ قُلُوبُهُمْ في السَّعْيِ إِلى تَحَقِيقِ لبنان السَّلَامِ وَالازدهارِ والبيئة النّظيفة برُوحَ الوِحْدَةِ وَالمَحَبَّةِ وَالمَسَامَحَةِ.

كلّ عيد وأنتم بألف خير. آمين."

وفي نهاية القدّاس ترأّس المطران ابراهيم رتبة تبريك القرابين ورتبة تكريس المياه، وقام بعدها بنضح إرجاء الكنيسة والمؤمنين بالماء المقدّس، متمنّيًا لهم عيدًا مباركًا.