الفاتيكان
13 كانون الثاني 2021, 10:30

إليكم ما يدعو البابا فرنسيس للقيام به في الأوقات الصّعبة والمظلمة!

تيلي لوميار/ نورسات
كشف البابا فرنسيس عن أساس صلاة التّسبيح، مؤكّدًا أنّ "الله هو الصّديق الأمين ومحبّته ثابتة إلى الأبد". خلال المقابلة العامّة اليوم. كلام البابا جاء خلال المقابلة العامّة الّتي ألقاها من مكتبة القصر الرّسوليّ في الفاتيكان، مواصلاً تعليمه حول "الصّلاة"، قائلاً بحسب "فاتيكان نيوز":

"نواصل التّعليم حول الصّلاة، ونعطي اليوم فسحة لبعد التّسبيح. ننطلق من مقطع حاسم من حياة يسوع: بعد المعجزات الأولى وإشراك التّلاميذ في إعلان ملكوت الله، عبرت رسالة المسيح بأزمة. بدأ يوحنّا المعمدان بالشّكّ، وفيما كان في السّجن أرسل له هذه الرّسالة: "أَأَنتَ الآتي، أَم آخَرَ نَنتَظِر؟"؛ لأنّه كان يخاف من أن يكون قد أخطأ في الإعلان؛ هناك في الحياة على الدّوام لحظات مظلمة ولحظات ليل روحيّ ويوحنّا كان يعيش هذه اللّحظات. كذلك نجد عداء في القرى الواقعة على البحيرة، حيث قام يسوع بالعديد من الآيات الرّائعة. والآن، في لحظة الإحباط هذه، يروي متّى حقيقة مدهشة: يسوع لا يرفع تذمُّرًا إلى الآب، وإنّما ترنيمة ابتهاج: "أَحمَدُكَ يا أَبَتِ، رَبَّ السَّمَواتِ والأَرض، على أَنَّكَ أَخفَيتَ هذه الأَشياءَ على الحُكَماءِ والأَذكِياء، وكَشفتَها لِلصِّغار". في خضمِّ الأزمة، يسوع يبارك الآب ويسبّحه. لماذا؟ يسبّحه أوّلاً لما هو عليه: "الآب، ربّ السَّمَواتِ والأَرض". لقد تهلّل يسوع بالرّوح لأنّه يعلم ويشعر أنّ أبيه هو إله الكون، ولأنّ ربّ كلّ ما هو موجود هو الآب، أبوه. وبالتّالي من خبرة الشّعور بأنّه "ابن العليّ" ينبعث هذا التّسبيح.

ثمّ يحمد يسوع الآب لأنّه يفضّل الصّغار. هذا ما اختبره بنفسه، فيما كان يبشّر في القرى: لقد بقي "الأذكياء" و"الحكماء" مرتابين ومنغلقين، بينما انفتح "الصّغار" وقبلوا الرّسالة. إنّها إرادة الآب، ويسوع يفرح بها. لذلك علينا نحن أيضًا أن نفرح ونحمد الله لأنّ النّاس المتواضعين والبسطاء يقبلون بالإنجيل. في مستقبل العالم وفي آمال الكنيسة نجد "الصّغار": أولئك الّذين لا يعتبرون أنفسهم أفضل من الآخرين، والّذين يدركون محدوديّتهم وخطاياهم، والّذين لا يريدون السّيطرة على الآخرين، والّذين يعترفون في الله الآب أنّهم جميعًا إخوة.

لذلك، في تلك اللّحظة من الفشل الواضح، يصلّي يسوع رافعًا التّسبيح إلى الآب. وتقودنا صلاته أيضًا، نحن قرّاء الإنجيل، إلى الحكم بطريقة مختلفة على هزائمنا الشّخصيّة، والمواقف الّتي لا نرى فيها بوضوح حضور الله وعمله، عندما يبدو أنّ الشّرّ هو المسيطر ولا توجد هناك طريقة لإيقافه. أمّا يسوع، الّذي أوصانا كثيرًا أيضًا بصلاة الطّلب، وفي الوقت الّذي كان يملك الدّافع لكي يطلب تفسيرات من الآب، بدأ يسبّح الآب ويحمده. بماذا يفيد الحمد والتّسبيح؟ هل هو لنا أم لله؟ يدعونا نصّ من اللّيتورجيا الإفخارستيّة لنرفع الصّلاة إلى الله بهذه الطّريقة: "إنّك في عُلاك وجلالك لغنيٌّ جدًّا عن حمدنا، غير أنّه لفضل منك أن نقوم بواجب شكرك. وإن لم يزد تسبيحنا شيئًا إلى مجدك العظيم، غير أنّه يعود بالنّعمة والخلاص علينا".

إنَّ صلاة التّسبيح تفيدنا. ويحدّدها التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة على النّحو التّالي: "إنّها مشاركة في طوبى القلوب النّقيّة الّتي تحبُّ الله في الإيمان قبل أن تعاينه في المجد" (عدد 2639). وللمفارقة، يجب أن نمارسها ليس فقط عندما تملأنا الحياة بالسّعادة، وإنّما وبشكل خاصّ في اللّحظات الصّعبة، وعندما تصبح المسيرة صعبة وشاقّة. هذا أيضًا هو الوقت للحمد والتّسبيح، لأنّنا نتعلّم أنّه من خلال هذا المسيرة، وذلك الدّرب المتعب، وتلك الممرّات الصّعبة، سنتمكّن من أن نرى مشهدًا جديدًا، وأفقًا أكثر انفتاحًا.

هناك تعليم عظيم في تلك الصّلاة الّتي ولثمانية قرون خلت لم تتوقّف أبدًا عن الخفقان، والّتي ألَّفها القدّيس فرنسيس في نهاية حياته: "نشيد الشّمس أختنا" أو "نشيد المخلوقات". لم يؤلّفها فقير أسيزي في لحظة من الفرح والرّفاهيّة، وإنّما في خضمّ المصاعب. كان فرنسيس قد أصبح أعمى تقريبًا، وكان يشعر في روحه بثقل الوحدة الّتي لم يشعر بها من قبل: إنَّ العالم لم يتغيّر منذ بداية تبشيره ووعظه، ولا يزال هناك من يسمحون للشّجارات بأن تمزّقهم وتقسّمهم، وكذلك كان يشعر بخطوات الموت الّذي كان قد أصبح قريبًا. ربّما كانت لحظة خيبة الأمل الشّديدة ولحظة إدراكه لفشله، ولكن فرنسيس صلّى في تلك اللّحظة: "كُن مُسبَّحًا يا إلهي..." يسبِّح فرنسيس الله على كلّ شيء، وعلى كلّ عطايا الخليقة، وكذلك على الموت، الّذي دعاه بشجاعة "أخًا"؛ "أخي الموت".

يظهر لنا القدّيسون والقدّيسات أنّه يمكن للمرء أن يسبّح الله ويحمده على الدّوام، في السّرّاء والضّرّاء، لأنّ الله هو الصّديق الأمين. هذا هو أساس صلاة التّسبيح: الله هو الصّديق الأمين ومحبّته ثابتة إلى الأبد. هو بقربنا على الدّوام وينتظرنا. ويقول أحدهم: إنّه الرّقيب الّذي يسير بقربك ويجعلك تسير قدمًا بأمان؛ ولذلك في الأوقات الصّعبة والمظلمة علينا أن نتحلّى بالشّجاعة لكي نقول: "مبارك أنت يا ربّ" وأن نحمده ونسبّحه وهذا الأمر سيساعدنا كثيرًا."