لبنان
06 آذار 2024, 15:00

ابراهيم شارك أهالي ريّاق صلاة النّوم الكبرى

تيلي لوميار/ نورسات
واصل رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم جولته على رعايا الأبرشيّة في زمن الصّوم العظيم المقدّس، وشارك أبناء وبنات رعيّة القدّيس جاورجيوس في ريّاق صلاة النّوم الكبرى بمشاركة كاهن الرّعيّة الأب اومير عبيدي وحضور مجلس الرّعية، الوكلاء، الأخويّة، الشّبيبة والمؤمنين. وألقى عظة قال فيها بحسب إعلام الأبرشيّة:

 

"اليوم، أريد أن ألقي الضّوء على قيمة وأهميّة المصالحة مع الذّات، وذلك انطلاقًا من كلمات يسوع لنا: "أحبب قريبك كنفسك"(متى 22: 39). في هذا العصر الذي يملأه التّوتر والضّغوطات، غالبًا ما نجد أنفسنا مشغولين جدًا بالعناية بالآخرين وتلبية احتياجاتهم، وقد نتجاهل بسهولة الاهتمام بأنفسنا. لكن في قلب الإيمان، ينبغي علينا أن نتذكّر أنّ الاهتمام بأنفسنا يساعدنا في خدمة الآخرين بشكل أفضل. الثّقة بالنّفس وتقدير الذّات هما الجسر الذي يوصلنا إلى الثّقة بالله وبالآخرين وتقديرهم.

عندما نتحدّث عن المصالحة مع الذّات، فإنّنا نتحدّث عن القبول والغفران لأنفسنا. العداوة مع الذّات وكره الذّات هما من الخطايا العظمى. الالتزام بممارسة الأصوام والقطاعات والاماتات ينطلق من محبّة الذّات التي تحتاج إلى التّنقية والتّقديس والرّوحنة. يسوع علّمنا بأنّه لا يمكننا حقًا أن نحبّ الآخرين بشكل صحيح إذا لم نحب أنفسنا أوّلاً. كره الذّات هو نفاق روحيّ، أمّا محبّة الذّات فهي اعتراف بأنّنا بحاجة إلى الشّفاء والتّغيير من الدّاخل قبل أن نتمكّن من نقل الحبذ للآخرين. القدّيس أوغسطينوس يشرح لنا ذلك بقوله: "أحبب وافهم نفسك أوّلاً، لأنّه لا يمكنك أن تحبّ أو تفهم الآخرين بصدق إلّا إذا كنت قد فعلت ذلك مع نفسك أوّلاً."

إنّ محبّة الذّات لا تعني الأنانيّة على الإطلاق. محبّة الذّات تعني الإدراك العميق بأنّ الله جبلنا أنقياء وخلقنا على صورته ومثاله وجعلنا أبناء. والله الذي دعانا إلى محبّة الأعداء ومحبّة الذين يسيئون إلينا (متّى 5: 44) يشمل محبّة ذواتنا ضمنًا ونحن كثيرًا ما نكون أعداءً لذاتنا. إنّ التّغلّب على العداوة لذاتنا يكمن من فهمنا لأنفسنا أيضًا على حدّ قول القدّيس فرنسيس دي سال: "إنّه عندما نفهم أنفسنا بشكل أفضل، فإنّنا نتمكّن من تقديم الحبّ والرّحمة بشكل أعمق للآخرين".

المصالحة مع الذّات تتطّلب أيضًا فهمًا عميقًا لما يعنيه أن نكون أحبّاء وأبناء في عيني الله. " لَا أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا، لِأَنَّ ٱلْعَبْدَ لَا يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ، لَكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لِأَنِّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي." (يو 15: 15). إنّ تغيير نظرتنا لذواتنا تفتح أمامنا آفاقًا جديدة تتيح لنا رؤية أنفسنا كما يرانا الله، وهذا يجلب الشّفاء والقبول والرّضا الدّاخليّ.

لا يقتصر الأمر على المصالحة والمحبّة الدّاخليّة فقط، بل يمتد أيضًا إلى التّواصل مع الآخرين بمحبّة وتفهم. عندما نفهم أهميّتنا في نظر الله، نكون أكثر قدرة على التّعاطف مع الآخرين ونقدّم لهم الحبّ والرّعاية التي يحتاجونها. هنا أتذكّر كلمات العظيم مارتن لوثر كينغ جونيور حيث يقول: "إنّنا لا نستطيع أن نعبّر عن محبّتنا للآخرين دون أن نكون قد تعلّمنا كيف نحب ونغفر لأنفسنا أولّاً.

دعونا نقر أنّ الرّضا على الذّات هو ركيزةٌ أساسيّةٌ في بناء حياةٍ متوازنة وسعيدة. إنّه الشّعور بالقبول والاحترام للذّات كما هي، بما فيها من قواها وضعفها، وقدراتها وقصورها. أمّا عدم الرّضا على الذّات فإنّه يفتح بابًا واسعًا لمجموعةٍ من المشاكل والتّحدّيات التي قد تؤثّر على جودة حياتنا بشكل كبير. فعدم الرّضا على الذّات يُقلل من الثّقة بالنّفس. عندما لا نكون راضين عن أنفسنا، نبدأ في الشّكّ بقدراتنا وطاقتنا على تحقيق النّجاح في مختلف المجالات. وهذا يؤدّي في النّهاية إلى تقليل الإنتاجيّة والتّحفيز، وقد يعرّضنا للفشل.

عدم الرّضا قد يؤدّي بالذّات إلى العزلة الاجتماعيّة. عندما نكون غير راضين عن أنفسنا، قد نتجنّب التّواصل مع الآخرين أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعيّة، ممّا يؤثر على علاقاتنا الشّخصيّة والاجتماعيّة ويعزلنا بشكل تدريجيّ. إلى جانب ذلك، يمكن أن يسبب عدم الرّضا على الذّات إلى مشاكل صحّيّة عديدة. الضّغط النّفسيّ الذي ينشأ عن عدم الرّضا يمكن أن يؤثّر على الصّحّة العقليّة والجسديّة، وقد يزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق والأمراض المزمنة.

إذًا، ما هو الحلّ؟ الحلّ يكمن في بناء وتنمية الرّضا على الذّات، وهذا يتطلّب عملًا داخليًّا وجهدًا مستمرًّا. علينا أن نتعلّم كيف نقدّر أنفسنا ونقبلها بما نحن عليه، مع العمل على تطوير أنفسنا بشكل مستمر.

لنكن صادقين مع أنفسنا ولنركّز على نقاط قوّتنا بدلاً من نقاط ضعفنا. لنكن متسامحين مع أخطائنا ونتعلّم منها بدلاً من أن نلوم أنفسنا عليها ونجلِدَ ذواتِنا. ولنتذكّر دائمًا أنّنا جميعًا نمرّ بتجارب وأوقات صعبة، ولكن الأهمّ هو كيف نستفيد منها وننمو بفضلها."