لبنان
07 آذار 2024, 12:10

ابراهيم: كلماتنا مسؤولية نحملها امام اللّه

تيلي لوميار/ نورسات
في إطار الجولة التي يقوم بها رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع على رعايا الأبرشيّة في زمن الصّوم العظيم المقدّس، شارك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم أبناء وبنات رعيّة سيدة الإنتقال في صغبين صلاة النّوم الكبرى بمشاركة كاهن الرّعيّة الأب زاكي التّن، رئيس دير مار تقلا عين الجوزة الأب سليمان جرجورة، كاهن رعيّة القديس جاورجيوس المارونية الأب الياس الخوري، راهبات العائلة المقدّسة في صغبين، وجمهور من المؤمنين. بعد صلاة النّوم الكبرى، ألقى ابراهيم عظة حول موضوع صوم اللّسان بعنوان" اللّسان - بين القدرة على الخلق والقدرة على الدّمار"، جاء فيها بحسب إعلام الأبرشيّة:

قدس الأب الحبيب زاكي التّن المحترم،

أيّها الأحبّاء بالمسيح يسوع،

أنا سعيد جدًّا أن أصلّي معكم في هذه البلدة العريقة: صغبين. نصلّي على نيّة كلّ أبنائها المقيمين والمغتربين ولي من بينهم أصدقاءٌ كُثر أعتبرهم عائلتي وأحيّيهم من قلب صغبين ومن قلب كنيستها الجميلة.

فلنقرأ من رسالة القدّيس يعقوب ما يلي:

إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْثُرُ فِي الْكَلاَمِ فَذَاكَ رَجُلٌ كَامِلٌ، قَادِرٌ أَنْ يُلْجِمَ كُلَّ الْجَسَدِ أَيْضًا. هُوَذَا الْخَيْلُ، نَضَعُ اللُّجُمَ فِي أَفْوَاهِهَا لِكَيْ تُطَاوِعَنَا، فَنُدِيرَ جِسْمَهَا كُلَّهُ. هُوَذَا السُّفُنُ أَيْضًا، وَهِيَ عَظِيمَةٌ بِهذَا الْمِقْدَارِ، وَتَسُوقُهَا رِيَاحٌ عَاصِفَةٌ، تُدِيرُهَا دَفَّةٌ صَغِيرَةٌ جِدًّا إِلَى حَيْثُمَا شَاءَ قَصْدُ الْمُدِيرِ. هكَذَا اللِّسَانُ أَيْضًا، هُوَ عُضْوٌ صَغِيرٌ وَيَفْتَخِرُ مُتَعَظِّمًا. هُوَذَا نَارٌ قَلِيلَةٌ، أَيَّ وُقُودٍ تُحْرِقُ؟ فَاللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإِثْمِ. هكَذَا جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا اللِّسَانُ، الَّذِي يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ، وَيُضْرِمُ دَائِرَةَ الْكَوْنِ، وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ. لأَنَّ كُلَّ طَبْعٍ لِلْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ وَالزَّحَّافَاتِ وَالْبَحْرِيَّاتِ يُذَلَّلُ، وَقَدْ تَذَلَّلَ لِلطَّبْعِ الْبَشَرِيِّ. وَأَمَّا اللِّسَانُ، فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُذَلِّلَهُ. هُوَ شَرٌّ لاَ يُضْبَطُ، مَمْلُوٌّ سُمًّا مُمِيتًا. بِهِ نُبَارِكُ اللهَ الآبَ، وَبِهِ نَلْعَنُ النَّاسَ الَّذِينَ قَدْ تَكَوَّنُوا عَلَى شِبْهِ اللهِ. مِنَ الْفَمِ الْوَاحِدِ تَخْرُجُ بَرَكَةٌ وَلَعْنَةٌ! لاَ يَصْلُحُ يَا إِخْوَتِي أَنْ تَكُونَ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا! أَلَعَلَّ يَنْبُوعًا يُنْبِعُ مِنْ نَفْسِ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ الْعَذْبَ وَالْمُرَّ؟ (يعقوب 3: 5-6)."

أيّها الأحبّاء، إنطلاقًا من هذا الشّرح الرّائع للقدّيس يَعقوب عن اللّسان، أحببت في هذا الزّمن المبارك أن نتذكّر معًا أنّ الصّوم الحقيقيّ لا يستقيم بالانقطاع عن الطّعام والشّراب، بل بضبط اللّسان والسّيطرة عليه. فهذا العضو الصّغير الذي يمتلكه الإنسان، يحمل في ذاته قوّة هائلة. إنّه السّلاح الذي قد يبني وقد يُدمّر، الأداة التي قد تنقل الخير وتصنع الشّرّ.

في العديد من الأماكن، يُشير الكتاب المقدّس إلى قوّة اللّسان وتأثيره العظيم. حيثُ نرى أنّ اللّسان قادر بصورة لافتة، عندما يتحكّم به الشّرّ، أن يكون مدمرًا للغاية.

وفي الإنجيل أيضًا، وجدنا العديد من الإشارات إلى أهميّة التّحكّم في اللّسان. كما قال السّيّد المسيح في إنجيل متّى: "إنّ كلّ كلمة بطّالة يتكلّم بها النّاس سوف يعطون عنها حسابًا يوم الدّين لأنّك بكلامك تُبرّر وبكلامك تُدان" (متى 12: 36-37). هذا يعني أنّ الكلمات التي نتحدث بها ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي مسؤوليّة نحملها أمام الله.

يجب أن ندرك إذًا أنّ كلماتنا ليست مجرّد مجموعة من الأصوات، بل هي مرآة لقلوبنا وأفكارنا ومشاعرنا. عندما نتحدّث بكلمات الحبّ والتّشجيع، نعكس صورة للرّحمة والعطف، وعلى العكس، عندما ننطِق بالكلمات السّلبية والمؤذية، فإنّنا نبعث رسائل سلبيّة تؤثّر على الآخرين وعلى أنفسنا."

لذا، يجب علينا أن نتعلّم كيف نتحكّم بألسنتنا ونختار كلماتنا بحكمة. يقول الكتاب المقدّس في سفر الأمثال: "اَلْكَلاَمُ الْحَسَنُ شَهْدُ عَسَل، حُلْوٌ لِلنَّفْسِ وَشِفَاءٌ لِلْعِظَامِ." (أمثال 16: 24). إذاً، يمكن لكلماتنا أن تكون مصدرًا للحياة والبركة إذا كانت مليئة بالحكمة والمحبّة.

ولكن هل يمكن أن يكون للّسان استخدام إيجابيّ في خدمة الله والإنسان؟ بالطّبع! يمكننا استخدام اللّسان كأداة لنشر الخير والإيمان. كما قال الرّسول بولس في رسالته إلى أهل كولوسي: "لِيَكُنْ كَلامُكُمْ دَائِماً مَصْحُوباً بِالنِّعْمَةِ، وَلْيَكُنْ مُصْلَحاً بِمِلْحٍ، فَتَعْرِفُوا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تُجِيبُوا كُلَّ وَاحِدٍ." (كولوسي 4: 6)."

إنّ موضوع اللّسان يعتبر واحدًا من أعمق المواضيع التي تُناقش في الفلسفة والدّين على حد سواء. فاللّسان ليس مجرّد عضو في جسم الإنسان يقوم بمهمّة النّطق وتذوّق الطّعام، بل هو أداة قويّة للتّعبير والتّأثير. فمن خلال اللّسان، ينقل الإنسان أفكاره ومشاعره، وتتجلّى عبره شخصيّته وقيمه ومبادئه.

ومن هنا ينبغي علينا أن نفهم القوّة الهائلة التي يتمتع بها اللّسان، والتّأثير الذي يمكن أن يكون له على الآخرين. فعندما يتحدّث الإنسان، ينشر فكره ويطرح وجهة نظره، وهذا الأمر قد يؤثّر بشكل كبير على حياة الآخرين، سواء بالإيجاب أو بالسّلب.

إذاً، يجب علينا أن نتحلّى بالحذر والوعي عند استخدامنا للّسان، وأن نتجنّب الوقوع في الأخطاء التي قد تؤدّي إلى إيذاء الآخرين أو إلى تشويه سمعتهم. فكما يقول المثل الشّهير: "الكلمة الطّيّبة كالعسل، والكلمة السّيئة كالسّمّ". هذا ما اعتدنا سماعَه في المثل العامي: كلمة بتجنن وكلمة بتحنن.

ومن الأخطاء التي ينبغي علينا تجنّبها في استخدام اللّسان، هي الكلمات الباطلة والمفتعلة، والتي لا تحمل قيمة إيجابيّة أو تعبيرًا عن الحقيقة. فالكلمات الباطلة قد تؤدي إلى إثارة الفتن وزعزعة السّلم الاجتماعيّ، وهذا يتنافى مع الأخلاق الإنسانيّة ومبادئ الدّين.

ومن الجوانب الهامّة التي يجب أن نضعها في اعتبارنا عند الكلام، هي ضرورة التّوافق بين الباطن والظّاهر، أيّ بين ما يقوله الإنسان وما يشعر به في داخله. فالتّوافق بين الباطن والظّاهر يعكس صدقيّة الشّخص ونزاهته، ويعزز من مصداقيّته أمام الآخرين.

لا يمكننا أن نتجاهل دور الصّمت في حياة الإنسان، فالصّمت قد يكون أحيانًا أفضل من الكلام، خاصّة عندما لا يكون للإنسان شيء مفيدٌ أو مهمٌ ليقوله. فالصّمت قد يعكس حكمة الشّخص ورزانته في التّفكير، وقد يكون وسيلة للتّعبير عن الاحترام والتّقدير للآخرين.

يجب علينا أن ندرك أن استخدام اللّسان بشكل صحيح ومسؤول يعد من الفضائل العظيمة التي يجب أن نسعى إليها في حياتنا اليوميّة. فاللّسان، بقوّته وتأثيره، يمكن أن يكون سلاحًا فعّالًا لنشر الخير والسّلام، أو يمكن أن يكون سببًا في نشر الفتن والبلبلة. إن اختيارنا للسّلوك الصّحيح في استخدام اللّسان يعكس قدرتنا على التّفكير والتّحلّي بالأخلاق الحميدة، ويسهم في بناء مجتمع أفضل وأكثر تسامحًا وتفاهمًا.

وبالآية التّالية من المزامير أحرضُكم قائلاً: هَلُمَّ أَيُّهَا الْبَنُونَ اسْتَمِعُوا إِلَيَّ فَأُعَلِّمَكُمْ مَخَافَةَ الرَّبِّ. مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ الَّذِي يَهْوَى الْحَيَاةَ، وَيُحِبُّ كَثْرَةَ الأَيَّامِ لِيَرَى خَيْرًا؟ صُنْ لِسَانَكَ عَنِ الشَّرِّ، وَشَفَتَيْكَ عَنِ التَّكَلُّمِ بِالْغِشِّ. حِدْ عَنِ الشَّرِّ، وَاصْنَعِ الْخَيْرَ. اطْلُبِ السَّلاَمَةَ، وَاسْعَ وَرَاءَهَا". (مزمور 34 : 11 – 14).

أدعو الله أن يمنحنا جميعًا القدرة على التّحكّم بألسنتنا واستخدامها لمجد الله وخدمة الإنسانيّة. آمين."