الأباتي رزق في عيد القدّيسة تريزيا: سلامها الحقيقيّ في يسوع
وعاون زرق في خدمة القدّاس: رئيس الدّير والمزار الأباتي سمعان أبو عبده، ووكيل الدّير الأب أنطوان الخويري، ومعلّم الإخوة المبتدئين الأب دومنيك نصر، ومعلّم الإخوة الدّارسين الأب جورج خليل، بحضور الآباء المدبّرين العامّين ولفيف من الكهنة. وخدمت القدّاس جوقة الدّير.
رزق الّذي توجّه إلى الحاضرين بعظة مفعمة من روحانيّة صاحبة العيد، قال بحسب إعلام الرّهبانيّة:
"أيّها الأحبّة، ها عيد طفلة الورود السماويّة يطلّ علينا من جديد!
طفلة الورود الّتي اختارت أن تكون "الحبّ في قلب الكنيسة"!
طفلة ارتوت من حبّ يسوع، لتصبح نبع حبّ يروي العطاش إلى يسوع: حفظت وصاياه وأعلنتها في عيشها المتواضع، كدليل حيّ لكلّ من يريد أن يتبع يسوع.
فالرّبّ يقول: "إن لم تعودوا كالأطفال، لن تدخلوا ملكوت السّماء"، والقدّيسة تيريزيا فهمت كيف تبقى طفلةً وتأخذنا في درب الطّفولة إلى يسوع:
- بإيمانها البسيط، الّذي ينفتح على العناية الإلهيّة دون شروط،
- ببراءتها، وصفاء نواياها، الّتي لا تبحث عن المنفعة الخاصّة والمجد العالميّ، بل تريد الخير للجميع وتصلّي من أجل خلاص الخطأة،
- باندهاشها أمام جمال عطايا الله، وفرحها بأنّها ابنة مريم وحبيبها يسوع ...
في الطّفولة سلام وفرح، ونحن جميعًا، دون استثناء، نبحث عن الفرح والسّلام! لكنّ كثيرون منّا وللأسف، يبحثون عن السّعادة في كلّ شيء، ما عدا الله! يبحثون عن السّلام في الانتماءات والسّياسات ولا يعرفون كيف يغرفونه من الله!
وتأتي تيريزيا الطّفل يسوع والوجه الأقدس بطفولتها الّتي تشملنا في حبّ المسيح، لتسكن قلب الكنيسة وتصبح لنا أيقونة سلام، في عالم يمزّقه الاضطراب والصّراعات.
لا! لم تبحث قدّيستنا الصّغيرة عن السّلام في إنجازات بشريّة أو في أمجاد أرضيّة، بل وجدته في يسوع، الّذي هو سلامنا كما يقول بولس الرّسول في رسالته إلى أهل أفسس. (أف 2: 14).
في ديرها الصّغير، ومن خلال "الطّريق الصّغير"، اكتشفت تيريزيا أنّ السّلام يبنى في التّفاصيل اليوميّة: في المحبّة البسيطة، في الغفران، في الصّبر، وفي الثّقة الكاملة بالآب. لهذا كانت تـردّد دومًا: "يسوع، فرحي هو أن أحبّك".
أمّا سلامها فلم يكن في غياب الألم، فهي قد عاشت المرض والانتقادات والضّعف البشريّ، وقبلت كلّ ذلك باتّكال الطّفل على أبيه. وفي سرّ هذا الصّغر، تذوّقت نعمة السّلام، لأنّ قلبها كان مسكنًا ليسوع. ألم تأخذه عنوانًا لحياتها ولبست اسمه في الطّفولة وفي القداسة؟ فهي تيريزيا الطّفل يسوع والوجه الأقدس.
اليوم سنتأمّل معًا في طريق تيريزيا الصّغير نحو السّلام:
فهمت تيريزيا أنّ السّلام الدّاخليّ يبدأ في الثّقة بعناية الله ورحمته ويقوم على المحبّة الّتي هي قلب الحياة المسيحيّة. وكان لتواضعها وفي إدراكها لضعفها ونقائصها، مجالًا لعمل الرّبّ الملفت.
خطّت تريزيا طريقها إلى القداسة في الأعمال اليوميّة البسيطة، فازدادت اتّحادًا بالله وساهمت في نشر السّلام في سيرة حياتها. وصارت هذه رسالتها حتّى بعد مماتها، رسالةً عالميّةً من أجل السّلام!
سنة 1997، أعلنت الكنيسة القدّيسة تيريزيا الطّفل يسوع والوجه الأقدس، ملفانةً، "خبيرةً في علم الحبّ"، لأنّها ببساطة قلبها أرادت أن تملأ الأرض سلامًا بالحبّ، وأن تستمرّ في عمل الخير حتّى من السّماء، كما وعدت: "سأقضي حياتي في السّماء أعمل الخير على الأرض".
حتّى أنّ منظّمة اليونسكو اعترفت بها كشخصيّة مميزّة لسنة 2022-2023 في يوبيل ولادتها الـ150 سنة، لأنّ رسالتها القائمة على الثّقة والمحبّة الشّاملة، تجعل مكانتها كبيرةً بين النّساء الرّائدات في الثّقافة والتّربية والسّلام.
فيا أيها الإخوة والأخوات،
من تيريزيا نتعلّم أنّ الطفولة الرّوحيّة تمجّد عظمة الله، وأنّها أساس في صنع السّلام. لأنّ الحبّ الحقيقيّ، حبّ الله وحبّ الآخرين، إذا اجتاح القلب يجعل فيه عرشًا للسّلام!
هكذا نفهم دعوة يسوع لنا كي نعود أطفالًا، ونعيش الاتّكال الكامل على الله، ونثق بعنايته، فلا تخمد ظلمة الأحداث فينا نور المسيح.
أيّها الأحبّة،
إن كنّا اليوم "نبحث عن السّلام"، فلننظر إلى تيريزيا، الّتي وجدت سلامها في يسوع وحده، ومنه أخذت السّلام الّذي لا يمكن للعالم أن عطيه. فلنطلب بشفاعتها أن يصبح قلبنا مسكنًا لسلام المسيح، وأن نشهد معًا أنّ يسوع هو وحده سلامنا الحقيقيّ. فهو يؤكّد لنا: "سلامًا أترك لكم، سلامي أعطيكم، لا كما يعطيه العالم أنا أعطيكم" (يو 14: 27).
نرفع صلاتنا إلى القدّيسة تريزيا كي تنشر السّلام في القلوب وفي البيوت، في هذه الظّروف الصّعبة، ليتّخذ الإنسان طريقًا للحياة، مطبوعًا بالإيمان والرّجاء والمحبّة. نصلّي من أجل السّلام في مناطق النّزاع، وفي البلدان الّتي يتشوّه فيها وجه الإنسانيّة وتفقد القداسة مسارها ويمّحى وجه يسوع! أيّتها القدّيسية تيريزيا صلّي معنا ليملك يسوع في العالم ونتذوّق سلامه جميعنا. آمين."