الأباتي رزق: يسوع يريد رعيانًا يحملونه بجرأة ويكونون خدّامًا للضّعفاء
وخلال القدّاس، كانت للأباتي رزق عظة بعنوان:" أتحبّني أكثر... إتبعني!" (يو 21: 5، 19)، قال فيها بحسب إعلام الرّهبانيّة:
"إنّه يوم عيد كبير، وبداية زمن انتصار، يرتفع فيه الصّليب ويعتلي الجبال والأمم! هذا اليوم الّذي انتظره المسيحيّون ليخرجوا من مخابئهم ويعتنقوا ديانتهم في العلن، ويعلنوا حبّهم للّذي أحبّهم وأعطاهم الحياة في بذل ذاته قيامته.
وما أجمل هذا اليوم أيضًا، إذ فيه نلتقي، في هذا الدّير المبارك، ديرنا الأمّ حيث سيّدة اللّويزة الّتي تسهر على رهبانيّتنا، تشهد معنا على عمل النّعمة في حياة أخينا الأب شربل مهنّا. ويشرّفني، وأنا كلّي امتنان ومحبّة، أنّ غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، فوّضني كي أمنحه باسم الكنيسة رتبة الأباتيّة، كعلامة على الثّقة والامتنان في الرّسالة، وكعربون تقدير لخدمة أمينة في حقل الرّبّ.
إنّ عملك الدّؤوب، أيّها الأخ الحبيب، وتعبك وجهادك من أجل الرّسالة في قطر، لا يكافآن اليوم فحسب، بل يقدّران ويرفعان مسؤوليّتك إلى أبعد من الخدمة العاديّة.
فبعد أن عشت كهنوتك ورسالتك في بلد عربيّ حيث الحاجة كبيرة لراع ينصت إلى القلوب، ويبشّر بكلمة الحياة، ويعطي الأسرار ويمنح الرّجاء لجالية مارونيّة وكاثوليكيّة عطشى إلى صوت الله، وبعد أن واجهت تحدّيات رسالتك، وقد حملت الصّليب بثبات، وصار علامة حيّة لمحبّة الله ورعايته، ندرك اليوم أنّ رتبة الأباتيّة ليست مكافأة على مجهود بشريّ فقط، بل استجابة لدعوة إلهيّة. والكنيسة، لا تعطي رتبًا للزّينة أو الوجاهة، بل تمنح بركةً ومسؤوليّات، وتؤمّنك في مقام ودعوة جديدة.
في كلمة الإنجيل الّتي وضعت كعنوان لاحتفالنا، يسأل يسوع بطرس ثلاث مرّات : "أتحبّني أكثر؟" وهكذا أمام دعوتك الرّهبانيّة والكهنوتيّة، أجبت عليه أيّها الأباتي الحبيب: "نعم يا ربّ، أنت تعلم أنّي أحبّك!" لكنّ اليوم، أنت تقف أمام عنوان جديد ومسؤوليّة جديدة، ويعود يسوع ويطرح عليك السؤال: "أتحبّني أكثر؟" لأنّ المحبّة للمسيح هي الشّرط الأوّل والوحيد للرّسالة. والخدمة لا تبنى على قوّة بشريّة أو امتياز اجتماعيّ، بل على علاقة حبّ أمينة للمسيح الحيّ.
المحبّة الّتي يطلبها يسوع منك اليوم، لا تقتصر فقط على عيش رهبانيّ أو خدمة كهنوتيّة. فيسوع يريد رعيانًا يذوبون في محبّة صادقة، تترجم ببذل الذّات، ولا تفرّق بين حملان ونعاج وخراف! يسوع يريد رعيانًا أمينين في رسالتهم، شهودًا للمسيح، لا يتعكزّون على الصّليب، بل يحملونه بجرأة ويكونون خدّامًا للضّعفاء، وآباءً يجمعون البنين في حضن الكنيسة.
أيّها الأحبّة،
حين نتأمّل في مسيرة الأب شربل مهنّا، نرى كيف عاش هذه الدّعوة في بلد عربيّ، وسط جالية مارونيّة وكاثوليكيّة كانت بحاجة إلى راع يسمع صوتها ويقودها إلى ينابيع الحياة. لم تكن رسالته سهلة، بل مليئة بالتّحدّيات والضّيقات. لكنّه اختار أن يجيب على سؤال المسيح بصدق: "نعم يا ربّ، أنت تعلم أنّي أحبّك." ولم يكن جوابه بالكلام فقط، بل بالعمل اليوميّ، بالثّبات، وبالأمانة في الخدمة.
الخدمة الأمينة، كما تعلّمنا الكنيسة، ليست بحثًا عن راحة أو مجد شخصيّ، بل استعداد دائم للعطاء. وتبدأ هذه الخدمة قبل كلّ شيء بالصّلاة، والجلوس عند قدمي الرّبّ لنغرف من محبّته، وفي الوقت نفسه لا نتقاعس عن العمل، وبذل الذّات من أجل الإخوة والجماعة المؤمنة. بهذا المعنى، رتبة الأباتيّة الّتي تمنح للأب شربل اليوم هي عهد محبّة وأمانة، أكثر منها تكريمًا أو لقبًا.
أيّها الإخوة،
إنّ ما نحتفل به اليوم هو أيضًا رسالة رجاء للجالية اللّبنانيّة والمارونيّة في بلاد الاغتراب. هذه الجالية الّتي لا تزال تنبض بالإيمان، وتبحث عن وجه المسيح وسط التّحدّيات. وجود راع أمين مثل الأب شربل هو عربون أنّ الرّبّ لم ولن يترك شعبه. فمن خلال أمانته، تتقوّى أمانة الجماعة، ومن خلال محبّته، ينفتح القلب على المحبة الّتي لا تسقط أبدًا.
فلنرفع صلاتنا معًا كي يثبّت الرّبّ الأباتي الجديد ويمنحه قلب الرّاعي الصّالح الّذي لا يتعب من الخدمة، ولا يتراجع أمام الصّليب، بل يحيا الأمانة حتّى النّهاية. نصلي أيضًا من أجل الرّهبانيّة، والكنيسة، والجالية المباركة، كي تبقى شاهدة حيّة للمسيح، ومبنيّة على الصّخرة الّتي هي محبّته. مبروك الأباتي شربل مهنّا للرّهبانيّة وللكنيسة!
بهذه الرّوح نردّد معًا: نعم يا ربّ، أنت تعلم كلّ شيء، أنت تعلم أنّنا نحبّك. فامنحنا أن نخدمك بأمانة، لمجد اسمك القدّوس، إلى الأبد. آمين."