ثقافة ومجتمع
25 أيلول 2019, 10:46

الأب خضره في كتابه "موانع الزواج": الزواج أكثر من مشروع حب

عقدت ندوة عن كتاب الأب حنا خضره بعنوان "موانع الزواج"، برعاية الأب العام للرهبانية الأنطونية الأباتي مارون أبوجودة، في صالة كنيسة مار الياس - انطلياس، ركزت على المعوقات التي تواجه الشباب في هذه المرحلة وتمنعهم من الزواج.وحضر النائب السابق جبران طوق، رئيس دير مار الياس -انطلياس الاباتي انطوان راجح، الاباتي جوزف عبد الساتر ممثلا رئيس الرهبنة الانطونية الاباتي مارون ابو جودة، الاب خضره، عدد من الرهبان والراهبات وقضاة ومحامون ومهتمون.


بداية كلمة لعريف الحفل بشارة ايليا، أشار فيها الى أن "الأب خضره استنتج في كتابه أن الزواج أكثر من مشروع حب، بل مؤسسة تستحق أن يعيشها الإنسان بكل تحدياتها نحو الغيرية، ويرى فيها الأنا الجديدة في عملية متبادلة في شراكة الحب، عندئذ يكون الإنسان إنسانا، بمفهوم المؤلف، ليصير هذا الكتاب ليس فقط صالحا لرجال القانون فحسب، بل يحمل في طياته روحانية الزواج الكنسي، فيتخطى كل مانع للزواج من أجل عائلة أفضل، لا بل مجتمع أفضل".

عبد الساتر
ثم تحدث الأباتي عبد الساتر ممثلا الاباتي مارون جودة، فأكد أن "الشهادة مهما كان نوعها في مطلق زمان ومكان ليست منفذا الى مزاولة عمل ما فحسب، إنما هي أمانة في الأعناق وذخيرة في الضمائر ونور في العيون".
أضاف: "حلمنا نحن المكرسين، ومن خلال كل عمل نقوم به رسالة، وبخاصة رسالة القضاء ممارسة وتعليما، وتأليفا، أن نشد العالم إلى الله، ولن يتاح لنا ذلك ما لم يؤهلنا الحلم أن نكون لهذا العالم شاطئ خلاص وملاذ فرح واطمئنان. قد تذهب أشياء كثيرة ونبقى...أما أن يذهب الحق والعدل فحينئذ يصبح بقاؤنا مشكوكا فيه".

وأكد أن "القضاء رسالة إصلاح وتفتيح الأعين على العدالة المثلى، القاضي الذي لا يتقن غير القانون بحاجة الى المحبة، والقاضي الذي لا يتقن غير المحبة بحاجة الى القانون.
فالمزج بين القانون والمحبة هو السبيل الى استقامة الموازين.
لنفتش في عدالة القوانين عن منافذ لضياء المحبة. ولنفتش في ضياء المحبة عن منافذ لعدالة القوانين.
اللهم هبه أن يكون قاضيا محبا... وهبه أن يكون محبا عادلا... ذلك أن القانون إذا خلا من المحبة تحجر، والمحبة إذا خلت من القانون تاهت.
من هنا كان القانون الذي يعاقب المجرم ولا يهديه هو قانون أعرج. لنحب قبل ان نعدل... ولنعدل قبل أن نعاقب، ولنعاقب عندما يصبح العقاب دربا الى الخير والعافية.
نحن أيد من فوق. نحن هاجس هموم المتعبين، نبض قلوبهم، هؤلاء المحرومون العيش في كنف عائلة متماسكة ومحبة ومؤمنة، محرومون حقوقهم وذكرياتهم ومراقد أحلامهم وهناء العيش، نحن المسؤولين عنهم. هؤلاء القادمون الينا من أعماق الحلم. نحن صباح أمانيهم... دفاعنا عنهم يجب أن يكون صراخا. وحدنا نعرف أن نغضب من أجلهم بالمقدار الذي يساوي مصيرا.
وحدنا نعرف أن نطلق الكلمة ونجعلها بمستوى الزلزلة. وحدنا نعرف كيف يكون الصراخ بمستوى جراح الأمة. وحدنا نعرف أن نهز العدالة ونقيم من قبر. أحوال الناس الشخصية من المقدسات والافتراء عليها نوع من الكفر ووجع الضمير".

وتابع: "مركز المحكمة يجب أن يكون كنيسة وقصر العدل كنيسة أو جامعا أو خلوة صلاة حيث تتلى الأناجيل والسور والآيات للمساواة من خلال القوانين والمحبة بين حقوق وواجبات. لنكن نوابا قبل أن نكون عقابا لعل المذنب بعد ذلك يعتاد دروب الفضائل".

وختم عبد الساتر: "نحن بحاجة اليوم الى القاضي الأكبر للدفاع عن القضية العظمى، قضية الإنسان الذي تجسد الله من أجله، وقضية لبنان الذي أمعنت المؤامرات في هدمه".

راجح
اما الاباتي راجح فاعتبر ان الكتاب "متخصص، بدأ العمل عليه منذ سنوات، ثم استنهض عزيمته، وشحذ همته الموصوفة وأنجزه، غارفا من حصاد تحصيله الأكاديمي الواسع، ومن مطالعاته وتمرسه القضائي لسنوات، وهو كتاب شامل وموضوعي لا يكتفي فيه بعرض واقع الحال وما هو نافذ اليوم، بل يعود فيه الكاتب الى ينابيع القوانين ومصادرها الأولى، ويواكب تطورها، مسجلا التبديلات الحاصلة وأسبابها، بربط مع الحضارات المتكونة عبر التاريخ. لقد برهن حقا، لا أنه حاصل على دكتوراه في القانون الكنسي وحسب، بل عن استحقاقه لقب العالم الباحث والمنتج، المستثمر في درجته الأكاديمية، مستفيدا من درجته الموازية في حقل الفلسفة ومثريا منها في تحليلاته القانونية والقراءة. وبالأكثر، فهو يشرع ثقافته واسعا، فلا يقف عند التشريعات الكنسية الشرقية، بل يقارنها مع التشريعات الغربية، والغرب غربية، والشرق شرقية، مع قفزة الى بعض من سائر الحضارات والأديان والمذاهب، فيدل على نهمه العلمي وسعة أبحاثه".

وأضاف: "إن الموضوع هو موانع الزواج في الكنيسة. يميز الأب حنا بين الموانع المطلقة والموانع النسبية، بين الموانع الطبيعية والموانع التنزيلية النظامية، بين الموانع المبطلة بطلانا مطلقا، وتلك المبطلة بطلانا نسبيا، بين الموانع التي يمكن التفسيح فيها، والموانع الالهية التي لا سلطان بشريا يعفي فيها...إلخ. ويوضح أن المانع بمعناه العريض هو كل ما يعترض الاحتفال بالزواج قانونا، إذ يفقد الشخصين، أو أحدهما أهلية الزواج. وهو، بعد الإتيان على موانع سرت في البدايات وفي أزمنة، يتكلم بإسهاب واضح على الموانع التالية: العمر، العجز الجنسي، الوثاق، اختلاف الدين، الدرجة المقدسة، النذر الرهباني، الخطف، الذنب أو الجريمة، القرابة الأهلية أو الروحية أو بالتبني، والحشمة العلنية. ويفند أيضا مسألة الصيغة ولزومها للمعمدين".

وتابع: "يوضح الأب حنا أن ما تفرضه الطبيعة، وما يمليه الشرع الإلهي، وما هو أساس لتحقيق أهداف الزواج الموسوم بانفتاح الانسان الأصيل على انسان آخر، وبالعطاء المتبادل، والتقاسم بسخاء، مع انفتاح خصيب، لا يستنزفه من جهة، مجرد التسليم بعيش مشترك وبالتواصل الجسدي، وإن كان أساس استمرار البشر. نعلم جميعنا أنه لو انقطع البشر عن العلاقات الحميمة ثمانية أو تسعة عقود، لفنيت البشرية، وانقرض الانسان، وفرغت الأرض من العاقلين، من دون حاجة الى سلاح ذري أو نووي، ولا لكوارث طبيعية شاملة. ولكن الإيلاد لا يقتصر على الإنجاب، بل يفترض الإطار السليم والثابت للتنشئة الملائمة".

وعن التشريعات قال: "اما التباين في التشريعات فيظهر في ما يعتبر موانع كنسية صرفة، أي بتدبير كنسي لا مرتكز له صريحا في الكتاب. كمثل نذر مانع الكهنوت! فمنهم من أجاز التفسيح فيه، ومنهم من ساواه، بدافع التقليد العريق، بالمانع الالهي الذي لا يمكن لسلطان بشري أن يفسح منه. وتبقي الكنيسة على مانع اختلاف الدين، مع إمكان التفسيح منه، لقناعتها بأن الزواج ليس اتحاد جسدين وحسب، بل هو اتحاد روحين أيضا، فالزوجان يصليان معا، ويصومان معا، ويستلهمان الروح معا، ويوجههما كتابٌ واحد، كما قال ترتليانوس منذ زمن، وتلك ضمانة روحية أساس لتغلبهما على مشقات الحياة".

وختم: "في الخلاصة، لا يمكننا اعتبار موضوع الكتاب مدركا منا، لأنه قد يكون معلوما من جانب ومجهولا من آخر، فلا يكفينا مدى علمنا به، والحدود المرسومة عنه في أذهاننا، ولا يرضينا مدى جهلنا له، بدوافعه وتكوينه.
ما يمكنني أن أضيفه هو انطباعي عن الكاتب المناضل الذي ما زلت أكتشف فيه خصالا ومواهب وتضلعات، لا تندرج كلها تحت تصنيف واحد".

خضره
اما الاب خضرا الذي شكر البطريرك الراعي على وضعه لمقدمة الكتاب فأكد "ان واقع مجتمعاتنا القروية المنغلقة على ذاتها عادات وتقاليد إجتماعية موجعة، خصوصا في مجال الزواج، التي عشتها بلحمي ودمي في قريتي في البقاع الشمالي وفي قرانا المجاورة وأبحرت بسفينتي الصغيرة في محيطات المعقدة حملتني على كتابة هذا الكتاب على وقع هدير الطائرات المغيرة وأصوات الإنفجارات المهولة ولم يسمع لي عملي في المحكمة المارونية بإنهائه بالسرعة التي أرغب وأريد.
لقد عشت في بيئة إجتماعية محكومة بذكورية فجة وعادات قاسية حولت من المرأة في أكثر الأحيان انسانة مغلوبا على أمرها، مجردة من قرارها الحر في اختيار شريك حياتها الذي عشقته روحها هذا إذا سمحوا لها أن تعشق. فكان الشباب يعجبون بفتاة أحلامهم بعيدا عن العشق والغرام من دون معرفة الفتاة عينها، فيعلمون أهلهم بالأمر وكان الأهل يطلبون يدها من أهلها نيابة عنهم، والأهل يعطون كلمتهم ولا يتراجعون عنها حتى ولو ذبحت الإبنة الرافضة على عتبة البيت. فكانت الفتاة تخضع قسرا لسلطة الوالد وتتزوج مرغمة قبل أن تنضج في جوارحها مشاعر الحب والغرام".

اضاف: "كما تطرقت الى مسألة الموانع الزواجية في الأديان التي نتعايش معها في شرقنا كالإسلام والدروز والعلويين، بالإضافة الى الكنائس الشرقية الكاثوليكية وبعض الكنائس الأرثوذكسية. كما قمت بإحصاء دقيق لدعاوى بطلان الزواج في محاكمنا المارونية بسبب الموانع هذه في السنوات العشرين الأخيرة لمعرفة نسبة وجود الموانع في عصرنا هذا".

وختم خضره واعدا بكتاب ضخم بعنوان "الله بين الدين والعلم".
وأخيرا قام الكاتب بتوقيع الكتاب للحضور.