لبنان
15 شباط 2021, 12:55

الأب كرم: "الدّنيّ فيها موت وحياة"

تيلي لوميار/ نورسات
عن هذه الأيّام الصّعبة التي نعيشها في زمن وباء كورونا كتب الأب الياس كرم:

"في منتصف القدّاس الإلهيّ حسب طقس الكنيسة الأرثوذكسيّة يصلّي الكاهن طلبة قائلاً: "أن نتمّم بقيّة زمان حياتنا بسلام وتوبة، الرّبّ نسأل". هذه الطّلبة فيها عمق ومسؤوليّة، وتضعنا أمام دينونة حقيقية، بحيث تذكّرنا بأنّ الحياة فيها آخرة وفيها نهاية وفيها توصيات لمسلكنا المسيحيّ طالما حيينا.

حضرت في ذهني هذه الطّلبة بينما كان أحد الأخوة الكهنة يخبرني أن عضوًا من أعضاء مجلس رعيّته طلب اللّقاء به بشكل استثنائيّ ليتبيّن لهذا الكاهن أنّ الشّخص المذكور أتاه ليضع أمامه كلّ سجلات الكنيسة المسؤول عنها وجردة بالمصاريف والمقبوضات، فسأله الكاهن مستغربًا تصرّفه الاستباقي عن التّوقيت المألوف لمثل هذا التّصرّف، فأتاه الجواب توًّا: "الدّني يا أبونا فيها موت وحياة". يبدو أنّ وباء الكورونا بمكان ما استطاع أن يذكّر بعضنا بأن نتمّم حياتنا بسلام. يا للأسف، كم من إنسان ساهم وشارك في مآتم انسباء وأقرباء وأصدقاء ومعارف ولم يخطر في باله أنّ هناك نهاية لكلّ حياة. كنّا في الماضي القريب عند إقامة الصّلاة على أحد الرّاقدين تعجّ الكنيسة بالباكين والحزانى، وتمتلئ ساحاتها بالمعزّين الذين منهم وفد لمحبّته ومنهم لأسباب اجتماعية وتبادل الواجبات واللّياقات، ولا يتوقّفوا عن تبادل الأحاديث أو "الانتقادات" خصوصًا إذا كان المأتم في ضيعة أو بلدة. جاءنا الكورونا ليذّكر كل واحدٍ منّا السّهر والصّلاة كي لا ندخل في التّجارب. جاءنا هذا الوباء لكي نتفقّد مصابيحنا اذا كانت ممتلئة زيتًا. جاء الكورونا لكي نتذكر كم من إساءة تسبّبنا بها في حقّ عائلاتنا وأصدقائنا وزملائنا، لكن للأسف وحدهم القيّمون على بلدنا لم يرتدعوا ولم يتذكّروا كم من إساءة تسبّبوا فيها للوطن والمواطنين. نعم عزيزي القارئ، استطاع الكورونا أن يدحرج الغشاوة عن فئة كبيرة من عيون النّاس الذين أخذتهم الحياة الاستهلاكيّة لدرجة لم تعد تسعهم، فلكلّ واحد منّا أعطيت الفرصة، اليوم والأمس وكلّ أيّام حياتنا، لكي يعود إلى ذاته وضميره ويتذكّر كلّ لحظة عاشها جسديًّا ونفسيًّا مع هذا الوباء، أو أيّ مرض آخر، منتظرًا أن يقتحم جسده الضّعيف، علّنا نفهم ضرورة الالتصاق بالله من خلال ما أوصانا به في كتابه العزيز ونطيع كلماته، لكي عندما يستدعينا نسمع تلك الآية الشّهيرة: "نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ". ربي اقبل توبتنا، أرجوك ربّي إغفر خطايانا، أرجوك لا تصرف وجهك عنّا، أرجوك ربّي أنقذنا من كلّ شدّة وحزن، أرجوك ربّي نجّنا من كلّ وباء وضيقٍ وغضبٍ وخطر وشدّة. وعزّي الحزانى واشفي المرضى. أرجوك ربّي قصّر هذه الأيام الصّعبة، أرجوك ربّي إجعل أواخر حياتنا مسيحيّة سلاميّة بلا حزنٍ ولا خزيٍ وجوابًا حسنًا لدى منبر المسيح المرهوب نسأل."