الفاتيكان
03 تموز 2025, 12:30

الأربعاء المقبل... البابا يترأّس القدّاس الأوّل من أجل العناية بالخليقة

تيلي لوميار/ نورسات
يترأّس البابا لاون الرّابع عشر في التّاسع من الجاري، أيّ الأربعاء المقبل، قدّاسًا خاصًّا في كاستل غاندولفو، في قرية "كن مسبّحًا"، مستعملًا للمرّة الأولى النّموذج الجديد من الصّلوات الخاصّة بالقدّاس "من أجل العناية بالخليقة"، والّذي جرى تقديمه رسميًّا اليوم، في دار الصّحافة التّابعة للكرسيّ الرّسوليّ، خلال لقاء إعلاميّ شارك فيه عميد دائرة الخدمة من أجل التّنمية البشريّة المتكاملة الكاردينال اليسوعيّ مايكل تشيرني، وأمين سرّ دائرة العبادة الإلهيّة وتنظيم الأسرار ورئيس الأساقفة الفرنسيسكانيّ فيتوريو فرنشيسكو فيولا.

إنّ هذا النّموذج الجديد من الصّلوات- الّذي بدأ العمل عليه منذ حبريّة البابا فرنسيس، بفضل تعاون مشترك بين عدد من الدّوائر الفاتيكانيّة- سينضمّ إلى مجموعة القدّاسات والصّلوات المدرجة ضمن قسم "من أجل حاجات متنوّعة أو مناسبات مختلفة" في القدّاس الرّومانيّ، والّتي تضمّ حاليًا ٤٩ قدّاسًا لاحتياجات وظروف متنوّعة: منها ٢٠ تخصّ الكنيسة، و١٧ للحاجات المدنيّة، و١٢ لمناسبات متفرّقة.

وعن تفاصيل مداخلتهما، نقل موقع "فاتيكان نيوز" ما يلي: "أوضح الكاردينال تشيرني أنّ هذه النّصوص الجديدة تأتي في سياق مناسبتين مهمّتين: الأولى، الذّكرى الخامسة والثّلاثون للرّسالة الثّورية من أجل اليوم العالميّ للسّلام الّتي وقّعها القدّيس يوحنّا بولس الثّاني سنة ١٩٩٠، بعنوان "السّلام مع الله الخالق، السّلام مع كلّ الخليقة"؛ والثّانية، الذّكرى العاشرة للإصدار التّاريخيّ للرّسالة العامّة "كُن مُسبَّحًا" الّتي وجّهها البابا فرنسيس سنة ٢٠١٥ حول العناية بالبيت المشترك، والّتي تدعو إلى "إيكولوجيا شاملة" لا سطحيّة أو ظاهريّة.

إلّا أنّ الكاردينال تشيرني شدّد على نقطة جوهريّة: "إنّ موضوع الخليقة ليس أمرًا مضافًا إلى اللّيتورجيا، بل هو متجذّر فيها منذ البدء"، لأنّ "الإفخارستيّا توحّد السّماء والأرض، وتعانق الخليقة كلّها وتنفذ إليها. وعندما نحتفل بها، يرفع الكون بأسره الشّكر لله". ومن هنا، فإنّ هذا النّموذج الجديد يريد أن يكون "دعامة ليتورجيّة وروحيّة وجماعيّة من أجل العناية الّتي نحن جميعًا مدعوّون إلى بذلها تجاه الطّبيعة، بيتنا المشترك". وقد جدّد الكاردينال تشيرني تأكيده بأنّ الأمر يتعلّق بـ"فعل عظيم من الإيمان والرّجاء والمحبّة"، ودعوة إلى أن "نستجيب بعناية ومحبّة، في شعور متنامٍ من الدّهشة والاحترام والمسؤوليّة". فنحن جميعًا– كما خلص الكاردينال تشيرني إلى القول "مدعوّون لأن نكون وكلاء أمناء لما ائتمننا الله عليه، سواء في خياراتنا اليوميّة، أو في السّياسات العامّة، وكذلك في صلاتنا وعبادتنا، وفي الطّريقة الّتي نحيا بها في هذا العالم".

من جانبه ذكّر رئيس الأساقفة فيولا، في مداخلته، بأنّ "اللّيتورجيا تحتفل بسرّ الخلق في كلّ لحظة من لحظات السّنة اللّيتورجيّة". ففي ليلة الفصح، على سبيل المثال، تُفتتح القراءات برواية الخلق وفي الاحتفال بالأسرار، كالمعموديّة مثلًا، تُتلى صلاة تبريك الماء. أمّا في ليتورجيا السّاعات، فـ"موضوع الخليقة حاضر بوضوح". وأضاف: "في الخبرة المسيحيّة، يُنظر إلى الأحد أوّلًا على أنّه عيد فصحيّ، يستنير بالكامل بنور المسيح القائم من بين الأموات. إنّه احتفال بـ"الخليقة الجديدة". وأوضح أمين سرّ دائرة العبادة الإلهيّة وتنظيم الأسرار أنّ "هذا كلّه يساعد على نموّ الوعي بأهمّيّة العناية بالخليقة، الّتي يُكشف معناها العميق في السّرّ الفصحيّ الّذي تُعيد اللّيتورجيا حضوره". ذلك أنّنا اليوم– "وبفضل تعليم البابا فرنسيس أيضًا– أصبحنا أكثر وعيًا بأنّنا نعيش في ظلّ أزمة بيئيّة وإيكولوجيّة خطيرة".

وأشار المطران إلى أنّ اللّيتورجيا تمنح اهتمامًا خاصًّا بالخليقة من خلال صلوات "Rogazioni" و"الأزمنة الأربعة "Quattro Tempora"، وهي أربع مجموعات من ثلاثة أيّام مخصّصة للصّوم، أقرّتها الكنيسة ويُحتفل بها في مطلع كلّ فصل من فصول السّنة. ومن الآن فصاعدًا، "ستُترك مهمّة تنظيمها الزّمنيّة واللّيتورجيّة إلى المجالس الأسقفيّة، لكي تُكيّف بحسب الأوضاع المحلّيّة واحتياجات المؤمنين". هذا وكانت مداخلة رئيس الأساقفة فيولا صريحة في الدّعوة إلى تحمّل المسؤوليّة: "لسنا نحن الله. إنَّ الأرض تسبقنا، وقد وُهبت لنا؛ وعلينا اليوم أن نرفض بشدّة أن يُفهم من كوننا خُلقنا على صورة الله، ومن تكليفنا بإخضاع الأرض، أنّ لنا سلطانًا مطلقًا على سائر الكائنات". فالعناية تعني: "الحماية، والرّعاية، والحفظ، والحراسة والانتباه". وهي تفترض "علاقة متبادلة مسؤولة بين الإنسان والطّبيعة". وبالتّالي يمكن لكلّ جماعة بشريّة أن تأخذ من خيرات الأرض ما تحتاج إليه لبقائها على قيد الحياة، ولكنّها في الوقت عينه، ملزَمة بحمايتها وضمان استمرار خصوبتها للأجيال القادمة".

غير أنّ "الانسجام بين الخالق والإنسان وكلّ الخليقة قد انهار اليوم، لأنّنا ادّعينا الحلول محلّ الله، ورفضنا أن نعترف بكوننا مخلوقات محدودة". وهكذا "أصبحت الخطيئة تُظهر قوّتها التّدميريّة بكلّ عنفها: في الحروب، وفي مختلف أشكال العنف وسوء المعاملة، وفي إهمال الأشدَّ ضعفًا، وفي الاعتداءات على الطّبيعة". وختم رئيس الأساقفة فيولا قائلًا: "إنّ الانسجام مع سائر الكائنات لا يمكن أن يولد إلّا من خبرة مصالحة، تجعلنا قادرين على الدّخول في شركة مع الله ومع إخوتنا البشر".

وفي المرسوم الصّادر عن دائرة العبادة الإلهيّة وتنظيم الأسرار، والّذي أقرّه البابا لاون الرّابع عشر بتاريخ ٨ حزيران، في عيد العنصرة المجيد، جاء التّأكيد على أنّ "سرّ الخلق"، لكونه "علامة على رأفة الرّبّ"، هو "كنز ثمين ينبغي أن نُحبّه، ونحرسه، ونعمل على تنميته، وأن نحرص في الوقت عينه على نقله من جيل إلى جيل". غير أنّه "يتّضح في زمننا هذا أنّ عمل الخلق مهدّد بشكل جدّيّ، بسبب الاستخدام غير المسؤول، والإفراط في استغلال الخيرات الّتي عهد بها الله إلى عنايتنا". ولهذا السّبب، أُعِدّ هذا النّموذج اللّيتورجيّ الخاصّ. وقد وردت فيه إرشادات محدّدة، منها أنّه في صلاة الجماعة يُطلب من الرّبّ "أن نحفظ بمحبّة عمل يديك"، أمّا في ختام القدّاس، وبعد المناولة، فستُرفع الصّلاة إلى الله "لكي نتعلّم، فيما ننتظر سماوات جديدة وأرضًا جديدة، أن نحيا في انسجام مع جميع الكائنات".

أمّا بالنّسبة إلى قراءات الكتاب المقدّس في هذه اللّيتورجيا، فقد أُشير إلى عدد من النّصوص المقترحة. من العهد القديم، يُقترح مقطع من سفر الحكمة (١٣، ١-٩)، حيث يُوصَف الّذين لا يتعرّفون على الله من خلال أعماله بأنّهم "أناس باطلون". أما المزمور فيمكن أن يكون إمّا المزمور ١٨: "السّماوات تروي مجد الله"، أو المزمور ١٠٣: "ليفرح الرّبّ بأعماله جميعًا". أمّا من العهد الجديد، فيُقترَح نصّ من رسالة القدّيس بولس إلى أهل كولوسي (١، ١٥-٢٠)، وفيه يُقال: "يسوع المسيح هو صورة الله غير المنظور، بكر كلّ خليقة، لأنّه فيه خُلق كلّ شيء، في السّماوات وعلى الأرض، ما يُرى وما لا يُرى".

أمّا للإنجيل، فقد تمّ اختيار نصَّين من القدّيس متّى. الأوّل (٦، ٢٤-٣٤) حيث يدعو الرّبّ يسوع إلى التّأمّل في طيور السّماء "الّتي لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع في مخازن، ومع ذلك فإنّ أباكم السّماويّ يرزقها"، وإلى التّأمّل في "زنابق الحقل" الّتي "لا تتعب ولا تغزل"، ومع ذلك فهي "أجمل من لباس سليمان في كلّ مجده". أمّا النّصّ الثّاني (٨، ٢٣-٢٧)، فيروي كيف أنّ ابن الله "زجر الرّياح والبحر، فصار هدوء عظيم"."