الفاتيكان
15 كانون الأول 2025, 11:20

البابا: ألّا يهلك أحد! أن يخلص الجميع! هذا ما يريده إلهنا

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة يوبيل المساجين، ترأّس قداسة البابا لاوُن الرّابع عشر صباح الأحد القدّاس الإلهيّ في بازيليك القدّيس بطرس، وألقى عظة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"نحتفل اليوم بيوبيل الرّجاء لعالم السّجون، من أجل السّجناء وجميع الذين يضطلعون برعاية الواقع الإصلاحيّ. وفي اختيار زاخر بالمعنى، نخصّص له الأحد الثّالث من زمن المجيء، الذي تُطلق عليه اللّيتورجيا اسم "إفرحوا!"(Gaudete)، استنادًا إلى الكلمات التي يبدأ بها نشيد الدّخول في القدّاس الإلهيّ. إنّه "أحد الفرح" في السّنة اللّيتورجيّة، وهو يذكّرنا بالبعد المنير للانتظار: الثّقة بأنّ شيئًا جميلًا ومفرحًا سيحدث.

وفي هذا الصّدد، كان قداسة البابا فرنسيس، في ٢٦ كانون الأوّل/ ديسمبر من العام الماضي، حين فتح الباب المقدّس في كنيسة "الأبانا" بالسّجن المركزيّ في ريبيبيا، قد وجّه دعوة للجميع، حيث قال: "أقول لكم أمرين: الأوّل: الحبل في اليد، ومعه مرساة الرّجاء. الثّاني: شرِّعوا أبواب قلوبكم". وفي إشارة إلى صورة المرساة التي أُلقيت نحو الأبديّة، متخطّية جميع حواجز الزّمان والمكان، كان يدعونا لكي نبقي الإيمان حيًّا بالحياة التي تنتظرنا، ونؤمن دائمًا بإمكانيّة وجود مستقبل أفضل. وفي الوقت عينه، كان يحثّنا على أن نكون، بقلب سخيّ، صانعي عدالة ومحبّة في الأوساط التي نعيش فيها.

بينما يقترب العام اليوبيليّ من نهايته، علينا أن نُقرّ بأنّه، على الرّغم من جهود الكثيرين، لا يزال هناك الكثير ممّا يجب فعله في هذا الاتّجاه، حتّى في عالم السّجون. وتذكّرنا كلمات النّبيّ أشعيا التي سمعناها – "والذين فداهم الرّبّ يرجعون ويأتون إلى صهيون بهتاف" – بأنّ الله هو الذي يفتدي ويُحرِّر، ويتردد صداها كمهمّة عظيمة ومُلزمة لنا جميعًا. من المؤكّد أنّ السّجن هو بيئة صعبة، وحتّى أفضل النّوايا قد تصادف فيه الكثير من العقبات. ولكن، لهذا السّبب تحديدًا، يجب ألّا نيأس أو نتقاعس أو نتراجع، بل أن نمضي قدمًا بعزيمة وشجاعة وروح تعاون. فكثيرون، في الواقع، لا يدركون بعد أنّه يجب أن تكون هناك دائمًا إمكانيّة للنّهوض من أيّ سقطة، وأنّ الإنسان لا يُختزَل فيما ارتكبه، وأنّ العدالة هي دائمًا عمليّة تعويض ومصالحة.

ولكن عندما نحافظ، رغم الظّروف الصّعبة، على جمال المشاعر، وعلى الإحساس والاهتمام باحتياجات الآخرين، وعلى الاحترام، والقدرة على الرّحمة والغفران، حينئذٍ تُزهر زهور رائعة من أرض المعاناة والخطيئة القاسية، وكذلك تنضج داخل أسوار السّجون أيضًا بوادر ومشاريع ولقاءات فريدة في إنسانيّتها. إنّه عمل على المشاعر والأفكار ضروريّ للأشخاص الذين حُرموا من الحرّيّة، ولكنّه قبل ذلك للذين يقع على عاتقهم العبء العظيم لتمثيل العدالة لهم وبينهم. اليوبيل هو دعوة إلى التّوبة، ولهذا السّبب تحديدًا هو مصدر للرّجاء والفرح. لهذا من المهمّ أن ننظر أوّلًا إلى يسوع، إلى إنسانيّته وملكوته، الذي فيه "العُميانُ يُبصِرون والعُرْجُ يَمشونَ… والفُقراءُ يُبَشَّرون"، متذكّرين أنّه إذا كانت هذه المعجزات تحدث أحيانًا بتدخّلات إلهيّة خارقة، فإنّها في غالب الأحيان تُوكل إلينا، إلى شفقتنا واهتمامنا وحكمة ومسؤوليّة جماعاتنا ومؤسّساتنا.

وهذا الأمر يقودنا إلى بعد آخر من النّبوءة التي سمعناها: الالتزام بتعزيز حضارة قائمة على معايير جديدة، وفي نهاية المطاف على المحبّة، في كلّ بيئة – ونشدّد اليوم بشكل خاصّ على السّجون – كما قال القدّيس بولس السّادس في ختام السّنة اليوبيليّة عام ١٩٧٥: "إنّ هذه المحبّة – وبالأخصّ على صعيد الحياة العامّة – تريد أن تكون مبدأ ساعة النّعمة الجديدة وحسن النّيّة التي يفتحها أمامنا تقويم التّاريخ: حضارة المحبّة!". ولهذا الغرض، كان البابا فرنسيس يأمل بشكل خاصّ في أن تُمنح، بمناسبة السّنة المقدّسة، "أشكال عفو أو الإعفاء من العقوبة تهدف إلى مساعدة الأشخاص على استعادة الثّقة في أنفسهم وفي المجتمع"، وتقديم فرص إعادة ادماج حقيقيّة للجميع. إنّني أثق بأنّ العديد من البلدان ستعمل على تلبية رغبته. فاليوبيل، كما نعلم، في أصله البيبليّ، كان تحديدًا عام نعمة تُتاح فيه للجميع، بطرق شتّى، إمكانيّة للبدء من جديد.

كذلك الإنجيل الذي سمعناه يتحدّث عن ذلك. فيوحنّا المعمدان، بينما كان يعظ ويعمّد، كان يدعو الشّعب إلى الارتداد وعبور النّهر رمزيًا مرة أخرى، كما في زمن يشوع، لكي يحصلوا على "أرض الميعاد" الجديدة، أيّ قلب مُتصالح مع الله والإخوة. وشخصيّته كنبيّ بليغة في هذا المعنى: فقد كان مستقيمًا، صارمًا، صريحًا لدرجة أنه سُجن بسبب شجاعة كلماته – لم يكن "قَصَبةً تَهُزُّها الرِّيحُ" – ومع ذلك كان غنيًّا بالرّحمة والشّفقة تجاه الذين تابوا بصدق وكانوا يبذلون جهدًا لكي يتغيّروا. في هذا الصّدد، يختتم القدّيس أوغسطينوس تعليقًا شهيرًا له حول حادثة الزّانية التي غُفر لها بقوله: "بعد رحيل المُتَّهِمين، بقيت… البائسة والرّحمة. ولتلك قال الرّبّ: … إذهبي ولا تعودي بعد الآن إلى الخطيئة".

أيّها الأعزّاء، إنّ المهمّة التي يوكلها الرّبّ إليكم – إلى الجميع، سجناء ومسؤولين عن عالم السّجون – ليست سهلة. فالمشاكل التي يجب مواجهتها كثيرة. لنفكر في الاكتظاظ، وفي الإلتزام الذي لا يزال قاصرًا لضمان برامج تربويّة مستدامة لإعادة التّأهيل وفرص العمل. ولا ننسينَّ، على المستوى الشّخصيّ، ثقل الماضي، والجراح التي يجب تضميدها في الجسد والقلب، وخيبات الأمل، والصّبر اللّامتناهي المطلوب، مع الذات ومع الآخرين، عند خوض دروب الارتداد، وتجربة الاستسلام أو عدم المغفرة مجددًا. لكن الرّبّ، بالرّغم من كلّ شيء، يواصل تكرار القول لنا بأنّ الأمر الوحيد المهمّ هو: ألّا يهلك أحد وأن "يَخلُصَ جَميعُ النّاسِ".

ألّا يهلك أحد! أن يخلص الجميع! هذا ما يريده إلهنا، هذا هو ملكوته، وهذا ما يهدف إليه عمله في العالم. بينما يقترب عيد الميلاد، نريد نحن أيضًا أن نعانق حلمه بقوّة أكبر، ثابتين في التزامنا وواثقين. لأنّنا نعلم أنّه حتّى إزاء أكبر التّحدّيات، لسنا وحدنا: الرّبّ قريب، هو يسير معنا، ومعه إلى جانبنا، سيحدث دائمًا شيء جميل ومفرح."