الفاتيكان
15 حزيران 2023, 13:20

البابا فرنسيس أصدر رسالته لليوم العالميّ للأجداد والمسنّين، ومضمونها؟

تيلي لوميار/ نورسات
صدرت اليوم الخميس رسالة البابا فرنسيس لمناسبة اليوم العالميّ الثّالث للأجداد والمسنّين الّذي سيُحتفل به في الثّالث والعشرين من تمّوز/ يوليو المقبل.

وفي رسالته كتب البابا بحسب "فاتيكان نيوز": ""ورَحمَتُه مِن جيلٍ إِلى جيلٍ": هذا هو موضوع اليوم العالميّ الثّالث للأجداد والمسنّين. إنّه موضوع يُعيدنا إلى لقاءٍ مُبارك، هو اللّقاء بين مريم الشّابّة وأليصابات قريبتها المتقدّمة في السّنّ. وإذ امتلأت من الرّوح القدس، وجّهت أليصابات كلمات لوالدة الله، أصبحت بعد آلاف السّنين إيقاعًا لصلاتنا اليوميّة: "مُبارَكَةٌ أَنتِ في النِّساء، وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطنِكِ". والرّوح القدس، الّذي كان قَد نزل على مريم، ألهمها أن تُجيب بِنَشيدها، الّذي تُعلن فيه أنّ رحمة الرّبّ تمتدّ من جيل إلى جيل. إنَّ الرّوح القدس يبارك ويرافق كلّ لقاءٍ خصبٍ بين أجيال مختلفة، بين الأجداد والأحفاد، وبين الشّباب والمسنّين. إنَّ الله في الواقع يرغب، كما فعلت مريم مع أليصابات، أن يُفرِّح الشّبابُ قلوبَ المسنّين، وأن يستقوا الحكمة من خبراتهم الحياتيّة. ولكن، قبل كلّ شيء، يريد الله ألّا نترك المسنّين وحدهم، وألّا نضعهم على هامش الحياة، كما للأسف يحدث اليوم غالبًا.

جميلٌ في هذه السّنة، القُرب بين الاحتفال باليوم العالميّ للأجداد والمسنّين واليوم العالميّ للشّباب، وكلاهما يتمحوران حول "سُرعَة" مريم في زيارتها لأليصابات، ويحملانا هكذا على التّأمُّل حول العلاقة بين الشّباب والمسنّين. إنَّ الرّبّ يرجو أن يقبل الشّباب، من خلال لقائهم بالمسنّين، الدّعوة لكي يحافظوا على الذّاكرة ويعترفوا بفضلهم بعطيّة الانتماء إلى تاريخ أكبر. إنَّ الصّداقة مع شخصٍ مُسنّ تُساعد الشّابّ لكي لا يجعل حياته سطحيّة وتقتصر على الحاضر، ولكي يتذكّر أنّ ليس كلّ شيء يعتمد على قدراته. أمّا بالنّسبة للمسنّين، فإنّ حضور شابّ يفتحهم على الرّجاء في أنّ ما عاشوه لن يضيع وأنّ أحلامهم ستتحقّق. بإختصار، تُظهر زيارة مريم لأليصابات والوعي بأنّ رحمة الرّبّ تنتقل من جيل إلى جيل أنّه لا يمكننا أن نسير قدمًا– ولا حتّى أن نخلُص– وحدنا، وأنّ تَدخُّل الله يظهر على الدّوام في شيء أعظم، في تاريخ شعب. وهذا ما تقوله أيضًا مريم في نشيدها، إذ تبتهج بالله الّذي صنع عظائم جديدة ومدهشة، والأمين للوعد الّذي قطعه لإبراهيم.

لكي نقبل أسلوب عمل الله بشكل أفضل، علينا أن نتذكّر أنّه علينا أن نقيم في الزّمن بملئه، لأنّ الحقائق العظيمة والأحلام الجميلة لا تتحقّق في لحظة، وإنّما من خلال عمليّة نموٍّ ونضوج: في مسيرة، وحوار، وعلاقة. لذلك، فإنَّ الّذي يُركّز فقط على الأمور الفوريّة، وعلى مصالحه الخاصّة الّتي يريد أن يحقّقها بسرعة وجشع، وعلى "كلّ شيء وفَورًا"، يفقد رؤيّة عمل الله. أمّا مشروع محبّته فيجتاز الماضي والحاضر والمستقبل، ويُعانق الأجيال ويربطها ببعضها. إنّه مشروع يذهب أبعد من كلّ فرد منّا، ولكن كلّ فرد منّا حاضر فيه ومهمّ، وبشكل خاصّ هو مدعوٌ لكي يذهب إلى ما هو أبعد. بالنّسبة للشّباب، يتعلّق الأمر بالذّهاب أبعد من الأمور الفوريّة، الّتي يمكن أن يحبسنا فيها الواقع الافتراضيّ الّذي يصرفنا غالبًا عن الأعمال الملموسة؛ أمّا بالنّسبة للمسنّين، فيتعلّق الأمر بعدم التّوقّف عند القِوى الّتي تَضعُف، وعدم التّحسُّر على الفُرَص الضّائعة. لننظر إلى الأمام! ولنسمح بأن تَصُوغنا نعمة الله الّذي، من جيل إلى جيل، يحرّرنا من الجُمود في العمل والتّحسُّر على الماضي.

في اللّقاء بين مريم وأليصابات، بين الشّباب والمسنّين، يعطينا الله مستقبله. إنَّ مسيرة مريم واستقبال أليصابات يفتحان في الواقع الأبواب أمام ظهور الخلاص: من خلال عناقهما، تدفّقت رحمته في تاريخ البشريّة بوداعة فرِحة. لذلك أريد أن أدعو كلّ فرد منكم لكي يفكّر في ذلك اللّقاء، لا بل لكي يغلق عَينَيه ويتخيّل، كما في لقطة سريعة، ذلك العناق بين والدة الإله الشّابّة ووالدة القدّيس يوحنّا المعمدان المُسنّة؛ ويحفظه في ذهنه وقلبه كأيقونة داخليّة مُنيرة. ومن ثمّ أدعوكم لكي تنتقلوا من الخيال إلى تصرّف ملموس يشمل الأجداد والمسنّين. لا نتركنَّهم وحدهم، لأنّ حضورهم في العائلات والجماعات ثمين، وهو يعطينا الوعي بأنّنا نتقاسم الميراث عينه وأنّنا جزء من شعب يُحافظ على جذوره. نَعم، المسنّون هم الّذين ينقلون إلينا الانتماء إلى شعب الله المقدّس. والكنيسة كما المجتمع يحتاجان إليهم. فهم يسلّمون إلى الحاضر ماضيًا ضروريًّا لبناء المستقبل. لنكرّمهم، ولا نحرمنَّ أنفسنا من رفقتهم ولا نحرمنَّهم من رفقتنا، ولا نسمحنَّ بأن يتمَّ تهميشهم!

يريد اليوم العالميّ للأجداد والمسنّين أن يكون علامة رجاء صغيرة ولطيفة لهم وللكنيسة جمعاء. لذلك أجدّد دعوتي للجميع– أبرشيّات ورعايا وجمعيّات وجماعات– لكي يحتفلوا بهذا اليوم، واضعين في المحور الفرح المتدفّق للقاء متجدّد بين الشّباب والمسنّين. إليكم أيّها الشّباب الّذين تستعدّون للانطلاق إلى لشبونة أو الّذين ستعيشون اليوم العالميّ للشّباب في أماكنكم، أريد أن أقول: قبل أن تنطلقوا، اذهبوا لزيارة أجدادكم، أو قوموا بزيارة شخص مُسنّ يعيش وحده! إنَّ صلاته ستحميكم، وستحملون في قلوبكم بركة ذلك اللّقاء. ومنكم أيّها المسنّين أطلب أن ترافقوا بالصّلاة الشّباب الّذين يستعدّون للاحتفال باليوم العالميّ للشّباب. هؤلاء الشّباب هم جواب الله على صلواتكم، وثمرة ما زرعتموه، والعلامة أنّ الله لا يتخلّى عن شعبه، بل يجدّد شبابه على الدّوام بإبداع الرّوح القدس. أيّها الأجداد الأعزّاء، أيّها الإخوة والأخوات المسنّين الأعزّاء، لتبلُغكم بركة العناق بين مريم وأليصابات، ولْتَملأ قلوبكم بالسّلام. أبارككم بمودّة. ومن فضلكم، صلّوا من أجلي."