الفاتيكان
16 أيار 2022, 08:45

البابا فرنسيس أعلن 10 قدّيسين من بينهم شارل دي فوكو

تيلي لوميار/ نورسات
خلال قدّاس إلهيّ ترأّسه صباح الأحد في الفاتيكان، أعلن البابا فرنسيس قداسة عشرة طوباويّين جدد، وهم: تيتوس براندسما، لازارو المعروف باسم ديفاساهايام، سيزار دي بوس، لويجي ماريا بالازولو، جيوستينو ماريا روسوليلو، شارل دي فوكو، ماري ريفيير، ماريا فرانشيسكا ليسوع روباتو، ماريا ليسوع سانتوكاناليه وماريا دومينيكا مانتوفاني.

وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "لقد سمعنا بعض الكلمات الّتي أعطاها يسوع لتلاميذه قبل أن ينتقل من هذا العالم إلى الآب، كلمات تقول ما يعنيه أن يكون المرء مسيحيًّا: "كما أَحبَبتُكم، أَحِبُّوا أَنتُم أَيضًا بَعَضُكم بَعْضًا". هذه هي الوصيّة الّتي تركها لنا المسيح، المعيار الأساسيّ لكي نُميِّز ما إذا كنّا حقًّا تلاميذه أم لا: وصيّة المحبّة. لنتوقّف عند العنصرين الأساسيّين لهذه الوصيّة: محبّة المسيح لنا- كما أَحبَبتُكم- والمحبّة الّتي يطلب منّا أن نعيشها- أَحِبُّوا أَنتُم أَيضًا بَعَضُكم بَعْضًا.

أوّلاً، كما أَحبَبتُكم. كيف أحبّنا يسوع؟ حتّى النّهاية، حتّى عطيّة الذّات الكاملة. من اللّافت للنّظر أنّه يقول هذه الكلمات في ليلة مظلمة، بينما كان الجوّ الّذي يسود في العلّيّة مشحون بالعواطف والقلق: عواطف لأنّ المعلّم على وشك أن يودِّع تلاميذه، وقلق لأنّه يعلن لهم أنَّ واحدًا منهم سوف يخونه. يمكننا أن نتخيّل الألم الّذي حمله يسوع في نفسه، وأيّة ظلمة كانت تُخيِّم على قلب الرّسل، وأيّة مرارة لدى رؤيتهم ليهوذا الّذي، بعد أن أخذ اللّقمة الّتي غمّسها المعلّم له، خرج من الغرفة ليدخل في ليل الخيانة. وفي ساعة الخيانة بالتّحديد، أكّد يسوع محبّته لتلاميذه. لأنّه في ظلام الحياة وعواصفها، هذا هو الجوهريّ: الله يحبّنا.

أيّها الإخوة والأخوات، ليكن هذا الإعلان محوريًّا في إعلاننا وعيشنا للإيمان: "لَسنا نَحنُ أَحبَبْنا الله بل هو أَحَبَّنا". لا ننسينَّ هذا الأمر أبدًا. في المحور لا توجد مهارتنا واستحقاقاتنا، وإنّما محبّة الله غير المشروطة والمجّانيّة، والّتي لم نستحقّها. في بداية كوننا مسيحيّين، لا توجد عقائد وأعمال، وإنّما دهشة اكتشافنا أنّنا محبوبون، قبل أيِّ جواب منّا. وبينما يريد العالم غالبًا أن يُقنعنا بأنّنا لا نملك قيمة إلّا إذا حقّقنا نتائج، يذكّرنا الإنجيل بحقيقة الحياة: نحن محبوبون. هكذا كتب أحد المعلّمين الرّوحيّين في عصرنا: "قبل أن يرانا أيّ إنسان، رآنا الله بعيونه المحبّة. وقبل أن يسمعنا أحد نبكي أو نضحك، سمعنا إلهنا الّذي هو كلُّه آذان صاغية لنا. وقبل أن يتحدّث إلينا أيّ شخص في هذا العالم، كان صوت الحبّ الأبديّ يتحدّث إلينا.

تطلب منّا هذه الحقيقة ارتدادًا جذريًّا لفكرة القداسة الّتي غالبًا ما تكون لدينا. في بعض الأحيان، من خلال الإصرار على جهودنا للقيام بأعمال صالحة، نكون قد خلقنا نموذج قداسة يقوم على أنفسنا، على بطولتنا الشّخصيّة، على قدرتنا على التّخلّي، وعلى التّضحية لكي نفوز بجائزة ما. وهكذا نكون قد جعلنا من القداسة هدفًا عسيرًا، وفصلناها عن الحياة اليوميّة بدلًا من أن نبحث عنها ونعانقها في الحياة اليوميّة، في غبار الطّريق، في متاعب الحياة الملموسة، وكما كانت القدّيسة تيريزا الأفيليّة تقول لأخواتها، "بين أواني المطبخ". أن نكون تلاميذًا ليسوع ونسير على درب القداسة هو أوّلاً أن نسمح لقوّة محبّة الله أن تحوّلنا. وبالتّالي لا يجب أن ننسى أبدًا أولويّة الله على الـ"أنا"، والرّوح على الجسد، والنّعمة على الأعمال.

إنَّ المحبّة الّتي ننالها من الرّبّ هي القوّة الّتي تحوِّل حياتنا: توسِّع قلوبنا وتهيئنا لكي نُحبّ. لهذا السّبب يقول يسوع- وهنا الجانب الثّاني- "كما أَحبَبتُكم، أَحِبُّوا أَنتُم أَيضًا بَعَضُكم بَعْضًا". وبالتّالي فهذه ليست مجرّد دعوة لكي نتشبّه بمحبّة يسوع، وإنّما هذا يعني أنّنا لا نستطيع أن نحبّ إلّا لأنّه قد أحبّنا، ولأنّه يعطي قلوبنا روحه، روح القداسة، المحبّة الّتي تشفينا وتحوِّلنا. لهذا السّبب يمكننا أن نقوم بخياراتٍ وبتصرّفات محبّة في جميع المواقف ومع جميع الإخوة والأخوات الّذين نلتقي بهم. وماذا يعني بشكل ملموس أن نعيش هذا الحبّ؟ قبل أن يترك لنا هذه الوصيّة، غسل يسوع أرجل تلاميذه؛ وبعد أن أعطانا إيّاها أسلم نفسه على خشبة الصّليب. هذا ما يعنيه الحبّ: الخدمة وبذل الحياة في سبيل الآخرين. الخدمة، أيّ ألّا نضع مصالحنا في المرتبة الأولى؛ وأن نزيل منّا سموم الجشع والمنافسة؛ ونحارب سرطان اللّامبالاة ودودة المرجعيّة الذّاتيّة، وأن نتقاسم المواهب والعطايا الّتي منحنا الله إيّاها؛ وأن نسأل أنفسنا في الواقع "ماذا أفعل للآخرين؟" ونعيش الأمور اليوميّة بروح الخدمة، بمحبّة وبدون جلبة، بدون أن نطالب بشيء.

ومن ثمَّ بذل الحياة في سبيل الآخرين الّذي لا يقتصر على تقديم شيء ما، مثل بعض خيورنا للآخرين وإنّما أن نعطي ذواتنا. إنَّ القداسة لا تتكوّن من بعض التّصرّفات البطوليّة، وإنّما من الكثير من الحبّ اليومي. أنتِ مكرّسة أو أنتَ مُكرّس؟ كُن قدّيسًا بعيش تكرّسك بفرح. أنت شخص متزوِّج؟ كن قدّيسًا بحبّك واهتمامك بشريكك كما فعل المسيح مع الكنيسة. أنت عامل؟ كُن قدِّيسًا فيما تتمّم عملك بصدق وكفاءة في خدمة الإخوة. أنت والد أو والدة أو جدّة أو جدّ؟ كن قدّيسًا بتعليمك للأطفال بصبر أن يتّبعوا يسوع. أنت صاحب سلطة؟ كُن قدّيسًا بالنّضال في سبيل الخير العامّ والتّخلّي عن مصالحك الشّخصيّة.

خدمة الإنجيل والإخوة، وبذل الحياة بدون ربح شخصيّ، وبدون البحث عن أيّ مجد دنيويّ، في الخفية المتواضعة على مثال يسوع. هذا هو الدّرب الّذي سلكه شارل دي فوكو الّذي، وخلال عيد الميلاد، تأثَّر لدرجةِ البكاء خلال زيارته لمدينة الناصرة. بدأ يتخيل يسوع يمشي بين الناس، ويسير قدمًا بعمل مُتعبٍ بصبر، ويعيش في عائلة صامتة في قرية. هكذا فهم جوهر دعوته: إتّباع يسوع والتّشبُّه به في حياة النّاصرة الخفيّة، واختيار درب الصّغر، والتّواضع، والتّغلّب على المظاهر، والمشاركة مع الفقراء. وفي صمت الحياة النّسكيّة والعبادة وخدمة الإخوة، فهم ماهيّة درب القداسة. ويكتب في هذا السّياق في الواقع "غالبًا ما نضع في المقام الأوّل الأعمال الّتي تكون نتائجها مرئيّة وملموسة" لكنّ "الله يعطي المقام الأوّل للحبّ ومن ثمّ للتّضحية الّتي تستلهم من الحبّ والطّاعة المتأتّية من الحبّ".

أيّها الإخوة والأخوات، نحن أيضًا مدعوّون لهذا. لقد عاش رفقاؤنا في السّفر، الّذين يتمُّ إعلان قداستهم اليوم، القداسة بهذه الطّريقة: من خلال معانقتهم لدعوتهم بحماس- ككاهن، ومكرّس وعلمانيّ– وبذلوا ذواتهم في سبيل الإنجيل، اكتشفوا فرحًا لا مثيل له وأصبحوا انعكاسات منيرة للرّبّ في التّاريخ. لنحاول ذلك نحن أيضًا، لأنّ كلّ واحد منّا مدعوّ إلى القداسة، قداسة فريدة ولا تتكرّر. نعم، إنَّ الرّبّ لديه مشروع حبّ لكلّ شخص منّا، ولديه حلم لحياة كلِّ فرد منّا، وماذا تريدونني أن أقول لكم؟ احملوه قدمًا بفرح!".