الفاتيكان
15 آذار 2023, 14:20

البابا فرنسيس: إنّنا مدعوّون إلى أن نكون رسلاً

تيلي لوميار/ نورسات
شغف الكرازة والغيرة الرّسوليّة كانت محور تعليم البابا فرنسيس الّذي ألقاه اليوم خلال المقابلة العامّة على ضوء المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، تحدّث فيها عن دعوة الجميع كي يكونوا رسلاً في عالم اليوم.

وبحسب "فاتيكان نيوز"، انطلق البابا "من القراءة من إنجيل القدّيس لوقا "وبَعدَ ذلِكَ، أَقامَ الرَّبُّ اثنَينِ وسبعينَ تِلميذًا آخَرين، وأَرسَلَهمُ اثنَينِ اثنَينِ يتَقَدَّمونَه إِلى كُلِّ مَدينَةٍ أَو مَكانٍ أَوشَكَ هو أَن يَذهَبَ إِلَيه. وقالَ لَهم: "الحَصادُ كثيرٌ ولكِنَّ العَمَلَةَ قَليلون، فاسأَلوا رَبَّ الحَصَاد أَن يُرسِلَ عَمَلَةً إِلى حَصادِه" (لوقا ١٠، ١-٢). وبدأ البابا بأنّنا سنحاول أن نفهم معنى أن نكون رسلاً اليوم، فقال إنّ هذه الكلمة تجعلنا نفكّر في تلاميذ يسوع الاثني عشر كما وأنّنا نطلق اسم رسول على بعض القدّيسين أو على الأساقفة بشكل عامّ، ولكن هل ندرك أنّ كون الشخص رسولاً هو أمر يعني كلّ مسيحيّ أيّ كلّ واحد منّا؟ وأضاف أنّنا مدعوّون إلى أن نكون رسلاً في كنيسة نصفها في قانون الإيمان بالرّسوليّة.

وفي إجابته على التّساؤل حول معنى أن نكون رسلاً قال البابا إنّه يعني أن نكون مرسَلين، والمَثل المؤسِّس يكمن في إرسال المسيح القائم تلاميذه إلى العالم ناقلاً إليهم تلك القوّة الّتي تلقّاها هو من الآب وأعطاهم الرّوح القدس. وذكَّر البابا هنا بما جاء في إنجيل القدّيس يوحنّا: "فقالَ لَهم ثانِيَةً: "السَّلامُ علَيكم! كما أَرسَلَني الآب أُرسِلُكم أَنا أَيضًا". 22 قالَ هذا ونَفَخَ فيهم وقالَ لَهم: "خُذوا الرُّوحَ القُدُس" (يو ٢٠، ٢١-٢٢).

ثمّ توقّف الأب الأقدس عند نقطة أخرى أساسيّة في كوننا رسلاً ألا وهي الدّعوة. وعاد مجدّدًا إلى الرّبّ يسوع الّذي، وحسب ما جاء في إنجيل القدّيس مرقس، "صَعِدَ الجَبَلَ ودَعا الَّذينَ أَرادَهم هو فأَقبلوا إِلَيه" (مر ٣، ١٣). وقال البابا إنّ يسوع قد كوَّن هكذا مجموعة ممن أطلق عليهم اسم الرّسل لكي يكونوا معهم وليرسلهم، وتابع الأب الأقدس مشيرًا إلى أنّ القدّيس بولس يعرِّف بنفسه في رسائله بهذا الشّكل "مِن بولُسَ الَّذي شاءَ اللهُ أَن يَدعُوَه لِيَكونَ رَسولَ المسيح يسوع" (١قور ١، ١) أو "مِن بولُسَ عَبْدِ المسيحِ يسوع دُعِيَ لِيَكونَ رَسولاً وأُفرِدَ لِيُعلِنَ بِشارةَ الله" (روم ١، ١)، كما ويلح القدّيس بولس، تابع قداسة البابا، على أنّه رَسول "لا مِن قِبَلِ النَّاس ولا بِمَشيئَةِ إِنسان، بل بِمَشيئَةِ يسوعَ المسيح واللهِ الآبِ الّذي أَقامَه مِن بَينِ الأَموات" (غلاطية ١، ١). وقد ذكر القديس بولس من جهة أخرى أنّ الله قد أَفرده، مذ كان في بطن أمّه ودعاه إلى أن يعلن الإنجيل للنّاس (راجع غلاطية ١، ١٥-١٦).

وواصل البابا فرنسيس أنّ خبرة الرّسل الاثني عشر وشهادة القدّيس بولس تدعونا اليوم إلى التّحقّق من تصرّفاتنا واختياراتنا وقراراتنا على أساس نقاط ثابتة، ألا وهي أنّ كلّ شيء يتوقّف على دعوة مجّانيّة من الله، فالله يختارنا أيضًا لخدمات قد تبدو أكبر من قدراتنا أو لا تتماشى مع توقّعاتنا، وأنّه يجب الرّدّ بمجّانيّة على دعوة نتلقّاها كعطيّة مجّانيّة، قال الأب الأقدس.

عاد قداسة البابا بعد ذلك إلى الوثيقة المجمعيّة البيان في رسالة العلمانيّين Apostolicam actuositatem "النّشاط الرّسوليّ" والّذي جاء فيه أنّ الدّعوة المسيحيّة هي بطبيعتها دعوة رسوليّة أيضًا. وإستشهد من جهة أخرى بما جاء في الدّستور العقائديّ في الكنيسة  Lumen Gentium"نور الأمم": "وكرامة الأعضاءِ مشتركة بحكمِ تجديدهم بالمسيح ومشتركةٌ نعمةُ التّبنّي، ومشتركةٌ الدّعوة للكمالِ، والخلاصُ واحدٌ والرّجاءُ واحدٌ والمحبّةُ غير متجزّأة" (نور الأمم ٣٢).

تابع الأب الأقدس تعليمه متحدّثًا عن دعوة تشمل مَن نالوا السّيامة الكهنوتيّة أو الأشخاص المكرّسين وأيضًا كلّ مؤمن علمانيّ رجلاً كان أم امرأة، وبالتّالي عن دعوة للجميع تُمَكّن الشّخص من أن يؤدّي واجبه الرّسوليّ بشكل فعّال وإبداعيّ داخل كنيسة فيها خدمات متنوّعة ولكن الرّسالة واحدة، "فالمسيح أناطَ بالرّسل وخلفائهم مهمّة التّعليم والتّقديس والحكم باسمه وبسلطانه، غيرَ أنَّ العلمانيّين، وقد أشركهم المسيح في وظيفته الكهنوتيّة والنّبويّة والملكيّة، يضطلعون هم أيضًا، في الكنيسة وفي العالم بالقسمة الّتي قُسّمت لهم من رسالةِ شعبِ الله كلَّه أجمع" (النّشاط الرّسوليّ ٢).

ومن هذا المنطلق توقّف البابا فرنسيس عند التّعاون بين العلمانيّين وسلطة الكنيسة حسب المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، فقال إنّنا لا نتحدّث هنا عن مجرّد تكيّف استراتيجيّ مع الأوضاع الجديدة، بل عن شيء أكبر بكثير يتجاوز أوضاع اللّحظة ويحتفظ بقيمته بالنّسبة لنا نحن أيضًا. وتابع الأب الأقدس أنّه في إطار وحدة الرّسالة وتنوّع المواهب والخدمات لا يمكن أن يكون هناك تميّز لأيّ فئة في جسد الكنيسة، وشدّد على أنّ الدّعوة المسيحيّة ليست ترقية في منصب. وعاد البابا مجدّدًا إلى الوثيقة المجمعيّة الدّستور العقائديّ في الكنيسة Lumen Gentium" نور الأمم" والّذي جاء فيه "حتّى إذا كان البعض، بإدارة المسيح، قد أُقيموا معلِّمين وموزِّعي أسرار ورعاة لخيرِ الآخرين، إنّما تسودُ مساواةٌ حقّة في الكرامة والعمل المشترك بين كلِّ المؤمنين لبنيانِ جسدِ المسيح" (٣٢)."

وفي الختام، أكّد البابا فرنسيس أنّ "المساواة في الكرامة تدعونا إلى التّفكير في العديد من جوانب علاقاتنا والّتي لها أهمّيّة كبيرة بالنّسبة للكرازة". وتساءل هنا "على سبيل المثال هل ندرك أنّه يمكننا بكلماتنا أن نلحق الضّرر بكرامة الأشخاص ونخرّب هكذا العلاقات داخل الكنيسة؟ هل، وبينما نتطلّع إلى الحوار مع العالم، نعرف أيضًا أن نتحاور فيما بيننا نحن المؤمنين؟ هل نحن قادرون على الإصغاء كي نفهم منطق الآخر أم أنّنا نعارض ربّما أيضًا باستخدام كلمات مبطَّنة؟"، وأضاف: "إنّ الإصغاء والتّواضع وأن نكون في خدمة الآخرين هي معنى أن نكون مسيحيّين، أن نكون رسلاً".  

ثمّ دعا الأب الأقدس الحضور إلى عدم التّخوّف من طرح هذه الأسئلة والّتي يمكنها أن تساعدنا على التّحقّق من أسلوب عيشنا لدعوتنا المنطلقة من المعموديّة، أيّ طريقتنا في أن نكون رسلاً في كنيسة رسوليّة، أن نكون في خدمة الآخرين.