الفاتيكان
03 شباط 2023, 14:20

البابا فرنسيس اختتم زيارته الرّسوليّة إلى جمهوريّة الكونغو الدّيمقراطيّة بلقاء مجلس الأساقفة

تيلي لوميار/ نورسات
في ختام زيارته الرّسوليّة إلى جمهوريّة الكونغو الدّيمقراطيّة، التقى البابا فرنسيس صباحًا مجلس الأساقفة في كينشاسا، حيث رجّب رئيسه المطران أوتيمبي تابا بالأب الأقدس الّذي كان له كلمة استهلّها معبّرًا عن سروره بلقاء مجلس أساقفة الكونغو، شاكرًا إيّاهم على الطّريقة الّتي يعلنون فيها بشجاعة تعزية الرّبّ، وهم يسيرون وسط الشّعب ويشاركونه تعبه وآماله.

وبحسب "فاتيكان نيوز"، "عبّر الأب الأقدس عن سروره بإمضاء هذه الأيّام في أرضهم الّتي تمثّل بغابتها الكبيرة، وكما قال، "قلب أفريقيا الأخضر"، رئة للعالم بأسره. وأشار إلى أنّ أهمّيّة هذا التّراث البيئيّ تذكّرنا بأنّنا مدعوّون إلى أن نحرس جمال الخليقة ونحميها من الجراح الّتي تسبّبها الأنانيّة الجشعة. وأضاف أنّ هذه المساحة الخضراء الشّاسعة هي أيضًا صورة تتكلّم عن حياتنا المسيحيّة: ككنيسة، نحن في حاجة إلى أن نتنفّس هواء الإنجيل النّقيّ، ونُبعد هواء الدّنيويّة الملوَّث، ونحرس قلب الإيمان الشّابّ. هكذا أتصوّر الكنيسة الأفريقيّة، وهكذا أرى هذه الكنيسة الكونغوليّة: كنيسة شابّة، مليئة بالحياة، فرحة، يحرّكها التّوق إلى الرّسالة والإعلان أنّ الله يحبّنا وأنّ يسوع هو الرّبّ.

وتابع البابا فرنسيس كلمته مشيرًا إلى أنّ الجماعة المسيحيّة في هذه الأرض لديها أيضًا وجه آخر. وجهكم الشّابّ والمنير والجميل يتّسم بالألم والتّعب، قال البابا فرنسيس، وأحيانًا بالخوف واليأس. إنّه وجه كنيسة تتألّم من أجل شعبها، إنّه قلب تخفق فيه بخوف حياة النّاس بأفراحها وضِيقاتها. إنّها كنيسة، تريد مثل يسوع، أن تجفّف دموع الشّعب. وإذ سلّط الضّوء على قصّة إرميا النّبيّ، توقّف البابا فرنسيس عند بُعدين اثنين: قرب الله والنّبوءة من أجل الشّعب، وقال أودّ أن أقول لكم بداية: إسمحوا بأن يلمسكم قرب الله ويعزّيكم. وتابع مشيرًا إلى أنّ الكلمة الأولى الّتي وجّهها الرّبّ إلى إرميا هي: "قَبلَ أَن أُصَوِّرَكَ في البَطنِ عَرَفتُكَ" (إرميا ١، ٥)، وأضاف إنّه إعلان حبّ ينقشه الله في قلب كلّ واحد منّا، ولا يمكن لأحد أن يمحوه، وفي وسط عواصف الحياة، يصبح ينبوع عزاء. وتابع البابا فرنسيس مشدّدًا في الوقت نفسه على أهمّيّة الصّلاة. هكذا فقط، الشّعب الّذي أوكل إلينا يقترب من الرّاعي الصّالح، وهكذا فقط نصبح رعاة حقًّا، لأنّنا بدونه لا نستطيع أن نعمل شيئًا (راجع يوحنّا ١٥، ٥).

شدّد الأب الأقدس في كلمته إلى الأساقفة على الاهتمام بأن نكون قريبين من الرّبّ حتّى نكون شهوده الصّادقين وحاملي محبّته وسط الشّعب. فهو يريد من خلالنا أن يمسح الشّعب بزيت العزاء والرّجاء! وأضاف أنّه إذا نَمَّينا قُربنا من الله سنشعر بأنفسنا مندفعين نحو الشّعب. وإذ يشجّعنا الرّبّ ويقوّينا، سنصبح بدورنا أدوات تعزية ومصالحة للآخرين، لشفاء جراح المتألّمين والتّخفيف من آلام الباكين، ومساعدة الفقراء. وتوقّف الأب الأقدس من ثمّ عند النّقطة الثّانية، نبوءة من أجل الشّعب، داعيًا إلى النّظر مرّة أخرى إلى خبرة إرميا، وأشار في كلمته إلى أنّ إرميا الّذي التَهم كلمة الرّبّ لكونها بالنّسبة إليه فرحًا وسرورًا في القلب (راجع إرميا ١٥، ١٦)، اعترف أنّ هذه الكلمة نفسها زرعت فيه قلقًا، وقادته لأن يذهب إلى الآخرين حتى يلمسهم حضورُ الله. وقال إرميا: "كانَ في قَلْبي كنارٍ محرِقَة، قد حُبِسَت في عِظامي، فأَجهَدَني احتِمالُها، ولَم أَقْوَ على ذلك" (إرميا ٢٠، ٩). وتابع البابا فرنسيس قائلاً: لا يمكننا أن نحتفظ بكلمة الله لأنفسنا فقط. كلمة الله نار تشتعل في داخلنا وتدفعنا إلى الانطلاق! هذه هي هويّتنا الأسقفيّة: تحرقنا كلمة الله، وننطلق نحو شعب الله، بغيرة رسوليّة!

وتابع البابا فرنسيس كلمته متسائلاً ولكن فيما يكمن هذا الإعلان النّبويّ للكلمة؟ قال الرّبّ لإرميا النّبيّ: "هاءَنَذا قد جَعَلتُ كَلامي في فَمِكَ. أُنظُرْ، إِنِّي أَقَمتُكَ اليَومَ على الأُمَمِ، وعلى المَمالِك، لِتَقلَعَ وتَهدِم، وتُهلِكَ وتَنقُض، وتَبنِيَ وتَغرِس" (إرميا ١، ٩-١٠). إنّها أفعال قويّة، قال البابا فرنسيس في كلمته أوّلاً تَقلع وتهدم، حتّى في النّهاية تَبني وتغرس. إنّه تعاون في تاريخ جديد يريد الله أن يبنيه وسط عالم من الفساد والظّلم. وسلّط الضّوء بالتّالي في كلمته على أهمّيّة اقتلاع الأعشاب السّامّة للكراهيّة والأنانيّة، والحقد والعنف؛ وهدْم المذابح المكرّسة للمال والفساد؛ وبناء تعايش يرتكز إلى العدالة والحقيقة والسّلام. وتابع الأب الأقدس داعيًا للتّنبّه قائلاً: لا نتكلّم عن عمل سياسيّ. تتجسّد النّبوءة المسيحيّة في أعمال سياسيّة واجتماعيّة كثيرة، لكن مهمّة الأساقفة والرّعاة بشكل عامّ ليست هذه. مهمّتهم هي إعلان الكلمة لإيقاظ الضّمائر، للتّنديد بالشّرّ، وتشجيع المُحبطين وفاقدي الرّجاء. إنّه إعلان ليس بالكلام فحسب بل بالقُرب والشّهادة: القُرب، أوّلًا، من الكهنة، الإصغاء إلى العاملين الرّعويّين، والتّشجيع على الرّوح السّينودسيّة للعمل معًا. وتابع البابا فرنسيس مشدّدًا على أهمّيّة معرفة بناء الانسجام ذلك من خلال إعطاء المثل الصّالح، في الدّعم والمغفرة المتبادلة، والعمل معًا، كنماذج للأخوّة، والسّلام والبساطة الإنجيليّة! وذكّر البابا فرنسيس أيضًا في كلمته بخادم الله المطران كريستوف مونزيهيروا واصفًا ايّاه بالرّاعي الشّجاع والصّوت النّبويّ.

كما ودعا البابا فرنسيس الأساقفة إلى عدم الخوف من أن يكونوا أنبياء رجاء للشّعب وأصواتًا متناغمة لتعزية الرّبّ وشهودًا ومبشّرين فرحين بالإنجيل، ورُسُلَ عدل وسامريّي تضامن، وشهود رحمة ومصالحة، كما ودعاهم كي لا يفقدوا الشّجاعة أبدًا وشكرهم على خدمتهم، وغيرتهم الرّعويّة وشهادتهم. وفي ختام كلمته عبّر قداسة البابا فرنسيس عن شكره لهم ولجميع مَن أعدّوا هذه الزّيارة وذكّر باحتفالهم في حزيران يونيو القادم بالمؤتمر الإفخارستيّ الوطنيّ في لوبومباشي، وطلب منهم أن يواصلوا الصّلاة من أجله."