الفاتيكان
18 تشرين الثاني 2022, 14:20

البابا فرنسيس: السّلام بين موسكو وكييف ممكن

تيلي لوميار/ نورسات
هذا ما أكّده البابا فرنسيس في مقابلة نشرتها صحيفة لاستامبا الإيطالية صباح اليوم أجراها معه الصّحفيّ دومينيكو أغاسو، تحدّث فيها، إضافة إلى رجاء المصالحة بين روسيا وأوكرانيا، عن زيارته إلى أستي وعن أهمّيّة الجذور العائليّة بالنّسبة للشّباب اليوم.

وفي تفاصيل المقابلة، نقل موقع "فاتيكان نيوز" ما يلي: "في جواب على سؤال حول ما هو كحبر أعظم تأثير مواجهة "الحرب العالميّة الثّالثة"، كما وصفها، بعد أن عاش طفولته خلال الحرب العالميّة الثّانية وفي سنوات الحرب الباردة المظلمة وقال إنّه أمر غير منطقي. والوعي بأنّ التّوق إلى السّلطة وتجارة الأسلحة هما وراء جميع هذه المآسي يسبّب غضبًا وحزنًا كبيرين. لقد قيل لي إنّه إذا تمَّ التّوقّف عن صنع الأسلحة وبيعها لمدّة عام واحد، فسيتمّ القضاء على الجوع في العالم. ولكن تسود دائمًا الدّعوة المدمّرة الّتي تقود إلى الحرب. عندما تضعف الإمبراطوريّات، تتّجه نحو شنِّ الحروب لكي تشعر بالقوّة، وكذلك لكي تبيع الأسلحة. ثلاث حروب عالميّة في قرن واحد! ونحن لا نتعلّم! ومع ذلك، يكفي أن نذهب إلى مقبرة أنزيو ونفكِّر في عمر الأشخاص المدفونين هناك: لقد ذهبت إلى هناك وأمام قبر هؤلاء الشّباب الأميركيّين في العشرين من العمر الّذين لقوا حتفهم في الهبوط في أنزيو، بكيت…. وبكى قلبي في ريديبوليا أيضًا (لقد شارك جدّي في حرب البيافيه وأخبرني بما كان يحدث هناك). وكما قلت من قبل: إنَّ الهبوط في نورماندي قد شكّل بداية سقوط النّازية، هذا صحيح... لكن كم من الشّباب قد بقوا على الشّاطئ وماتوا قتلاً؟ يُقال ثلاثين ألف…. نحن لا نتعلّم".

تابع البابا فرنسيس مجيبًا على سؤال حول إن كان هناك أيّة حداثة دبلوماسيّة بين الفاتيكان والكرملين وقال "نحن متنبّهون باستمرار لتطوّر الوضع. كما قلت على متن الطّائرة في طريق العودة من البحرين، فإنّ أمانة سرِّ الدّولة تعمل وتعمل بشكل جيد كلّ يوم، وتقوم بتقييم أيّ فرضيّة وتعطي قيمة لكلّ بصيص أملٍ يمكنه أن يؤدّي إلى وقف حقيقيّ لإطلاق النّار وإلى مفاوضات حقيقيّة. في غضون ذلك، نحن ملتزمون بتقديم الدّعم الإنسانيّ لشعب أوكرانيا المعذّبة، الّذي أحمله في قلبي مع آلامه. ومن ثمّ نحاول أن نطوِّر شبكة علاقات تعزّز القرب بين الطّرفين من أجل إيجاد الحلول. كذلك، يقوم الكرسيّ الرّسوليّ بما يجب عليه فعله من أجل مساعدة الأسرى".

أضاف الحبر الأعظم مجيبًا على سؤال حول إذا كان الفاتيكان مستعدًّا للعب دور وسيط السّلام ولاستضافة أيّ مفاوضات وقال" "مثلما نؤكِّد منذ شهور، وكما صرّح أمين سرِّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بارولين عدّة مرّات، إنّ الكرسيّ الرّسوليّ على استعداد لبذل كلّ ما في وسعه للتّوسّط ووضع حدّ للصّراع في أوكرانيا. وحول إن كان لديه أيّ أمل في أن تتمّ المصالحة بين موسكو وكييف قال البابا "نعم، لديّ أمل. لا يجب أن نستسلم لأنَّ السّلام ممكن. ومع ذلك، يجب على الجميع أن يلتزموا بتجريد القلوب من السّلاح، كلٌّ بدءًا من قلبه، ومن ثمّ عليهم أن ينزعوا فتيل العنف ويوقفوا العنف. يجب علينا جميعًا أن نكون مسالمين. وأنّ نرغب في السّلام، وليس في مجرّد هدنة ربّما لا تؤدّي إلّا إلى إعادة التّسلّح. السّلام الحقيقيّ الّذي هو ثمرة الحوار. الّذي لا يتحقّق بالأسلحة، لأنّها لا تهزم الكراهيّة والتّعطّش للسّيطرة، اللّذين سيظهران من جديد، ربّما بطرق أخرى، لكنّهما سيظهران من جديد".

أضاف الأب الأقدس مجيبًا على سؤال حول ما سيقول لرئيسة الوزراء الإيطاليّة جورجيا ميلوني الّتي سيلتقيها قريبًا وقال: "لا أريد أن أتدخّل في قضايا سياسيّة إيطاليّة محدّدة. هناك حكومة شرعيّة، انتخبها الشّعب، وهي في بداية مسيرتها، وأتمنّى كلَّ الخير لمن يقودها ولمعاونيه، وكذلك للمعارضة لكي تتعاون معهم، لأنّ الحكومة هي للجميع، وواجبها وهدفها هو الخير العامّ والأفق الوحيد الّذي يجب أن تهدف إليه هو مستقبل أفضل لإيطاليا. لقد احتفلنا يوم الأحد باليوم العالميّ للفقراء: ومثلما أطلب من جميع الحكّام في كلّ بلد، أسألكم من فضلكم ألّا تنسوا الأخيرين".

تابع البابا فرنسيس مجيبًا على سؤال حول ما هو شعوره إذ يعود ليحتفل بالقدّاس الإلهيّ في الأرض الّتي هاجر منها والداه إلى الأرجنتين وقال: "لطالما أردت أن أقضي بضع ساعات مع أقاربي في الأماكن الّتي عاشت فيها عائلتي. قبل أن أصبح بابا، كنت أذهب غالبًا إلى منطقة أستي، كانت هذه عادة: عندما كنت أصل إلى روما كرئيس إقليميّ لليسوعيّين في الأرجنتين، أو كرئيس أساقفة للمشاركة في  سينودس ما. في كلّ مناسبة كنت أتوجّه إلى بييمونتي لرؤية أبناء عمومة والدي. نحن قريبين جدًّا. غالبًا ما نتحدّث عبر الهاتف مع ابنة العمّ الكبرى كارلا. وغدا سنلتقي مع خمسة من أبناء العمومة وهذا يفرحني. وحول ما يمثّل له البييمونتي قال البابا إنّها لغتي، لأنّه عندما كان عمري ١٣ شهرًا أنجبت والدتي طفلًا ثانيًا، وكان جدّاي يعيشان على بعد ٣٠ مترًا من منزلنا: فكانت جدّتي تأتي لاصطحابي، وكنت أقيم معهما وكانا يتحدّثان لهجة البييمونتي، لذلك يمكن القول إنّني "استيقظت على الحياة" في لهجة البييمونتي."  

أضاف الحبر الأعظم مجيبًا على سؤال حول الدّور الّذي يجب أن تلعبه الجذور في عصرنا المعولم والتكنولوجيّ وقال: "إنّها أساسية من ناحيتين. النّاحية الأولى هي الثّقافيّة: لا تنس أبدًا ولا تنكر جذورك الثّقافيّة. والنّاحية الثّانية هي العائليّة: يجب على المرء دائمًا أن يغذّي ويقيِّم جذوره العائليّة، ولاسيّما الأجداد. أقول هذا دائمًا: أعتقد أنّه يجب على الشّباب أن يتحدّثوا إلى أجدادهم قدر الإمكان؛ لكي يحافظوا على جذورهم ثابتة، ولكن ليس لكي يبقوا هناك، واقفين بدون أن ينظروا إلى العالم، لا بل يمكن للأجداد أن يساعدوا الشّباب في إيجاد مصدر إلهام لكي يمضوا قدمًا وبعيدًا. لكن إذا انفصلت الشّجرة عن الجذور، فلا تنمو، بل تجفّ وتموت. لذلك من الضّروريّ أن نحافظ على العلاقة مع جذورنا حيّة، من أجل نموّنا الثّقافيّ والاجتماعيّ، وكذلك من أجل تنمية شخصيّتنا".

تابع الأب الأقدس مجيبًا على سؤال حول الأفكار الّتي تولد فيه إذ يقترب من السّنة العاشرة من حبريّته وقال: "أتأمّل كلّ يوم حول حياتي. إنَّ أحد الأشياء الّتي أوصى بها القدّيس إغناطيوس دي لويولا للجميع، ليس فقط للكهنة والرّاهبات، هو فحص الضّمير أقلّه مرّة واحدة في اليوم. لا لكي نعرف ما هي الخطايا الّتي ارتكبناها، لا، وإنّما لكي نتنبّه لما يحدث لنا ومن حولنا. أحيانًا يكون قلبنا وضميرنا كطريق يمرّ عليه كثيرون ولا أحد يلاحظ ما يحدث. بينما، من المهمّ جدًّا أن نتوقّف، ربّما في نهاية اليوم، لكي نفحص ما نعيشه. وهكذا يفهم المرء البركات الّتي نالها من الحياة، والأعمال الصّالحة الّتي قام بها، وكذلك الأمور السّيّئة الّتي يفكّر بها أو يفعلها. وبهذه الطّريقة يسير قدمًا ويفهم بأيّ روح يتواصل في مختلف المجالات: على سبيل المثال مع رغبة في المصالحة أو الصّداقة أو الأخوَّة أو بالوقوع في تجربة الانتقام والشّجار والغطرسة والبحث عن المراوغة."

أضاف الحبر الأعظم مجيبًا على سؤال حول إن كان سعيدًا لكونه بابا وقال: "بفضل دعوتي، كنت دائمًا سعيدًا في الأماكن الّتي وضعني فيها الرّبّ وأرسلني إليها. لكن ليس لأنّني فزت بشيء ما، لا أنا لم أفز بشيء... إنّها خدمة، وقد طلبت منّي الكنيسة ذلك؛ لم أفكّر أبدًا في أنّه قد يتمّ انتخابي لكنَّ الرّبّ أراد ذلك. فليكن. وأنا أفعل ما بوسعي، كلّ يوم، وأحاول ألّا أتوقّف أبدًا".

تابع البابا فرنسيس مجيبًا على سؤال حول معنى الحياة وسرّ الحياة بالنّسبة له اليوم وهو في السّادسة والثّمانين من عمره وقال: "أحبّ أن أرى الحياة من حيث أنا. هناك سطر جميل جدًّا في قصيدة كتبها هولدرلين لجدّته. ويقول شيئًا أشعر به كثيرًا : "Es ist ruhig, das Alter, und fromm"، ويتحدّث عن شيخوخة هادئة ودينيّة. وهذا ما أراه في سنّي: هدوء، وسلام كبير، وفرح حقيقيّ وتديُّن. أشعر بشيخوخة هادئة ودينيّة." وحول السّؤال أين يبحث عن الله ويجده قال الأب الأقدس: "أنا أصلِّي. في الصّباح، أحتفل بالإفخارستيّا، وهناك أجد الرّبّ. ثمّ أجده في ما أفعله ولاسيّما في الأشخاص الّذين ألتقي بهم، في كلّ واحد منكم".

أضاف الأب الأقدس مجيبًا على سؤال حول ما قد يقوله لشخص يتألّم وقال: "لا شيء. سأُصغي إليه ببساطة وحسب. لا يحتاج الكثير من الأشخاص المتألّمين إلى خُطبٍ ومواعظ، وإنّما فقط إلى شخص يمسك بيدهم ويسمح لهم بأن يتكلّموا ويبوحوا بمكنون صدرهم. سأقول لك الحقيقة: على مرّ السّنين تعلّمتُ كثيرًا أن أُصغي إلى النّاس. تعلّمتُ أن أُصغي إلى "الصّغار": الأطفال، الّذين يقولون لك الحقيقة في وجهك؛ وإلى حكمة الشّيوخ، وإلى الشّهادة البشريّة والمسيحيّة للفقراء. كذلك تعلّمتُ أن أُصغي إلى الأشخاص الّذين يتعذّبون في أرواحهم لأنّ لديهم الكثير من المال ولا يعرفون ماذا يفعلون في حياتهم، وهم ليسوا سعداء. إنَّ الإصغاء يفيدني كثيرًا، لأنّني أتعلم أيضًا أن أخدم النّاس".

وخلص البابا فرنسيس مجيبًا على سؤال حول ما قد يقوله للشّباب الّذين يرون مستقبلاً كئيبًا وغير مستقرّ وغير أكيد وقال: "بحسب كاتب من أميركا اللّاتينيّة، كلّ امرأة وكلّ رجل، ولاسيّما كلّ شابّ وشابّة، له عينان في داخله: بعين، عين الجسد، ينظر إلى ما يراه؛ وبالعين الأخرى، المصنوعة من الزّجاج، ينظر إلى ما يحلم به. أنصح الشّباب بأن يحاولوا أن ينظروا إلى حياتهم ولاسيّما إلى مستقبلهم، بكلتا النّظرتين، على الواقع وعلى أحلامهم. لأنَّ الشّابّ الّذي لا يرى الواقع يعيش "في الهواء"، والشّابّ الّذي لا يحلم يعيش تحت الأرض. سيكونون قادرين على أن يواجهوا تحدّيات الحياة بعزم إذا التزموا بأن يتحلّوا بهاتين النّظرتين: النّظرة الواقعيّة والموضوعيّة الّتي ترى والأخرى الّتي تُطلق وتحمل أبعد من العوائق والحواجز، أيّ الحلم. وأن يحلموا على الدّوام".