البابا فرنسيس: "الصّلاة تبدأ مع الحياة"
إستهلَّ البابا تعليمه الأسبوعيّ بحسب "فاتيكان نيوز" قائلًا: "نتابع مسيرة التّعليم حول "صلاة الأبانا" التي بدأناها الأسبوع الماضي. إنَّ يسوع يضع على شفاه تلاميذه صلاة قصيرة وإنّما شُجاعة، تقوم على سبعة أسئلة – عدد ليس عشوائيًّا في الكتاب المقدّس ويشير إلى الملء – وأقول شجاعة لأنَّه لو لم يقترحها المسيح، ربما لما كان تجرّأ أحد أن يصلّي إلى الله بهذا الأسلوب.
إنّ يسوع في الواقع يدعو تلاميذه ليقتربوا من الله ويوجِّهوا له بثقة بعض الطّلبات: متعلّقة به أوّلاً ومن ثمّ متعلِّقة بنا. لا وجود لمقدّمات في "صلاة الأبانا"؛ فيسوع لا يعلّم صيغًا لكي نتودد من خلالها إليه، لا بل يدعونا الرّبّ لنرفع صلاتنا إليه مزيلين جميع حواجز الخضوع والخوف. فهو لا يطلب أن نتوجّه إلى الله وندعوه "الضّابط الكلّ" أو "العليّ" لا وإنّما وببساطة "أبانا"، ببساطة الأطفال الذين يكلّمون أباهم. وهذه الكلمة "أبانا" تعبر عن القرب والثقة البنويّة.
إنّ "صلاة الأبانا" تجد جذورها في واقع الإنسان الملموس. فهي، على سبيل المثال، تجعلنا نطلب الخبز، الخبز اليوميّ: طلب بسيط ولكنّه جوهريّ، يشير إلى أن الإيمان ليس مجرّد "زينة" أو أمرًا منفصلاً عن الحياة يتدخّل فقط بعد أن نكون قد أرضينا جميع احتياجاتنا الأخرى. لا بل إن َّ الصّلاة تبدأ مع الحياة. يعلّمنا يسوع أنّ الصّلاة لا تبدأ في حياة الإنسان بعد أن يكون قد ملأ بطنه: بل هي تُعشش حيث يكون هناك إنسان، مُطلق أيُّ إنسان جائع، يبكي ويكافح، يتألّم ويتساءل عن السّبب. إنّ صلاتنا الأولى، هي بمعنى ما، البكاء الذي رافق أول نفسٍ لنا. ففي بكاء المولود الجديد نعلن عن مصير حياتنا بأسرها: جوعنا الدّائم وعطشنا الدّائم، وبحثنا عن السّعادة.
بالصّلاة، يسوع لا يريد أن يُطفئ جانبنا البشريّ أو أن يخدّره؛ كما أنَّه لا يريد أن نقمع فينا الأسئلة والطّلبات ونتعلّم أن نتحمّل كلّ شيء. لا بل هو يريد أن يندفع كلّ ألم وكلّ قلق نحو السّماء ويصبح حوارًا. إنّ التّحلّي بالإيمان، كان أحد الأشخاص يقول، هو اعتياد على الصّرخة. وبالتّالي علينا جميعًا أن نكون كـ "برطيماوس" في الإنجيل، ذلك الرّجل الأعمى الذي كان يستعطي عند بوابة أريحا. لقد كان حوله العديد من الأشخاص الذين كانوا ينتهرونه ليسكت ولكنّه لم يصغِ إليهم بل بإصراره السّليم كان يريد أن تتمكّن حالته البائسة أخيرًا من لقاء يسوع، وبالتّالي راح يصرخ بصوت أعلى ويصيح: "رحماك يا يسوع!" فأعاد إليه يسوع بصره وقال له: "إيمانك خلّصك" كمن يشرح أنّ تلك الصّلاة كانت الأمر الحازم في شفائه. إنَّ الصّلاة لا تسبق الخلاص وحسب بل هي تحتويه أيضًا لأنّها تحرّر من يأس من لا يؤمن بوجود مخرج من العديد من الأوضاع التي لا تُطاق.
من ثم يشعر المؤمنون أيضًا بالحاجة لتسبيح الله. فالأناجيل تقدّم لنا هتاف الفرح الذي فاض من قلب يسوع المفعم بالدّهشة الممتنّة للآب. والمسيحيّون الأوائل قد شعروا بالحاجة لأن يضيفوا إلى نصِّ "صلاة الأبانا" صلاة التّمجيد: "لأنَّ لك القوّة والمجد إلى دهر الدّاهرين".
لكن لا يُجبر أحد منّا على معانقة النّظريّة التي قدّمها أحدهم في الماضي، أيّ أنّ صلاة الطّلب هي شكل من أشكال الإيمان الضّعيف، فيما أنّ الصّلاة الحقيقيّة هي صلاة التّسبيح الصّرفة وتلك التي تسعى إلى الله فقط بدون ثقل أيّ طلب. لا، هذا الأمر ليس صحيحًا. صلاة الطّلب هي حقيقيّة أيضًا! إنّها عفويّة وهي فعل إيمان بالله الذي هو أب صالح وضابط الكلّ؛ كما هي أيضًا فعل إيمان بنفسي أنا الصّغير والخاطئ والمعوز ولذلك فصلاة الطّلب هي أمر نبيل جدًّا. إنَّ الله الآب يُشفق علينا ويريد أن يتكلّم أبناؤه معه بدون خوف وبشكل مباشر. ولذلك يمكننا أن نخبره بكلّ شيء، حتّى عن الأمور التي تبقى ملتوية وغير مفهومة في حياتنا؛ وقد وعدنا بأنّه سيبقى معنا إلى الأبد حتّى يومنا الأخير على هذه الأرض. لنصلِّ إذًا "صلاة الأبانا" ولنبدأها ببساطة بكلمة "أب" وهو سيفهمنا ويحبّنا كثيرًا."