الفاتيكان
08 شباط 2019, 06:00

البابا فرنسيس: بالفقر والوداعة والتّواضع نتحلّى بالسّلطة

أشار البابا فرنسيس خلال عظته أثناء قدّاسه الإلهيّ الّذي ترأّسه صباح الخميس في كابيلا القدّيسة مارتا، إلى حاجة الإنسان للارتداد والشّفاء، فقال في هذا السّياق بحسب "فاتيكان نيوز"، منطلقًا من إنجيل مرقس:

 

"يسوع يرسل تلاميذه ليشفوا، تمامًا كما جاء هو إلى العالم ليشفي، ليشفينا من جذور الخطيئة الّتي نحملها في داخلنا، من الخطيئة الأصليّة. إنّ الشّفاء هو إعادة خلق نوعًا ما، فيسوع قد خلقنا مجدّدًا ومن ثمَّ جعلنا نسير قدمًا من خلال تعليمه وعقيدته الّتي هي عقيدة تشفي على الدّوام. ولكنَّ الوصيّة الأولى الّتي يعطيها هي الارتداد.

إنَّ الشّفاء الأوّل هو الارتداد بمعنى فتح القلب لكي تدخل إليه كلمة الله. الإرتداد هو النّظر من جهة أخرى وتقارب إلى جهة أخرى؛ وهذا الأمر يفتح القلب ويجعلنا نرى أمورًا أخرى. ولكن إن كان القلب مغلقًا فلا يمكن شفاؤه أبدًا. إن كان أحد ما مريضًا، ولعناده، لا يريد أن يذهب إلى الطّبيب، فلن يُشفى أبدًا. ولذلك يقول لهم أوّلاً: "إرتدّوا وافتحوا قلوبكم"؛ وكذلك أيضًا نحن المسيحيّون، فإن كنّا نقوم بالعديد من الأمور الصّالحة ولكنَّ قلوبنا مغلقة فكلّ ما نقوم به هو مجرّد إطار خارجيّ وسيختفي مع أوّل هطول مطر. ولذلك عليكم أن تسائلوا أنفسكم: "هل أشعر بهذه الدّعوة للارتداد ولأفتح قلبي لكي يُشفى ويجد الرّبّ ويسير قدمًا؟

ولكن لكي نقول للنّاس بأنّه عليهم أن يرتدّوا نحن بحاجة للسّلطة؛ ولكي نكتسب هذه السّلطة يقول لنا يسوع في الإنجيل: "أَلّا نأخُذ لِلطَّريقِ شَيئًا سِوَى عَصا. لا خُبزًا وَلا مِزوَدًا وَلا نَقَدًا مِن نُحاسٍ" أيّ يوصينا بالفقر، وبالتّالي بالتّحلي بالفقر والتّواضع والوداعة، وكما يوصي يسوع "وَإِن لَم يَقبَلكُم مَكانٌ وَلَم يَستَمِع فيهِ النّاسُ إِلَيكُم، فَارحَلوا عَنهُ نافِضينَ الغُبارَ مِن تَحتِ أَقَدامِكُم شَهادَةً عَلَيهِم" وإنّما بوداعة وتواضع كما يليق بالتّلميذ. ولكن إن كان التّلميذ أو الرّسول والمرسل يسير بكبرياء وغطرسة معتبرًا نفسه أفضل من الآخرين أو يسعى لمصالح بشريّة أو مراكز في الكنيسة فلن يشفي أحدًا أبدًا ولن ينجح في فتح قلب أحد ما لأنّ كلمته ستكون خالية من السّلطة. إنّ التّلميذ سيتحلّى بالسّلطة إن تبع خطوات المسيح. وما هي خطوات المسيح؟ الفقر؛ هو الله صار إنسانًا! أخلى ذاته وتجرّد! هذا هو الفقر الّذي يحمل إلى التّواضع والوداعة على مثال يسوع المتواضع الّذي يسير في الشّوارع ويشفي. وهكذا وبموقف الفقر والوداعة والتّواضع هذا يصبح التّلميذ قادرًا على التّحلّي بالسّلطة ليقول للنّاس: "إرتدّوا لكي تفتحوا قلوبكم".

بعد أن دعوا النّاس إلى التّوبة طرد التّلاميذ كثيرًا من الشّياطين بسلطة القول: "هذا هو شيطان! هذه هي خطيئة؛ هذا هو موقف غير طاهر ولا يمكنك القيام بذلك". ولكن ينبغي قول ذلك بسلطة المثل وليس بسلطة من يتكلّم من فوق بدون أن يهتمَّ للأشخاص، لأنّ هذه ليست سلطة بل تسلُّط. ولكن أمام التّواضع وأمام سلطة اسم يسوع الّتي بها يقوم التّلميذ بعمله تهرب الشّياطين إن كان متواضعًا لأنّها لا تتحمّل أن يشفى النّاس من خطاياهم.

لقد كان التّلاميذ أيضًا يدهنون بِالزَّيتِ كَثيرًا مِنَ المَرضى، فَيشفوهُم. إنّ الدّهن بالزّيت هو لمسة حنان الله، إنّ الزّيت في الواقع هو على الدّوام لمسة حنان لأنّه يليّن البشرة ويجعل الإنسان يشعر بحالة أفضل. وبالتّالي على التّلاميذ أن يتعلّموا هذه الحكمة لحنان الله. ولذلك يمكن لأيّ مسيحيّ أن يشفي– وليس فقط الكاهن أو الأسقف– لأنَّ كلّ فرد منّا يملك السّلطة ليشفي الأخ أو الأخت بكلمة صالحة أو بالصّبر أو بنصيحة أو بنظرة ولكن بتواضع تمامًا كالزّيت.

جميعنا بحاجة للشّفاء، جميعنا لأنّنا جميعًا نعاني من أمراض روحيّة ولكن جميعنا أيضًا نملك إمكانيّة شفاء الآخرين ولكن بهذا الموقف. ليعطنا الرّبّ نعمة أن نشفي على مثاله: بالوداعة والتّواضع والقوّة ضدّ الخطيئة وضدّ الشّيطان ونسير قدمًا في هذه المهمّة بأن نشفي بعضنا بعضًا لأنّنا جميعًا في الجماعة المسيحيّة يشفي واحدنا الآخر ونسمح للآخرين بأن يشفوننا".