الفاتيكان
08 تموز 2019, 13:48

البابا فرنسيس ترأّس في الفاتيكان قدّاسًا إلهيًّا على نيّة اللّاجئين والمهاجرين

ترأّس البابا فرنسيس اليوم القدّاس الإلهيّ في بازيليك القدّيس بطرس على نيّة اللّاجئين والمهاجرين، في الذّكرى السّنويّة السّادسة لزيارته إلى جزيرة لامبيدوزا، وللمناسبة ألقى عظة قال فيها نقلاً عن "فاتيكان نيوز":

 

"تحدّثنا كلمة الله اليوم عن الخلاص والتّحرير.

الخلاص، خلال رحلته من بئر سبع إلى حاران، قرّر يعقوب أن يتوقّف ليرتاح في مكان قفر؛ فَرَأى حُلمًا كَأَنَّ سُلَّمًا مُنتَصِبَةً عَلى الأَرض، وَرَأسُها إِلى السَّماء. إنّ السّلّم الّتي كانت ملائكة الله تصعد وتنزل عليها تمثّل الرّابط بين الإلهيّ والإنسانيّ الّذي يتحقّق تاريخيًّا في المسيح، التّقدمة المحبّة للإلهام والخلاص من قبل الآب. تشكّل السّلّم رمزًا للمبادرة الإلهيّة الّتي تسبق كلّ تحرّك بشريّ. إزاء هذا الوحي، قام يعقوب بفعل تسليم إلى الرّبّ يُترجم من خلال التزام اعتراف وعبادة يطبع لحظة جوهريّة في تاريخ الخلاص. يطلب من الرّبّ أن يحفظه في الطّريق الصّعب الّذي يسلكه ويقول: "يَكونُ الرَّبُّ لي إِلَهًا".

وفي المزمور الّذي صلّيناه ردّدنا صدى كلمات أبينا إبراهيم: "يا إلهي أنا أثق بك". إنه ملجأنا وحصننا، ترسنا ودرعنا، حتّى عند المحن، لأنّ الرّبّ هو ملاذ المؤمنين الّذين يدعونه في الشّدائد. وهذا الاتّكال الكامل هو الّذي يجمع رئيس المجمع والمرأة المريضة في الإنجيل. إنّهما حدثي تحرير. كلاهما اقتربا من يسوع لينالا منه ما لا يمكن لأحد غيره أن يعطيهما إيّاه: التّحرّر من المرض والموت. لقد وضعت الحاجة المرأة والفتاة بين الأخيرين الّذين ينبغي أن نحبّهم ونعيد إنهاضهم.

يُظهر يسوع لتلاميذه ضرورة خيار تفضيليّ للأخيرين، الّذين ينبغي أن نضعهم في المقام الأوّل خلال ممارستنا لأعمال المحبّة. كثيرة هي أشكال الفقر اليوم، كما كتب القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، إنّ الفقراء في تعدّد أبعاد الفقر هم المُضطهدون والمهمّشون والمسنّون والمرضى والصّغار والذين يتمُّ اعتبارهم ويعاملون كأخيرين في المجتمع.

في هذه الذّكرى السّنويّة السّادسة لزيارتي إلى لامبيدوزا يتوجّه فكري نحو الأخيرين الّذين يصرخون يوميًّا إلى الرّبّ، طالبين أن يتحرّروا من الشّرور الّتي تعذّبهم. إنّهم الأخيرين المخدوعين والّذين تُركوا ليموتوا في الصّحراء، إنّهم الأخيرين المعذّبين والمستغَلّين والّذين تنتهك كرامتهم في مراكز الاعتقال، إنّهم الأخيرين الّذين يتحدّون أمواج بحر هائج، إنّهم الأخيرين الّذين تركوا في مراكز الاستقبال لفترة طويلة جدًّا. هؤلاء هم فقط بعض الأخيرين الّذين يطلب منّا يسوع أن نحبّهم وننهضهم. إنّ الضّواحي الوجوديّة لمدننا للأسف هي مكتظّة بالأشخاص المقصيّين والمهمّشين والمضطهدين والّذين يتعرّضون للتّمييز والاستغلال والمتروكين والفقراء والمتألّمين. في روح التّطويبات نحن مدعوّون لنعزّي أحزانهم ونقدّم لهم الرحمة؛ لنشبع جوعهم وعطشهم إلى البر ولنجعلهم يشعرون بأبوّة الله المحبّة وندلّهم على المسيرة نحو ملكوت السّماوات. إنّهم أشخاص ولا يتعلّق الامر فقط بمسائل اجتماعيّة أو مسائل هجرة! "لا يتعلّق الأمر بالمهاجرين وحسب"، وذلك بالمعنى المزدوج للقول أيّ إنَّ المهاجرين هم أوّلاً بشر وأنّهم قد أصبحوا اليوم العلامة لجميع المهمّشين في المجتمع المعولم.

تعود بشكل عفويّ إلى ذهنيّ صورة سلّم يعقوب. في يسوع المسيح يصبح الرّابط بين الأرض والسّماء أكيدًا وفي متناول الجميع. لكن صعود درجات هذه السّلّم يتطلّب التزامًا وتعبًا ونعمة ويجب علينا أن نساعد الضّعفاء والأكثر هشاشة. وبالتّالي يطيب لي أن أفكّر أنّنا أولئك الملائكة الّذين يصعدون وينزلون ممسكين الصّغار والعرج والمرضى والمهمّشين: الأخيرون الّذين إن لم نفعل هكذا سيبقون في الخلف وسيرون فقط بؤس الأرض بدون أن يتنبّهوا لنور السّماء الّذي يتوهّج منذ الآن.

إنّها مسؤوليّة كبيرة لا يُمكن لأحد أن يُعفى منها إن أردنا أن نتمّم رسالة الخلاص والتّحرير الّتي دعانا الرّبّ لكي نساهم فيها. أعرف أنّ كثيرين منكم، أنتم الّذين وصلتم منذ بضعة أشهر، تساعدون الإخوة والأخوات الّذين وصلوا حديثًا. أريد أن أشكركم على هذه العلامة الجميلة للإنسانيّة والامتنان والتّضامن".