الفاتيكان
14 كانون الأول 2020, 06:55

البابا فرنسيس: في العذراء مريم اقترب الله منا

تيلي لوميار/ نورسات
قبل تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ مع المؤمنين والحجاج المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس ظهر الأحد، ألقى قداسة البابا فرنسيس كلمة جاء فيها بحسب ما أورد "فاتيكان نيوز":

"إنّ الدّعوة إلى الفرح هي ميزة زمن المجيء: إنّ الانتظار الذي نعيشه هو بهيج، ويشبه إلى حدّ ما انتظارنا لزيارة شخص نحبّه كثيرًا، على سبيل المثال صديق كبير لم نره منذ فترة طويلة. وهذا البعد من الفرح يظهر بشكل خاصّ اليوم، في الأحد الثّالث، الذي يبدأ بنصيحة القدّيس بولس "إفرحوا دائمًا في الرّبّ". وما هو السّبب؟ أنَّ "الرّبّ قريب". وكلّما اقترب الرّبّ منّا كلّما فرحنا أكثر. وكلما زاد بعده عنّا شعرنا بالحزن أكثر.

يقدّم لنا الإنجيل بحسب القدّيس يوحنّا اليوم الشّخصيّة البيبليّة التي - باستثناء العذراء والقدّيس يوسف - عاشت أوّلًا وبشكل كبير انتظار المسيح وفرحة رؤيته يصل: نتحدّث بالطّبع عن يوحنّا المعمدان. يقدّمه الإنجيليّ بشكل احتفاليّ: "ظَهَرَ رَجُلٌ أَرسله الله... جاءَ شاهِدًا لِيَشهَدَ لِلنَّور". إنَّ المعمدان هو أوّل شاهد ليسوع بالكلمات وببذل الذّات. وتتفق جميع الأناجيل في إظهار كيف حقّق رسالته بالإشارة إلى يسوع على أنّه المسيح، مُرسل الله الذي وعد به الأنبياء. كان يوحنّا المعمدان قائدًا في عصره. وانتشرت شهرته في جميع أنحاء اليهوديّة وخارجها، حتّى الجليل. لكنّه لم يستسلم ولو للحظة لإغراء لفت الانتباه إلى نفسه: كان دائمًا يوجّه الأشخاص نحو الشّخص الذي سيأتي. ويقول: "لَستُ أَهلاً لأَن أَفُكَّ رِباطَ حِذائِه".

هذا هو الشّرط الأوّل للفرح المسيحيّ: أن نحيد الأنظار والاهتمام عن أنفسنا ونضع يسوع في المحور. وهذا ليس اغترابًا، لأنّ يسوع هو المحور فعليًّا، إنّه النّور الذي يعطي معنى كاملًا لحياة كلّ إنسان يأتي إلى هذا العالم. إنّها ديناميكيّة الحبّ عينها، التي تحملني على الخروج من نفسي لا لأفقد نفسي، وإنّما لأجدها بينما أبذلها، وبينما أبحث عن خير الآخر.

لقد قام يوحنّا المعمدان بمسيرة طويلة لكي يشهد ليسوع. إنَّ طريق الفرح ليس نزهة. لقد ترك كلّ شيء، منذ صغره، ليضع الله أوّلًا، ويصغي إلى كلمته من كلّ قلبه وبكلّ قوّته. عزل نفسه في الصّحراء وتجرّد من كلّ ما هو غير ضروريّ، ليكون أكثر حرّيّة في اتّباع رياح الرّوح القدس. إنَّ بعض سمات شخصيّته فريدة من نوعها بالطّبع ولا يمكن اقتراحها للجميع. لكنَّ شهادته نموذجيّة لأيّ شخص يريد أن يبحث عن معنى حياته وأن يجد الفرح الحقيقيّ. وبشكل خاصّ، يعتبر المعمدان نموذجًا للّذين دُعوا في الكنيسة لكي يعلنوا المسيح للآخرين: وبالتّالي لا يمكنهم فعل ذلك إلّا من خلال التّجرّد عن أنفسهم وعن روح العالم، وليس من خلال جذب النّاس إلى أنفسهم وإنّما من خلال توجيههم إلى يسوع. هذا هو الفرح أن نوجّه الأشخاص إلى يسوع، وعلى الفرح أن يشكّل ميزة إيماننا؛ وحتّى في اللّحظات المظلمة يجب أن يرافقنا الفرح الدّاخليّ لمعرفتنا بأنّ الرّبّ معنا وأنّه قد قام من الموت. الرّبّ: هذا هو محور حياتنا وهذا هو محور فرحنا. ليسأل كلّ منّا نفسه: هل أنا شخص فرح يعرف كيف ينقل للآخرين فرح كونه مسيحيّ، أمّ أنّني حزين على الدّوام كم يسهرون في جنازة؟ إن لم يكن لديَّ فرح الإيمان لا يمكنني أن أقدّم شهادة للآخرين وسيقول الآخرون لي: "إذا كان الإيمان هكذا فمن الأفضل ألّا نؤمن"".

وإختتم البابا فرنسيس بالقول: "بتلاوتنا الآن لصلاة التّبشير الملائكيّ نرى هذا كلّه قد تحقّق بالكامل في العذراء مريم: هي التي انتظرت بصمت كلمة خلاص الله؛ أصغت إليها، وقبلتها، وولدتها. فيها اقترب الله منّا. ولهذا السّبب، تدعو الكنيسة مريم "سبب سرورنا"".