الفاتيكان
16 تشرين الثاني 2022, 14:20

البابا فرنسيس: لا تخافوا من الكآبة ولا تهربوا وحاولوا أن تبحثوا عن قلب المسيح والجواب سيأتي دائمًا

تيلي لوميار/ نورسات
"الكآبة يمكن أن تكون فرصة للنّموّ"، هو ما لفت إليه البابا فرنسيس اليوم خلال المقابلة العامّة والّتي تحدّث فيها عن هذه الحالة الرّوحيّة في إطار تعليمه حول موضوع التّمييز، داعيًا إلى عدم الخوف والهرب من الكآبة وإنّما البحث عن الرّبّ، مؤكّدًا أنّ الجواب سيأتي دائمًا.

وفي هذا السّياق، قال الأب الأقدس للمؤمنين في ساحة القدّيس بطرس، بحسب "فاتيكان نيوز": "نستأنف التّعاليم حول موضوع التّمييز. لقد رأينا مدى أهمّيّة قراءة ما يتحرّك في داخلنا، لكي لا نتّخذ قرارات متسرّعة، على موجة انفعال اللّحظة، لكي لا نندم عليها بعدها عندما يكون الأوان قد فات. بهذا المعنى، حتّى الحالة الرّوحيّة الّتي نسمّيها الكآبة يمكنها أن تكون فرصة للنّموّ. في الواقع، إذا لم يكن هناك القليل من عدم الرّضا، والكآبة السّليمة، والقدرة السّليمة على العيش في عزلة، وأن نكون مع أنفسنا دون الهروب، فهناك خطر أن نبقى دائمًا على سطح الأشياء وألّا نتواصل أبدًا مع مركز حياتنا. إنَّ الكآبة تسبّب "اهتزازًا في الرّوح"، وتبقينا متيقِّظين، وتعزّز السّهر والتّواضع، وتقينا من رياح النّزوات. إنّها شروط لا غنى عنها للتّقدّم في الحياة، وبالتّالي في الحياة الرّوحيّة أيضًا. عندما يصبح الصّفاء التّامّ وإنّما "العقيم"، معيارًا للخيارات والتّصرّفات، يجعلنا غير إنسانيّين وغير مبالين إزاء ألم الآخرين وغير قادرين على قبول ألمنا. علمًا أنَّ هذا "الصّفاء التّامّ" لا يمكننا أن نبلغه من خلال درب اللّامبالاة هذا. بالنّسبة للعديد من القدّيسين والقدّيسات، كان القلق بمثابة دفعة حاسمة لكي يغيِّيروا حياتهم. هذا هو الحال، على سبيل المثال، بالنّسبة للقدّيس أوغسطينوس، وإديث شتاين، وجوزيبيه بينيديتو كوتولينغو، وشارل دي فوكو. إنَّ الخيارات المهمّة لها ثمن تقدّمه الحياة، وهو ثمنٌ في متناول الجميع. أيّ أنّ الخيارات المهمّة لا تأتي من اليانصيب، لا؛ وإنّما لديها ثمن وعليك أن تدفع هذا الثّمن. إنّه ثمن عليك أن تدفعه بقلبك، إنّه ثمن القرار، ثمن بذل القليل من الجهد. وبالتّالي فهي ليست مجّانيّة، لكن ثمنها هو في متناول الجميع. علينا جميعًا أن ندفع ثمن هذا القرار لكي نخرج من حالة اللّامبالاة. إنّ حالة اللّامبالاة تحبطنا على الدّوام.

الكآبة هي أيضًا دعوة إلى المجّانيّة، ولكي لا نعمل دائمًا وفقط من أجل إشباع عاطفيّ. تقدّم لنا الكآبة إمكانيّة أن ننمو، وأن نبدأ علاقة أكثر نضجًا وأجمل مع الرّبّ ومع أحبّائنا، علاقة لا تنحصر في مجرّد تبادل الأخذ والعطاء. لنفكّر في طفولتنا. كأطفال، غالبًا ما كان يحدث أن نبحث عن الوالدين لكي نحصل على شيء منهم، لعبة أو المال لشراء البوظة أو الإِذن... وهكذا لم نكن نبحث عنهم لأنفسهم، وإنّما من أجل مصلحة. ومع ذلك، فإنّ العطيّة الأسمى هي الوالدين وهذا الأمر نفهمه شيئًا فشيئًا بينما نكبر. كذلك العديد من صلواتنا هي أيضًا نوعًا ما من هذا النّوع، هي طلبات خدمات موجّهة إلى الرّبّ، بدون أيّ اهتمام حقيقيّ به. ويشير الإنجيل إلى أنّ يسوع غالبًا ما كان محاطًا بالعديد من الأشخاص الّذين كانوا يبحثون عنه لكي يحصلوا على شيء ما، شفاءات أو مساعدات مادّيّة، ولكن ليس لمجرّد أن يكونوا معه. لقد كانت الجموع تخنقه، ومع ذلك كان وحيدًا. لقد تأمّل بعض القدّيسين، وكذلك بعض الفنّانين، في حالة يسوع هذه؛ وقد يبدو غريبًا وغير واقعيّ أن تسأل الرّبّ: "كيف حالك؟" ولكنّه أسلوب جميل جدًّا لكي ندخل في علاقة حقيقيّة وصادقة، مع بشريّته، ومع ألمه، وكذلك مع عزلته الفريدة. معه هو الّذي أراد أن يشاركنا حياته بالكامل. سيفيدنا كثيرًا أن نتعلّم أن نكون معه، بدون أيّ غرض آخر، تمامًا كما يحدث مع الأشخاص الّذين نحبّهم: نرغب في أن نتعرّف عليهم أكثر، لأنّه من الجيّد أن نكون معهم.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، إنَّ الحياة الرّوحيّة ليست تقنيّة في متناول أيدينا، كما أنّها ليست برنامجًا "لرفاهيّة" داخليّة، علينا أن نبرمجه. لا، إنّها العلاقة مع الحيّ، والّتي لا يمكننا أن نختزلها إلى فئاتنا. لذلك فالكآبة هي أوضح جواب على الاعتراض بأنّ خبرة الله هي نوع من التّكيُّف أو ومجرّد إسقاط لرغباتنا. في هذه الحالة، سنكون نحن دائمًا من يبرمجها، وسنكون على الدّوام فرحين وسعداء، مثل أسطوانة تكرّر الموسيقى عينها. لكنَّ الّذي يصلّي يدرك أنّ النّتائج لا يمكن التّنبّؤ بها: فعلى سبيل المثال هناك خبرات ومقاطع من الكتاب المقدّس غالبًا ما أثارت إعجابنا، لم تعد اليوم تؤثِّر فينا. وبشكل غير متوقّع أيضًا، فإنّ خبرات ولقاءات وقراءات لم نكن قد لاحظناها من قبل أو كنّا نفضِّل أن نتجنّبها– مثل خبرة الصّليب– أصبحت الآن تحمل لنا سلامًا كبيرًا. لا تخافوا من الكآبة، بل سيروا بها قدمًا بمثابرة، ولا تهربوا. وحاولوا في الكآبة أن تبحثوا عن قلب المسيح، وأن تبحثوا عن الرّبّ. والجواب سيأتي دائمًا.

لذلك، إزاء الصّعوبات، لا يجب أن تثبط عزيمتنا أبدًا، بل علينا أن نواجه المحن بعزم، وبمساعدة نعمة الله الّتي لا تخذلنا أبدًا. وإذا سمعنا في داخلنا صوتًا مُلِحًّا يريد أن يشتّت انتباهنا عن الصّلاة، لنتعلّم أن نكشفه كصوت المجرّب؛ ولا نسمحنَّ له بأن يؤثِّر علينا: ولنفعل ببساطة عكس ما يقوله لنا!".