الفاتيكان
24 آذار 2023, 07:30

البابا فرنسيس: لا شيء يطرد ويهزم الشّرّ أكثر من الرّحمة الإلهيّة

تيلي لوميار/ نورسات
في إطار الدّورة الثّالثة والثّلاثين الّتي تنظّمها محكمة التّوبة الرّسوليّة حول سرّ الاعتراف، كانت للبابا فرنسيس كلمة أمام المشاركين الّذين زاروه في الفاتيكان، أكّد فيها على أنّ "لا شيء يطرد ويهزم الشّرّ أكثر من الرّحمة الإلهيّة"، مقدّمًا أفكاره حول ممارسة خدمة المصالحة.

وعن هذا الموضوع، تحدّث البابا قائلًا بحسب "فاتيكان نيوز": "يقول الإرشاد الرّسوليّ "فرح الإنجيل" إنّ الكنيسة الّتي تخرج وتنطلق "تعيش رغبة لا تنضب في تقديم الرّحمة، ثمرة اختبارها لرحمة الآب اللّامتناهية وقوّتها". وبالتّالي هناك رابط لا ينفصم بين دعوة الكنيسة الرّسوليّة وتقديم الرّحمة لجميع البشر.

لطالما عبّرت الكنيسة، بأساليب مختلفة عبر العصور، عن "هويّة الرّحمة" هذه، الموجّهة للجسد والنّفس على حدّ سواء، راغبة مع ربّها في الخلاص الكامل للإنسان، فيتزامن هكذا عمل الرّحمة الإلهيّة مع عمل الكنيسة الرّسوليّ، ومع البشارة لكي يتجلّى فيها وجه الله كما أظهره لنا يسوع. لهذا السّبب، لا يمكننا، ولاسيّما في زمن الصّوم الكبير هذا، أن نُهمل الاهتمام بممارسة المحبّة الرّعويّة، الّتي يتمّ التّعبير عنها بشكل ملموس وبارز بشكل خاصّ في جهوزيّة الكهنة الكاملة، دون أيّ تحفّظات، لممارسة خدمة المصالحة.

تتجلّى جهوزيّة المُعرِّف في بعض المواقف الإنجيليّة. أوّلاً في قبول الجميع بدون أحكام مسبقة، لأنّ الله وحده يعرف ما يمكن للنّعمة أن تعمله في القلوب، في أيّ لحظة؛ ومن ثمّ في الإصغاء إلى الأخوة بأُذُن القلب؛ وفي منح الحلَّة للتّائبين من خلال منحهم مغفرة الله بسخاء؛ وفي مرافقة مسيرة التّوبة بدون إجبار، ومواكبة المؤمنين، بالصّبر والصّلاة الدّائمين. لنفكّر في يسوع الّذي اختار أمام المرأة الزّانية أن يبقى صامتًا لكي يخلِّصها من الحكم عليها بالموت؛ هكذا أيضًا يجب على الكاهن في كرسيِّ الاعتراف أن يحبّ الصّمت، وأن يكون رحيم القلب، عالمًا أنّ كلّ تائب يذكّره بحالته الشّخصيّة: بأنّه خاطئ وخادمٌ للرّحمة. وهذا الإدراك سيضمن ألّا تبقى كراسي الاعتراف مهجورة وألّا تغيب أبدًا جهوزيّة الكهنة.

إذا كانت الرّحمة هي رسالة الكنيسة، فعلينا أن نسهّل قدر المستطاع وصول المؤمنين إلى "لقاء المحبّة" هذا، وأن نعتني به منذ الاعتراف الأوّل للأطفال، ونوسِّع هذا الانتباه إلى أماكن الرّعاية والألم. عندما لا يكون من الممكن أن نفعل الكثير لكي نشفي الجسد، يمكننا على الدّوام لا بل يجب علينا أن نقوم بكلِّ ما بوسعنا من أجل صحّة النّفس! بهذا المعنى، يمثّل الاعتراف الفرديّ الطّريق المميّز الّذي يجب اتّباعه، لأنّه يُعزّز اللّقاء الشّخصيّ مع الرّحمة الإلهيّة، الّتي ينتظرها كلّ قلب تائب.

في العالم، وللأسف نرى ذلك يوميًّا، لا تغيب أبدًا بُئر الكراهيّة والانتقام. لذلك علينا نحن المُعرِّفين أن نضاعف "الأرضيّات الخصبة للرّحمة". لا ننسينَّ أبدًا أنّنا في صراع خارق للطّبيعة، صراع قد يبدو مُسِمًّا بشكل خاصّ في عصرنا، حتّى لو كنّا نعرف النّتيجة النّهائيّة لانتصار المسيح على قوى الشّرّ. لكنَّ هذا الانتصار يتحقّق فعلاً في كلّ مرّة ينال فيها تائب مغفرة خطاياه، إذ لا شيء يطرد ويهزم الشّرّ أكثر من الرّحمة الإلهيّة.

أشكركم على التزامكم اليوميّ وعلى أنهار الرّحمة الّتي، ومثل القنوات المتواضعة، تسكبونها وستسكبونها في العالم، من أجل إطفاء نيران الشّرّ وإشعال نار الرّوح القدس. أُبارككم جميعًا من كلِّ قلبي. وأسألكم من فضلكم أن تصلّوا من أجلي".