الفاتيكان
05 تشرين الثاني 2019, 08:00

البابا فرنسيس: لا يمكنك أن تكون ليسوع وأن تنغلق على ذاتك

رفع البابا فرنسيس الصّلاة، في بازيليك القدّيس بطرس بالفاتيكان، من أجل راحة نفس الكرادلة والأساقفة المتوفّين خلال هذه السّنة. وللمناسبة ألقى البابا عظة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"تذكّرنا القراءات الّتي سمعناها بأنّنا جئنا إلى العالم لنقوم من الموت: نحن لم نولد للموت وإنّما للقيامة. في الواقع وكما يكتب القدّيس بولس في القراءة الثانية التي تقدّمها لنا الليتورجية اليوم "أَمّا نَحنُ فمَوطِنُنا في السَّمَوات" وكما يقول يسوع في الإنجيل سنقوم في اليوم الأخير. وبالتّالي يمكننا نحن اليوم أن نتساءل أيضًا: ماذا تقترح عليَّ فكرة القيامة؟ كيف أجيب على دعوتي للقيامة؟

تأتينا المساعدة الأولى من يسوع الذي يقول لنا في إنجيل اليوم: "مَن أَقَبَلَ إِليَّ لا أُلقيهِ في الخارج"، وبالتالي هذه هي دعوته: "تعالوا إليّ". علينا أن نذهب إلى يسوع الحيّ لكي نتلقّح ضدّ الموت وضدّ الخوف من أن ينتهي كلّ شيء. إذهبوا إلى يسوع: قد تبدو دعوة روحيّة متوقّعة وعامّة، ولكن لنحاول أن نجعلها ملموسة طارحين على أنفسنا أسئلة كهذه: هل اقتربت اليوم من الرب من خلال عملي في المكتب؟ هل كان عملي دافعًا لكي أتحاور معه؟ وهل أشركت يسوع في لقائي مع الأشخاص وحملتهم إليه بالصّلاة؟ أم أنّني فعلت كلَّ شيءٍ وأنا غارق في أفكاري أفرح بما يسير بشكل جيّد وأتذمّر لما يسير بشكل سيّء؟ هل أعيش في مسيرة نحو الرّبّ أم أنّني منغلق على ذاتي؟ ما هو اتّجاه مسيرتي؟ هل أسعى فقط لأقدّم صورة جميلة عن نفسي وأحافظ على دوري وأوقاتي وفسحاتي أم أنّني أذهب إلى الرّبّ؟

إنّ جملة يسوع قوية جدًّا: "مَن أَقَبَلَ إِليَّ لا أُلقيهِ في الخارج"؛ لأنّها تبدو كمن يقول إنّ المسيحيّ الّذي لا يذهب إليه سيبقى خارجًا. لكن ليس هناك حلاً وسطيًّا بالنّسبة للّذي يؤمن: لا يمكنك أن تكون ليسوع وأن تنغلق على ذاتك. من هو ليسوع يعيش في انطلاق وخروج نحوه؛ لأنّ الحياة هي خروج وانطلاق دائم: من الحشا الوالديّ للولادة، من الطّفولة للدّخول في المراهقة، ومن المراهقة لحياة البلوغ وهكذا ودواليك، وصولاً على الخروج من هذا العالم.

واليوم، فيما نصلّي من أجل إخوتنا الكرادلة والأساقفة الّذين خرجوا من هذه الحياة ليذهبوا إلى لقاء القائم من الموت لا يمكننا أن ننسى الخروج الأهمّ والأصعب والّذي يعطي معنى لجميع أشكال الخروج الأخرى وهو الخروج من ذواتنا. بخروجنا من أنفسنا فقط نفتح الباب الّذي يقود نحو الرّبّ. لنطلب إذًا هذه النّعمة: "يا ربّ، أرغب في أن آتي إليك، من خلال دروب ورفاق رحلتي اليوميّة. ساعدني على الخروج من ذاتي لكي أذهب إلى لقائك، أنت الّذي هو الحياة".

أرغب في أن أتوقّف عند تأمّل آخر حول القيامة، من القراءة الأولى من التّصرّف النّبيل الّذي قام به يهوذا المكابيّ من أجل الموتى. إذ قام به "لاعتباره أنّ الّذين رقدوا بالتقوى قد ادُّخِر لهم ثوابٌ جميل" (2 مكابيّين 12، 45). إنّها مشاعر الشّفقة الّتي تولّد الثّواب الجميل. لأنَّ الشّفقة تجاه الآخرين تشرِّع أبواب الأبديّة؛ والانحناء على المعوزين وخدمتهم هما المدخل للفردوس. في الواقع وكما يذكّر القدّيس بولس: "المَحبَّةُ لا تَسقُطُ أَبَدًا"، وبالتّالي هي الجسر الّذي يربط الأرض بالسّماء. ولذلك يمكننا أن نسأل أنفسنا إن كنّا نسير قدمًا على هذا الجسر: هل أتأثّر لوضع من هو في عوز؟ هل أبكي من أجل من يتألّم؟ هل أصلّي من أجل الّذين لا يذكرهم أحد؟ هل أساعد من ليس بإمكانه مبادلتي؟

في النّهاية الحافز الثّالث في ضوء القيامة. آخذه من الرّياضات الروحيّة حيث يقترح القدّيس إغناطيوس قبل اتّخاذ أيّ قرار مهمّ أن نتخيّل أنفسنا في حضرة الله في نهاية الأيّام. عندها يكون كلّ خيار نأخذه في الحياة في هذا المنظار موجَّهًا بشكل جيّد، لأنّه أقرب إلى القيامة الّتي هي معنى وهدف الحياة. وبالتّالي فكما تحتسب البداية انطلاقًا من الهدف، وكما يُحكم على البذور انطلاقًا من ثمارها هكذا الحياة يحكم عليها جيّدًا بدءًا من نهايتها وهدفها. لذلك قد يكون تمرينًا مفيدًا من أجل رؤية الواقع بعيني الله وليس بأعيننا فقط، من أجل الحصول على نظرة منبسطة نحو المستقبل والقيامة وليس فقط على الحاضر الّذي يمرّ من أجل القيام بخيارات لها طعم الأبديّة ونكهة المحبّة.

هل أخرج من ذاتي كلّ يوم لكي ألتقي بالرّبّ؟ هل لديّ مشاعر وتصرّفات شفقة تجاه المحتاجين؟ هل آخذ قراراتي المهمّة في حضرة الله؟ لنسمح لأحد هذه الحوافز أن تؤثِّر فينا، وسنكون بتناغم أكبر مع رغبة يسوع في إنجيل اليوم: بألّا يخسر أحدًا من جميع ما أعطاه الآب إيّاه. لذلك ومن بين العديد من أصوات العالم الّتي تجعلنا نفقد معنى الوجود، لنضع أنفسنا في تناغم مع مشيئة يسوع، القائم من الموت والحيّ فنحوِّل الحاضر الّذي نعيشه إلى فجر قيامة."