الفاتيكان
29 حزيران 2023, 13:20

البابا فرنسيس لرؤساء الأساقفة: كونوا رسلًا مثل بطرس وبولس

تيلي لوميار/ نورسات
منح البابا فرنسيس صباحًا، خلال قدّاس عيد مار بطرس وبولس، في بازيليك القدّيس بطرس في الفاتيكان، درع التّثبيت لعدد من رؤساء الأساقفة الجدد.

وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "نحتفل بعيد بطرس وبولس، رسولان مُغرمان بالرّبّ، وعمودان من أعمدة إيمان الكنيسة. وبينما نتأمّل في حياتهما، يأتي إنجيل اليوم للقائنا بالسّؤال الّذي وجّهه يسوع لتلاميذه: "مَن أَنا في قَولِكُم أَنتُم؟". إنّه السّؤال الأساسيّ والأهمّ: من هو يسوع بالنّسبة لي؟ من هو يسوع في حياتي؟ لنرى كيف أجاب الرّسولان على هذا السّؤال.

يمكن تلخيص إجابة بطرس في كلمة واحدة: الاتِّباع. عاش بطرس في اتّباع الرّبّ. وعندما سأل يسوع التّلاميذ في ذلك اليوم في قيصريّة فيلبُّس، أجاب بطرس باعتراف إيمان جميل: "أَنتَ المَسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ". إجابة لا تشوبها شائبة ودقيقة، يمكننا أن نقول إجابة "تعليم مسيحيّ" مثاليّة. لكن هذه الإجابة هي ثمرة مسيرة: وبالتّالي بعد أن عاش المغامرة الرّائعة المتمثّلة في اتّباع الرّبّ، وبعد أن سار معه وتبعه لفترة طويلة، وصل بطرس إلى ذلك النّضج الرّوحيّ الّذي قاده، بالنّعمة، إلى إعلان إيمان واضح بهذه الدّرجة. في الواقع، يخبرنا الإنجيليّ متّى أنّ كلّ شيء قد بدأ في يوم من الأيّام، عندما كانَ يسوعُ سائرًا على شاطِئِ بَحرِ الجَليل، ودعاه مع أخيه أندراوس، "فتَركا الشِّباكَ مِن ذلك الحينِ وتَبِعاه". ترك بطرس كلّ شيء لكي يتبع الرّبّ. ويسلِّط الإنجيل الضّوء على سرعة بطرس: فهو لم يقُل ليسوع أنّه سيفكّر في الأمر، ولم يقم بحسابات ليرى ما إذا كان ذلك يناسبه، ولم يقدّم أعذارًا لكي يؤجِّل القرار، بل ترك الشّباك وتبعه، بدون أن يطلب أيّة ضمانات مسبقة. كان سيكتشف كلّ شيء يومًا بعد يوم، في اتّباع يسوع والسّير خلفه. وبالتّالي ليس من باب الصّدفة أنّ الكلمات الأخيرة الّتي وردت في الأناجيل والّتي وجّهها إليه يسوع هي: "أمّا أنت فاتبعني".

يقول لنا بطرس إذن إنّه على السّؤال "من هو يسوع بالنّسبة لي؟" لا يكفي أن نجيب بصيغة عقائديّة لا تشوبها شائبة أو حتّى بفكرة ثابتة كوَّناها بأنفسنا. لا. وإنّما من خلال اتّباع الرّبّ نحن نتعلّم يوميًّا أن نتعرّف عليه؛ وإذ نصبح تلاميذه ونقبل كلمته، نصبح أصدقاءه ونختبر حبّه الّذي يحوِّلنا. يتردّد لنا نحن أيضًا صدى تلك الإجابة الفوريّة: إذا تمكّنّا من أن نؤجِّل الكثير من الأشياء في الحياة إلّا أنَّه لا يمكننا أن نؤجِّل اتّباع يسوع؛ هناك لا يمكننا أن نتردّد، ولا يمكننا أن نختلق الأعذار. وعلينا أن نتنبّه لأنّ بعض الأعذار قد تتحجّب بالرّوحانيّة، مثل عندما نقول "أنا لست مستحقًّا"، "أنا لست قادرًا"، "ماذا يمكنني أن أفعل؟". هذه حيلة من الشّيطان، تسرق منّا الثّقة في نعمة الله، وتجعلنا نعتقد أنّ كلّ شيء يعتمد على قدراتنا.

علينا أن نبتعد عن ضماناتنا الأرضيّة، فورًا، ونتبع يسوع كلّ يوم: هذه هي الوصيّة الّتي يعطينا إيّاها اليوم بطرس، ويدعونا لكي نكون كنيسة تتبع المسيح. كنيسة ترغب في أن تكون تلميذةً للرّبّ وأَمَةَ الإنجيل المتواضعة. بهذه الطّريقة فقط ستتمكّن من أن تتحاور مع الجميع وتصبح مكانًا للمرافقة والقرب والرّجاء لرجال ونساء زمننا. بهذه الطّريقة فقط، حتّى الّذين هم بعيدون جدًّا وينظرون إلينا غالبًا بارتياب أو لامبالاة سيتمكّنون أخيرًا من أن يُعلنوا معترفين، مع البابا بندكتس: "الكنيسة هي مكان اللّقاء مع ابن الله الحيّ، وبالتّالي هي مكان اللّقاء مع بعضنا البعض".

ونصل إلى رسول الأمم، إذا كانت إجابة بطرس تقوم على الاتّباع، فإنّ إجابة بولس هي الإعلان، إعلان الإنجيل. بالنّسبة له أيضًا، بدأ كلّ شيء بالنّعمة بمبادرة من الرّبّ. على الطّريق إلى دمشق، بينما كان يمضي قدمًا بفخر في اضطهاد المسيحيّين، مُحصَّنًا في قناعاته الدّينيّة، جاء يسوع القائم من بين الأموات للقائه وأعماه بنوره، أو بالأحرى، بفضل ذلك النّور أدرك شاول مدى عماه: وإذ كان منغلقًا في كبرياء تشدّده الصّارم، اكتشف في يسوع اكتمال سرّ الخلاص. وفيما يتعلّق بسموّ معرفة المسيح، فسيعتبر من الآن فصاعدًا كلّ ضماناته البشريّة والدّينيّة "نفايةً". وهكذا كرَّس بولس حياته للسّفر في البرّ والبحر والمدن والقرى، غير آبهٍ بالمصاعب والاضطهادات شرط أن يُعلن يسوع المسيح. وبالنّظر إلى قصّته، يبدو أنّه كلّما كان يعلن الإنجيل، كانت معرفته بيسوع تزيد. لقد سمح له إعلان الكلمة للآخرين بأن يغوص في أعماق سرّ الله؛ فكتب: "الويلُ لي إن لم أُبشِّر!" واعترف قائلاً: "الحياة عندي هي المسيح". وبالتّالي يخبرنا بولس أنّه على السّؤال "من هو يسوع بالنّسبة لي؟" لا يمكن للمرء أن يُجيبَ بتديُّنٍ حميم، يتركنا هادئين بدون أن يحرّكنا القلق بأن نحمل الإنجيل للآخرين. يعلّمنا الرّسول أنّنا ننمو في الإيمان وفي معرفة سرّ المسيح، بقدر ما نصبح مبشّرين به وشهودًا له. هذا الأمر يحدث على الدّوام: عندما نُبشِّر، نُبشَّرُ نحن أيضًا. إنَّ الكلمة الّتي نحملها للآخرين تعود إلينا، لأنّنا بقدر ما سنُعطي سننال أكثر بكثير. إنّه أمر ضروريّ أيضًا للكنيسة اليوم: أن نضع الإعلان في المحور. علينا أن نكون كنيسة لا تمل من أن تُكرِّر لنفسها: "الحياة عندي هي المسيح" و"الويلُ لي إن لم أُبشِّر!". كنيسة بحاجة لأن تُعلن مثل حاجتها للأكسجين لكي تتنفّس، كنيسة لا يمكنها أن تعيش بدون أن تنقل عناق محبّة الله وفرح الإنجيل.

أيّها الإخوة والأخوات، لنحتفل بعيد بطرس وبولس. هما قد أجابا على السّؤال الأساسيّ للحياة- من هو يسوع بالنّسبة لي؟- من خلال اتّباعهما ليسوع وإعلان الإنجيل. ما أجمل أن ننمو ككنيسة تتبع المسيح، ككنيسة متواضعة لا تعتبر البحث عن الرّبّ أبدًا أمرًا مسلَّمًا به. كم هو جميل أن نصبح في الوقت عينه كنيسة منفتحة، لا تجد فرحها في أمور الدّنيا، وإنّما في إعلان الإنجيل للعالم، لكي تزرع في قلوب الأشخاص السّؤال حول الله. فنحمل الرّبّ يسوع إلى كلِّ مكان بتواضع وفرح: إلى مدينتنا روما، إلى عائلاتنا، إلى العلاقات والأحياء، إلى المجتمع المدنيّ، إلى الكنيسة، إلى السّياسة، إلى العالم كلّه، لاسيّما حيث يُعشِّش الفقر والانحطاط والتّهميش.

واليوم، فيما ينال بعض إخوتنا رؤساء الأساقفة درع التّثبيت، علامة الشّركة مع كنيسة روما، أريد أن أقول لهم: كونوا رسلًا مثل بطرس وبولس. كونوا تلاميذًا في اتّباع يسوع ورسلًا في الإعلان، واحملوا جمال الإنجيل إلى كلّ مكان، مع شعب الله بأسره. وأخيرًا، أرغب في أن أوجّه تحيّاتي الحارّة إلى وفد البطريركيّة المسكونيّة، الّذي أرسله إلى هنا أخي العزيز صاحب القداسة برتلماوس. أشكركم على حضوركم: لنمضِ معًا قدمًا، في اتّباع المسيح وإعلان الكلمة، وننمو في الأخوّة، يرافقنا بطرس وبولس ويشفعان بنا."