الفاتيكان
04 كانون الثاني 2021, 07:30

البابا فرنسيس: لقد أصبح الله جسدًا ليقول لك إنّه يحبّك في ضعفك

تيلي لوميار/ نورسات
"في هذا الأحد الثّاني بعد عيد الميلاد، لا تقدّم لنا كلمة الله حدثًا من حياة يسوع، لكنّها تحدّثنا عنه قبل أن يولد. تعيدنا إلى الوراء لتكشف شيئًا عن يسوع قبل أن يأتي بيننا. وتقوم بذلك في مقدّمة إنجيل يوحنّا الّتي تبدأ: "في البدء كان الكلمة". في البدء: هذه هي الكلمات الأولى في الكتاب المقدّس، وهي الكلمات عينها الّتي تبدأ بها قصّة الخلق: "في البدء خلق الله السّماوات والأرض". يقول الإنجيل اليوم إنّ الشّخص الّذي تأمّلنا فيه في ميلاده كطفل، يسوع، كان موجودًا من قبل: قبل بداية الأشياء، قبل الكون، قبل كلِّ شيء. إنّه قبل المكان والزّمان. "فيه كانت الحياة" قبل ظهور الحياة."

بهذه الكلمات استهلّ البابا فرنسيس، ظهر الأحد، كلمته قبل صلاة التّبشير الملائكيّ الّذي تلاه من مكتبة القصر الرّسوليّ بالفاتيكان، وتابع قائلاً بحسب "فاتيكان نيوز":

"يسمّيه القدّيس يوحنّا الكلمة. فماذا يريد أن يقول لنا بهذا؟ إنَّ الكلمات تستخدم للتّواصل: فأنت لا تتحدّث بمفردك، أنت تتحدّث إلى شخص ما. والآن، فإن واقع أنّ يسوع هو الكلمة منذ البدء يعني أنَّ الله يريد منذ البداية أن يتواصل معنا، يريد أن يتحدّث إلينا. وإبن الآب الوحيد يريد أن يخبرنا بجمال كوننا أبناء الله. إنّه "النّور الحقيقيّ" ويريد أن يبعدنا عن ظلمات الشّرّ. إنّه "الحياة" الّتي تعرف حياتنا وتريد أن تخبرنا أنّه قد أحبّها دائمًا. إليكم رسالة اليوم الرّائعة: يسوع هو كلمة الله الأزليّة، الّذي لطالما فكّر فينا ويرغب في التّواصل معنا.

ولكي يقوم بذلك، ذهب أبعد من الكلمات. في الواقع، يقال لنا في قلب إنجيل اليوم إنّ الكلمة "صار جسدًا وحلّ بيننا". لقد صار جسدًا: لماذا يستخدم القدّيس يوحنّا تعبير "جسد"؟ ألم يكن يستطيع أن يقول بطريقة أكثر أناقة إنّه صار إنسانًا؟ لا، بل استخدم كلمة "جسد" لأنّها تدلّ على حالتنا البشريّة بكلّ ضعفها وبكلّ هشاشتها. ويخبرنا أنّ الله جعل نفسه ضعفًا لكي يلمس ضعفنا عن كثب. لذلك، ومنذ أن صار الرّبّ جسدًا، لم يعد هناك شيء غريب عنه في حياتنا، كما لا يوجد أيضًا أيّ شيء يحتقره، وبالتّالي يمكننا أن نتقاسم معه كلّ شيء. أيّها الأخ العزيز، أيّتها الأخت العزيزة، لقد أصبح الله جسدًا ليقول لك إنّه يحبّك هناك، في ضعفك؛ هناك، حيث تشعر بالخجل الشّديد. إنّ قرار الله هذا لشجاع جدًّا، لقد صار جسدًا بالتّحديد حيث غالبًا ما نشعر بالخجل، لقد دخل في خجلنا ليجعل من نفسه أخًا لنا ويتقاسم معنا درب الحياة.

صار جسدًا ولم يتراجع. لم يأخذ بشريّتنا كثوب يلبسه ويخلعه. لا، لم ينفصل عن جسدنا بعد ذلك، ولم يفارقه أبدًا: والآن وإلى الأبد هو في السّماء بجسده البشريّ. لقد اتَّحد إلى الأبد ببشريّتنا، ويمكننا القول إنّه "اقترن بها". في الواقع، يقول الإنجيل إنّه قد جاء ليسكن بيننا. لم يأت لزيارتنا، وإنّما جاء ليسكن معنا ويقيم معنا. فماذا يريد منّا إذًا؟ حميميّة كبيرة. يريدنا أن نشاركه الأفراح والآلام، الرّغبات والمخاوف، الآمال والأحزان، الأشخاص والمواقف. لنفعل ذلك بثقة، لنفتح له قلوبنا، ولنخبره بكلّ شيء. لنتوقّف في صمت أمام المغارة لكي نتذوَّق حنان الله الّذي جعل نفسه قريبًا وصار جسدًا. ولندعُه بدون خوف إلينا، إلى بيتنا، وإلى عائلتنا، وإلى هشاشتنا. سيأتي وستتغيّر الحياة.

لتساعدنا والدة الله القديسة، الّتي أصبح فيها الكلمة جسدًا، لكي نقبل يسوع، الّذي يطرق أبواب قلوبنا لكي يسكن معنا."

بعد تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ حيا الأب الأقدس العائلات والجماعات والمؤمنين، الّذين يتابعون صلاة التّبشير الملائكي عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ وقال: "أجدّد أطيب تمنّياتي لكم جميعًا بالسّنة الّتي بدأت للتّوّ. لنتجنّب كمسيحيّين، الذّهنيّة القدريّة أو السّحريّة: نحن نعلم أنّ الأمور ستتحسّن بقدر ما، وبمساعدة الله، سنعمل معًا من أجل الخير العامّ، ونضع الأشدّ ضعفًا والفقراء في المحور. نحن لا نعرف ما يخبّئه لنا عام 2021، ولكن ما يمكن لكلّ فرد منّا ولنا جميعًا أن نفعله هو أن نلتزم أكثر بالعناية ببعضنا البعض وبالخليقة، بيتنا المشترك.

صحيح، أنَّ هناك تجربة العناية فقط بمصالحنا الشّخصيّة، والاستمرار في شنّ الحرب- على سبيل المثال- والتّركيز فقط على الملفّ الاقتصاديّ، والعيش بشكل تمتّعي، أيّ في السّعي لإشباع رغباتنا فقط... هناك، هذه التّجربة. قرأت شيئًا في الصّحف أحزنني بما فيه الكفاية: في أحد البلدان، لا أتذكّر أيّ بلد، للهروب من الإغلاق والحصول على عطلة جيّدة، غادرت أكثر من أربعين طائرة بعد ظهر ذلك اليوم. لكن هؤلاء الاشخاص، الّذين هم أناس طيّبون، لم يفكّروا في الّذين بقوا في بيوتهم، أو في المشاكل الاقتصاديّة للعديد من الأشخاص الّذين شلّهم الإغلاق، كما أنّهم لم يفكّروا في المرضى. فكّروا فقط في أخذ إجازة والاستمتاع. وهذا أمر يؤلمني كثيرًا.

أوجّه تحيّة خاصّة إلى جميع الّذين يبدؤون العام الجديد بصعوبات أكبر: بالمرضى والعاطلين عن العمل والّذين يعيشون في أوضاع من الاضطهاد أو الاستغلال. كما أرغب في أن أحيّي بمودّة جميع العائلات، ولاسيّما تلك الّتي يوجد فيها أطفال صغار أو تلك الّتي تنتظر ولادة طفل جديد. إنّ ولادة طفل جديدة هي على الدّوام وعد بالرّجاء: أنا قريب من هذه العائلات. ليبارككم الرّبّ.

أتمنّى للجميع أحدًا مباركًا في التّأمّل على الدّوام في يسوع الّذي تجسّد لكي يقيم معنا على الدّوام في الأمور الجيّدة كما في تلك السّيّئة. ومن فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي."