الفاتيكان
29 حزيران 2022, 11:50

البابا فرنسيس منح درع التّثبيت لعدد من رؤساء الأساقفة في عيد مار بطرس وبولس

تيلي لوميار/ نورسات
منح البابا فرنسيس صباحًا درع التّثبيت لعدد من رؤساء الأساقفة المعيّنين حديثًا، في قدّاس إلهيّ ترأّسه في بازيليك القدّيس بطرس بالفاتيكان في عيد القدّيسين الرّسولين بطرس وبولس.

وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "إنَّ شهادة الرّسولين العظيمين بطرس وبولس تعيش اليوم مجدّدًا في ليتورجية الكنيسة. قال ملاك الرّبّ إلى الأول، الّذي أرسله الملك هيرودس إلى السّجن: " قُمْ على عَجَل"؛ أمّا الثّاني، وإذ يلخِّص حياته كلّها ورسالته، يقول: "جاهَدتُ جِهادًا حَسَنًا". لنلقِ نظرة على هذين الجانبين– النّهوض على عجَل ومجاهدة الجهاد الحسن- ولنسأل أنفسنا ما الّذي يقترحاه على الجماعة المسيحيّة اليوم، فيما تتمُّ العمليّة السّينودسيّة.

أوّلاً يخبرنا سفر أعمال الرّسل عن اللّيلة الّتي تحرّر فيها بطرس من قيود السّجن؛ ضَرَبَه المَلاكُ على جَنبِه فأَيقَظَه وقالَ له: "قُمْ على عَجَل". أيقظه وطلب منه أن ينهض. هذا المشهد يُذكّرنا بعيد الفصح، لأنّنا نجد هنا الفعلين المستخدمين في روايات القيامة: الاستيقاظ والنّهوض. هذا يعني أنّ الملاك أيقظ بطرس من نوم الموت ودفعه لكي ينهض، أيّ ليقوم، ويخرج إلى النّور، ويسمح للرّبّ أن يقوده لكي يعبر عتبة جميع الأبواب المغلقة. إنّها صورة مهمّة للكنيسة. نحن أيضًا، كتلاميذ للرّبّ وكجماعة مسيحيّة، مدعوّون لكي ننهض على عَجَل لكي ندخل في ديناميكيّة القيامة ونسمح للرّبّ أن يقودنا على الدّروب الّتي يريد أن يرينا إيّاها.

ما زلنا نواجه العديد من المقاومة الدّاخليّة الّتي لا تسمح لنا بالتّحرّك. وأحيانًا، ككنيسة، يغمرنا الكسل ونفضّل أن نبقى جالسين ونتأمّل في الأشياء القليلة الآمنة الّتي نملكها، بدلاً من أن ننهض لكي نلقي نظرة على آفاق جديدة، على البحر المفتوح. غالبًا ما نكون مُقيَّدين بالسّلاسل مثل بطرس في سجن العادات، خائفين من التّغييرات ومُقيّدين بسلسلة عاداتنا. لكنّنا بهذه الطّريقة ننزلق في الرّداءة الرّوحيّة، ونخاطر بأن نعيش على هامش الحياة حتّى في الحياة الرّعويّة، فيتلاشى حماس الرّسالة، وبدلاً من أن نكون علامة على الحيويّة والإبداع، ينتهي بنا الأمر بإعطاء انطباع بالفتور والجمود. "عندها يصبح التّيّار العظيم للحداثة والحياة، أيّ الإنجيل- كما كتب الأب دي لوباك- بين أيدينا إيمانًا "يقع في الشّكليّة والعادة، دين احتفالات وتقوى، وزخرفات وتعزيات مبتذلة. مسيحيّة إكليروسيّة، مسيحيّة شكليَّة، مسيحيّة باهتة ومتشدّدة.

إنّ السّينودس الّذي نحتفل به يدعونا لكي نصبح كنيسة تنهض وتقف، غير منغلقة على نفسها، قادرة على أن تدفع نظرها إلى ما هو أبعد والخروج من سجونها لكي تذهب للقاء العالم. كنيسة بلا قيود وجدران، يشعر فيها الجميع بالاستقبال والمرافقة، ويتمّ فيها تعزيز فنّ الإصغاء والحوار والمشاركة، تحت سلطة الرّوح القدس الوحيدة. كنيسة حرّة ومتواضعة، "تقوم على عجَل"، ولا تتباطأ، ولا تؤخّر تحدّيات اليوم، ولا تبقى في الحظائر المقدّسة، بل تسمح بأن يحرّكها شغف إعلان الإنجيل والرّغبة في الوصول إلى الجميع واستقبال الجميع.

أعادت لنا القراءة الثّانية بعد ذلك كلمات القدّيس بولس الّذي استرجع حياته كلّها مؤكِّدًا: "لقد جاهَدتُ جِهادًا حَسَنًا". ويشير بولس الرّسول إلى المواقف الّتي لا تعدّ ولا تحصى، والّتي تميّزت أحيانًا بالاضطهاد والألم، والّتي لم يوفِّر فيها نفسه في إعلان إنجيل يسوع. والآن، في نهاية حياته، يرى أنّه لا يزال هناك في التّاريخ معركة كبيرة قائمة، لأنّ هناك كثيرين غير مستعدّين لقبول يسوع، ويفضِّلون اتّباع مصالحهم الخاصّة ومعلّمين آخرين. لقد جاهد بولس جهاده، والآن بعد أن أنهى السّباق، يطلب من تيموتاوس وإخوة الجماعة أن يواصلوا هذا العمل بالسّهر والإعلان والتّعليم: بإختصار، يجب على كلّ فرد أن يتمِّم الرّسالة الموكلة إليه ويقوم بدوره.

إنّها كلمة حياة بالنّسبة لنا أيضًا، توقظ الإدراك لكيف أنّ كلّ فرد في الكنيسة مدعوّ ليكون تلميذًا مرسلاً ويقدّم إسهامه الخاصّ. وهنا يتبادر إلى ذهني سؤالان. الأوّل: ماذا يمكنني أن أفعل للكنيسة؟ ألّا أتذمّر على الكنيسة، وإنّما أن ألتزم من أجل الكنيسة. أن أشارك بشغف وتواضع: بشغف، لأنّه لا يجب أن نبقى متفرّجين سلبيّين؛ بتواضع، لأنّ الالتزام في الجماعة لا يجب أن يعني أبدًا احتلال مركز الصّدارة والشّعور بأنّنا أفضل من الآخرين ونمنعهم من الاقتراب. الكنيسة السّينودسيّة تعني: مشاركة الجميع، لا أحد بدلاً من الآخرين أو فوق الآخرين. لكن المشاركة تعني أيضًا المضيّ قدمًا في "الجهاد الحسن" الّذي يتحدّث عنه القدّيس بولس. إنّها في الواقع "معركة"، لأنّ إعلان الإنجيل ليس محايدًا، ولا يترك الأمور كما هي، ولا يقبل التّسوية مع منطق العالم، بل على العكس، يشعل نار ملكوت الله حيث تسود الآليّات البشريّة للسّلطة والشّرّ والعنف والفساد والظّلم والتّهميش. منذ أن قام يسوع المسيح من الموت، جعل نقطة فاصلة في التّاريخ، بدأت معركة عظيمة بين الحياة والموت، بين الرّجاء واليأس، بين الاستسلام للأسوأ والنّضال من أجل الأفضل، معركة لن تكون لها هدنة حتّى الهزيمة النّهائيّة لجميع قوى الكراهيّة والدّمار.

ثمّ السّؤال الثّاني هو: ماذا يمكننا أن نفعل معًا، ككنيسة، لنجعل العالم الّذي نعيش فيه أكثر إنسانيّة، وأكثر عدلاً، وأكثر تضامنًا، وأكثر انفتاحًا على الله والأخوَّة بين البشر؟ لا يجب علينا بالتّأكيد أن ننغلق على ذواتنا في حلقاتنا الكنسيّة وأن نثبّت أنفسنا في بعض مناقشاتنا العقيمة، وإنّما علينا أن نساعد بعضنا البعض لكي نكون خميرًا في عجينة العالم. معًا يمكننا بل يجب علينا أن نعمل من أجل رعاية الحياة البشريّة، وحماية الخليقة، وكرامة العمل، ومشاكل العائلات، ووضع المسنّين والّذين تمّ التّخلّي عنهم، والمنبوذين والمحتقرين. بإختصار، علينا أن نكون كنيسة تعزّز ثقافة الرّعاية والرّحمة تجاه الضّعفاء وتكافح ضدّ جميع أشكال التّدهور، بما في ذلك تدهور مدننا والأماكن الّتي نتردّد عليها، لكي يسطع فرح الإنجيل في حياة كلّ فرد: هذا هو "جهادنا الحسن".

أيّها الإخوة والأخوات، اليوم، ووفقًا لتقليد جميل، يتلقّى رؤساء الأساقفة المعيّنون حديثًا درع التّثبيت. وبالشّركة مع بطرس، يُدعون لكي "يقوموا على عجَل" ليكونوا حرّاسًا متيقّظين للقطيع و"يجاهدوا الجهاد الحسن"، ليس بمفردهم أبدًا، وإنّما مع شعب الله المقدّس والأمين. أحيّي بحرارة وفد البطريركيّة المسكونيّة الّذي أرسله الأخ العزيز برتلماوس. شكرًا لحضوركم هنا! لنسر معًا، لأنّنا فقط معًا يمكننا أن نكون بذارًا للإنجيل وشهودًا للأخوَّة. ليشفع بنا القدّيسان بطرس وبولس، وبمدينة روما والكنيسة والعالم بأسره. آمين".