الفاتيكان
20 نيسان 2020, 07:55

البابا فرنسيس يحذّر من خطر فيروس أسوأ من كورونا

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس البابا فرنسيس يوم الأحد القدّاس الإلهيّ في كنيسة الرّوح القدس في ساسيا في روما احتفالًا بعيد الرّحمة الإلهيّة، وألقى عظة جاء فيها بحسب ما أورد "فاتيكان نيوز":

"لقد احتفلنا يوم الأحد الماضي بقيامة المعلّم، واليوم نشهد على قيامة التّلميذ. لقد مرّ أسبوع، أسبوع عاشه التّلاميذ، بالّرغم من أنّهم قد رأوا القائم من الموت، بالخوف والأبواب مغلقة وبدون أن يتمكّنوا من إقناع توما الذي كان غائبًا بالقيامة. وماذا فعل يسوع إزاء عدم الإيمان والخوف؟ عاد ووقف مجدّدًا، بالطّريقة عينها، بين التّلاميذ وكرّر لهم السّلام عينه: "السّلام عليكم!". لقد بدأ من جديد. من هنا تبدأ قيامة التّلميذ، من هذه الرّحمة الأمينة والصّبورة ومن الاكتشاف بأنّ الله لا يتعب أبدًا من أن يمدَّ لنا يده لكي يُنهضنا من سقطاتنا. هو يريدنا أن نراه هكذا: لا كسيِّدٍ علينا أن ننظِّم حساباتنا معه وإنّما كأبينا الذي يُنهضنا على الدّوام. نحن نسير في حياتنا متعثِّرين كطفلٍ قد بدأ بالسّير ولكنّه يسقط؛ يقوم ببضع خطوات ويسقط مجدّدًا، يسقط ويسقط مجدّدًا وفي كلِّ مرّة ينهضه أبوه مجدّدًا. إنّ اليد التي تنهضنا هي الرّحمة على الدّوام: إنَّ الله يعرف أننا وبدون رحمة نبقى أرضًا وأنّه لكي نسير نحن بحاجة لمن يُنهضنا.

قد يعترض أحدكم قائلًا: "ولكنني أسقط على الدّوام!". إنَّ الرّبّ يعرف ذلك وهو مستعدٌّ على الدّوام لكي يُنهضك مجدّدًا. هو لا يريدنا أن نفكّر بسقطاتنا باستمرار وإنّما أن ننظر إليه هو الذي يرى في سقطاتنا أبناء عليه أن يُنهضهم وفي بؤسنا أبناء عليه أن يحبّهم برحمة. واليوم من هذه الكنيسة التي أصبحت مزارًا للرّحمة وفي الأحد الذي، ولعشرين سنة خلت، خصّصه القدّيس يوحنّا بولس الثّاني للرّحمة الإلهيّة نقبل بثقة هذه الرّسالة. قال يسوع للقدّيسة فاوستينا: "أنا الحبّ والرّحمة ولا يوجد بؤس يمكنه أن يتصدّى لرحمتي". وفي إحدى المرّات قالت القدّيسة ليسوع بفرح إنّها قد قدّمت له حياتها بأسرها وكل ما كانت تملكه. لكنّ جواب يسوع صدمها إذ قال لها: "لم تقدّمي لي ما هو لكِ فعليًّا". فبماذا قد احتفظت تلك الرّاهبة القدّيسة لنفسها؟ قال لها يسوع بلطف: "يا ابنتي، أعطني بؤسك". يمكننا نحن أيضًا أن نسأل أنفسنا: "هل أعطيتُ بؤسي للرّبّ؟ هل أظهرتُ له سقطاتي لكي يُنهضني؟" أم أنَّ هناك شيئًا أحتفظ به في داخلي؟ خطيئة ما أو ندم من الماضي أو جرح أحمله في داخلي أو حقد تجاه أحد الأشخاص أو فكرة معيّنة حول شخص ما... إنّ الرّبّ ينتظر أن نحمِل إليه بؤسنا لكي يجعلنا نكتشف رحمته.

نعود إلى التّلاميذ. كانوا قد تركوا الرّبّ خلال آلامه وكانوا يشعرون بالذّنب. لكنّ يسوع عندما التقاهم لم يوبّخهم، وإنّما إذ كانوا مجروحين في داخلهم أظهر لهم جراحه. لمس توما هذه الجراح واكتشف الحبّ، وكم تألّم يسوع من أجله هو الذي تركه. في تلك الجراح لَمَسَ لَمسَ اليد قرب الله الحنون. كان توما قد وصل متأخِّرًا ولكنّه عندما عانق الرّحمة تخطّى التّلاميذ الآخرين: فهو لم يؤمن بالقيامة وحسب وإنّما أيضًا بمحبّة الله التي لا تعرف الحدود. وقام باعتراف الإيمان الأبسط والأجمل: "رَبِّي وإِلهي!". هذه هي قيامة التّلميذ وقد تمّت عندما دخلت بشريّته الضّعيفة والمجروحة في بشريّة يسوع. هناك تتبدّد الشّكوك وهناك يصبح الله "إلهي"، هناك أيضًا نبدأ مجدّدًا بقبول ذواتنا ومحبّة حياتنا. أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، في هذه المحنة التي نعيشها، نحن أيضًا على مثال توما بمخاوفنا وشكوكنا قد وجدنا أنفسنا ضعفاء. نحن بحاجة للرّبّ الذي يرى فينا، أبعد من ضعفنا، جمالًا لا يمكن قمعه. معه نكتشف مجدّدًا بأنّنا ثمينين في ضعفنا وهشاشتنا. نكتشف بأننا كبلّور جميل، هش وثمين في الوقت عينه، وأنّه إن كنا كالبلّور شفّافين أمامه فسيسطع نورُه، نور الرّحمة، فينا وفي العالم من خلالنا. هذا هو السّبب لكي، وكما قال لنا القدّيس بطرس في رسالته نهتزَّ فَرَحًا، مَع أَنَّهُ لا بُدَّ لنا مِنَ الاغتِمامِ حينًا بِما يُصيبنا مِن مُختَلِفِ المِحَن.  

في عيد الرّحمة الإلهيّة هذه يصل الإعلان الأجمل من خلال التّلميذ الذي وصل متأخّرًا. وحده كان غائبًا لكنَّ الرّبّ انتظره. إنّ الرّحمة لا تترك الذي يبقى في الخلف. والآن فيما نفكّر في العودة إلى الأوضاع الطّبيعية بعد الوباء يتسلّل إلينا هذا الخطر: أن ننسى الذي بقي في الخلف. فالخطر هو بأن نصاب بفيروسٍ أسوأ وهو فيروس الأنانية اللّامبالية. وينتقل من خلال فكرة أنَّ الحياة تصبح أفضل إن أصبحت أفضل بالنّسبة لي، وبأن كل شيء سيكون على ما يرام إن سارت الأمور على ما يرام بالنّسبة لي. ننطلق من هنا ونصل إلى اختيار الأشخاص وتهميش الفقراء والتّضحية بمن بقي في الخلف على مذبح التّقدّم والتّطوّر. لكن هذا الوباء قد ذكّرنا بأنّه لا يوجد اختلافات وحدود بين الذين يتألّمون. جميعنا ضعفاء وجميعنا متساوون وجميعنا قيّمون. إنَّ ما يحصل يهزّنا في داخلنا: لقد حان الوقت لإزالة عدم المساواة وإصلاح الظّلم الذي يهدِّد جذور سلامة البشريّة بأسرها! لنتعلّم من الجماعة المسيحيّة الأولى التي يصفها لنا كتاب أعمال الرّسل. كانت قد نالت الرّحمة وتعيش برحمة: "وكانَ جَميعُ الَّذينَ آمنوا جماعةً واحِدة، يَجعَلونَ كُلَّ شَيءٍ مُشتَرَكًا بَينَهم، يَبيعونَ أَملاكَهم وأَمْوالَهم، ويَتَقاسَمونَ الثَّمَنَ على قَدْرِ احتِياجِ كُلٍّ مِنْهُم". وهذه ليست إيديولوجيّة وإنّما هي المسيحيّة.

في تلك الجماعة، وبعد قيامة يسوع، شخص واحد كان قد بقي في الخلف والآخرون انتظروه. أمّا اليوم فيبدو العكس: جزء صغير من البشريّة قد سار قدمًا فيما بقيت الأكثريّة في الخلف. ويمكن لكلِّ فردٍ منّا أن يقول: "إنّها مشاكل مُعقّدة، وليس من واجبي أن أعتني بالمعوزين وإنّما هذا واجب الآخرين!". كتبت القدّيسة فاوستينا بعد أن التقت بيسوع: "علينا أن نرى في كلّ نفس متألّمة يسوع المصلوب ولا طفيليًّا أو ثقلًا لنا... يا ربّ أنت تعطينا الإمكانيّة لنتمرّس في أعمال الرّحمة ونحن نتمرّس في إطلاق الأحكام". وفي أحد الأيام تذمَّرَت هي أيضًا على يسوع لأنّه عندما يكون المرء رحومًا يتمُّ اعتباره ساذجًا وقالت: "يا ربّ، غالبًا ما يتمُّ استغلال طيبتي"، فقال لها يسوع: "لا يهمُّ يا ابنتي، ولا تكترثي لهذا الأمر وإنّما كوني على الدّوام رحومة مع الجميع". مع الجميع: أيّ لا يجب أن نفكّر فقط بمصالحنا وبالمصالح الخاصّة. لنقبل هذه المحنة كفرصة لكي نُعدَّ المستقبل للجميع لأنّه وبدون نظرة عامّة وشاملة لن يكون هناك مستقبل لأحد."

وإختتم البابا بالقول "إنّ محبّة يسوع العزلاء والسّاحرة تقيم اليوم قلب التّلميذ. لنقبل نحن أيضًا، على مثال توما الرّسول، الرّحمة، خلاص العالم. ولنكن رحماء مع الأشدّ ضعفًا: هكذا فقط سنبني مجدّدًا عالمًا جديدًا."