الفاتيكان
05 كانون الثاني 2019, 06:02

البابا فرنسيس يدعو أساقفة الولايات المتّحدة إلى التّيقّظ

بدأ أساقفة الولايات المتحدة الكاثوليك في 2 كانون الثّاني/ يناير رياضةً روحيّةً تستمرّ حتّى 8 منه. ولهذه المناسبة وجّه إليهم البابا فرنسيس رسالةً ذكّر في بدايتها بأنّه قد نصحهم خلال لقائه رئاسة المجلس في 13 أيلول/ سبتمبر المنصرم بتنظيم هذه الرّياضة الرّوحيّة كزمن خلوة وصلاة وتمييز لما لها من أهميّة كبيرة بالنّسبة لمسيرة لمواجهة أزمة المصداقيّة التي يمرّ بها أساقفة الولايات المتّحدة ككنيسة، والرّد على هذه الأزمة انطلاقًا من الإنجيل؛ وتابع فرنسيس قائلاً بحسب "فاتيكان نيوز":

 "أرغب في مرافقتكم أنتم أساقفة الولايات المتّحدة ليومين في هذه الرّياضة الرّوحيّة، لكنّني لن أتمكّن من ذلك لأسباب لوجستيّة. وأنا أشعر بالفرح لقبول الأساقفة أن يقود هذه الرّياضة الرّوحيّة واعظ القصر الرّسوليّ. كما أرغب في أن أتأمّل مع الأساقفة كأخ في بعض الجوانب التي أعتبرها هامّة، وتحفيزكم في الصّلاة والخطوات التي تقومون بها لمحاربة "ثقافة التّعدّي" ومواجهة أزمة المصداقيّة. 

وأُريد أن أتوقّف عند كلمات يسوع "فلَيسَ الأَمرُ فيكم كذلِك. بل مَن أَرادَ أَن يَكونَ كَبيرًا فيكم، فَلْيَكُنْ لَكُم خادِمًا. ومَن أَرادَ أَن يكونَ الأَوَّلَ فيكم، فَلْيَكُنْ لأَجمَعِكم عَبْدًا". إنّ يسوع بهذه الكلمات أراد نهاء النّقاش بين التّلاميذ الذين أعربوا عن إستيائهم من طلب يعقوب ويوحنّا أن يجلسا أحدهما عن يمين يسوع والآخر عن شماله في مجده. وأدعوكم إلى أن تكون هذه الكلمات المرشدة للتّأمل الذي أُريد أن أقوم به معكم. وإنّ الإنجيل لا يخشى كشف وإيضاح التّوترات والتّناقضات وردود الأفعال في حياة جماعة التّلاميذ الأولى. وانّنا مدعوّون كجماعة إلى التّيقّظ كي تكون هذه اللّحظات وقراراتنا، واختياراتنا وأفعالنا، ردًّا للرّبّ الذي هو حياة العالم. وبالتّالي تأتي أهميّة اليقظة والتّمييز كي تكون لدينا قلوب متحرّرة ممّا يبدو يقينا، وذلك للإصغاء إلى ما يحسن عند اللّه في الرّسالة التي أوكلت إلينا. وإنّ أفعالاً كثيرةً قد تكون مفيدة وجيّدة وضروريّة وقد تبدو صحيحة، لكنّها تفتقد إلى مذاق الإنجيل، ومن هنا ضرورة التّنبّه كي لا يكون العلاج أسوأ من المرض، وهذا أمر يتطلّب الحكمة والصّلاة، الكثير من الإصغاء وشركة أخويّة. 

أمّا في ما يتعلّق بالفضائح التي ضربت مصداقيّة الكنيسة في الولايات المتّحدة، وعن الضّحايا الذين تعرّضوا لتعدّيات سلطة وضمير وتعدّيات جنسيّة، فإنّ مصداقيّة الكنيسة قد أصبحت موضع نقاش بسبب هذه الخطايا والجرائم، ولكن بشكل خاصّ بسبب الرّغبة في إخفائها. والوعي بأنّ هذه الخطايا والجرائم وتبعاتها على الأصعدة الكنسيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة قد تركت أثرًا وجرحًا عميقًا في قلب المؤمنين، وهو أمر يُستغل في أحيان كثيرة للتّشكيك في الحياة التي يهبها مسيحيّون كثر. وإنّ كلمة الإنجيل حين تصبح شهادة غير مريحة يكون هناك مَن يريد إسكاتها بالإشارة إلى خطايا وتناقضات أعضاء الكنيسة ورعاتهم.

وإنّ محاربة هذه التّعديات وجرح المصداقية، وأيضًا التّخبّط، تتطلّب منّا تصرّفًا جديدًا وحاسمًا، ولا يمكن حلّ الأمر بمراسيم أو تشكيل لجان جديدة أو تحسين أجهزة العمل، أيّ بمجرّد إجراءات تنظيميّة. وبالتّالي، لدينا حاجة إلى ارتداد في الأذهان، في أسلوب صلاتنا والتّعامل مع السّلطة والمال. هناك حاجة في هذه المرحلة الجديدة، إلى رعاة لديهم قدرة كبيرة على التّمييز. كذلك، أريدُ لفت الأنظار إلى تهديد اللّحظات الصّعبة أيضًا لشركتنا الأخويّة، إلّا أنّ هذه اللّحظات يمكنها أن تصبح لحظات نعمة تعزّز تكريس أنفسنا للمسيح وتمنح تكريسنا هذا مصداقيّة. وهذه المصداقيّة، هي ثمرة جسد واحد يعترف بخطاياه ومحدوديّته، قادر على تأكيد الحاجة إلى ارتداد. ومن هنا ضرورة الابتعاد في علاقاتنا عن التّكذيب والاستهانة، وأذكّركم في هذا السّياق بما كتبت في الإرشاد الرّسوليّ "افرحوا وابتهجوا: "إنّ غياب اعترافنا الصّادق، والبائس والمُصلّي، بمحدوديّتنا، هو الذي يمنع النّعمة من العمل فينا بشكل أفضل، إذ إنّه لا يترك لها فسحة لكي تولِّد ذاك الخير الممكن الذي يندمج في مسيرة نمو صادقة وحقيقيّة" (50).

ونحن بحاجة أيضًا إلى أبوّة روحيّة جماعيّة تحاول أن تتعلّم الإصغاء إلى صوت الرّبّ. وإنّ المصداقيّة تولد من الثّقة، والثّقة تولد من الخدمة الصّادقة واليوميّة، المتواضعة والمجّانيّة إزاء الجميع. وكلّنا مدعوّون إلى القداسة والتي تحمينا من السّقوط في معارضة زائفة ومن الصّمت أمام بيئة تميل إلى الكراهية والتّهميش والعنف بين الأخوة. والرّبّ كان يعلم أنّ التّوجّه الأكبر للتّلاميذ في لحظة الصّليب سيكون لغياب الوحدة والانقسام، وأيضًا التّحرر من هذه اللّحظة، ولهذا طلب يسوع من الآب أن يحفظهم ليكونوا واحدًا ولا يهلك منهم أحد.