أميركا
26 كانون الثاني 2019, 14:45

البابا فرنسيس يدعو الشّبّان السّجناء إلى فتح نافذة القلب، نافذة الحبّ الذي هو يسوع

في إطار زيارته الرّسوليّة إلى باناما، لمناسبة اليوم العالمي للشّباب، احتفل البابا فرنسيس ظهر الجمعة برتبة التّوبة مع فتية سجن القاصرين، مركز لاس غارساس، في باكورا بالقرب من العاصمة باناما بحسب "فاتيكان نيوز".

وكان في استقبال الحبر الأعظم لدى وصوله رئيس أساقفة باناما ومديرة المركز. هذا، وتحدّث أوّلًا أحد الشّباب المحتجزين والبالغ من العمر 21 سنة، لويس أوسكار مارتينيس، مقدّمًا شهادته. وتكلّم عن حياته الصّعبة حيث هجر أبوه أمّه حين كان في عامه الأوّل لتواجه أمّه معركة الحياة لتربية لويس أوسكار وشقيقه وشقيقته. وتحدّث الشّاب عن شعوره بفراغ في أعماقه بسبب غياب الأب، وتابع أنّ اللّه قد لمس قلبه عام 2015؛ فقرّر أن يقبل المسيح ربّه ومخلّصه، وهكذا أصبح لديه أب كما ذكر. إلّا أنّه تعثّر عقب ذلك، تابع الشّاب في إشارة إلى ارتكابه جريمة، ما أدّى إلى سجنه في نيسان 2016، وتحدّث عن صعوبة فترة السّجن في بدايتها، وقال إنّه في إحدى اللّيالي عقب نقله إلى هذا المركز، شعر بأنّ هذه ليست النّهاية، وأكّد لويس أوسكار بالتّالي، قناعته بأنّ اللّه الآب كان معه، وتحدّث عن نعمة ومحبّة اللّه التي تجعله في هذه اللّحظة يتحدّث إلى الأب الأقدس. وشكر اللّه أيضًا على الأشخاص الذين يساعدونه في هذا المركز حيث تمكَّن من مواصلة الدّراسة، ثم شكر البابا فرنسيس على الإصغاء إليه.

 

وفي عظته، إنطلق البابا فرنسيس من القراءة الإنجيليّة، من إنجيل القدّيس لوقا، والذي يحدّثنا عن تذمّر الفريسيّين والكتبة من تصرّف يسوع "هذا الرَّجُلُ يَستَقبِلُ الخاطِئينَ ويَأكُلُ مَعَهم" (لوقا 15، 1)؛ وقال:

"هؤلاء أرادوا نزع الثّقة عن يسوع إلّا أنّهم، في المقابل، قد سلّطوا الضّوء على أحد أفعاله الأكثر اعتيادًا وتميّزًا وجمالًا، أيّ استقباله الخاطئين وأكله معهم. جميعنا خطأة، وعلينا أن نعترف بهذا. يسوع الذي لا يخشى الاقتراب ممّن يحملون لأسباب مختلفة ثقل الكره الاجتماعيّ مثل العشّارين، أو ثقل خطاياهم وأخطائهم مثل الخاطئين. وإنّ يسوع يفعل هذا لعلمه بأنّ "الفَرَح في السَّماءِ بِخاطِئٍ واحِدٍ يَتوبُ أَكثَرَ مِنه بِتِسعَةٍ وتِسعينَ مِنَ الأَبرارِ لا يَحتاجونَ إِلى التَّوبَة" (راجع لوقا 15، 7). أمّا من لا يفعلون شيئًا سوى الثّرثرة والتّذمّر، فيغلقون الباب أمام الارتداد والحوار مع يسوع الذي لا يخشى ما يمكن أن يقال عنه ويدعو دائمًا إلى النّظر إلى أفق قادر على تجديد الحياة.

هناك أفق أمام الجميع، ولمن لا يرى هذا الأفق "إفتح النّافذة فستراه، افتح نافذة قلبك، نافذة الحبّ الذي هو يسوع وستجد هذا الأفق.

 

 وعن النّظرة الأولى، نظرة مَن يثرثر والتي توجد اليوم أيضًا، كثيرين من يرفضون لاختيار يسوع القرب وتوفير فرص جديدة. وفي هذا السّياق، إنّه من السّهل منح صفات وتصنيفات لا تطبع حاضر الأشخاص فقط، بل وأيضًا حاضرهم ومستقبلهم، تصنيفات لا تؤدّي سوى إلى التّفرقة: هنا الصّالحون وهنا الأشرار، هنا الأبرار وهنا الخطأة. ويسوع لا يقبل هذا، أيّ ثقافة النّعت وتعريف الأشخاص بالصّفات، بينما اسم الشّخص هو مَن هو وماذا يفعل، ما هي أحلامه وبماذا يشعر في قلبه. وأدعوكم إلى اليقظة أمام خطر السّقوط في هذا التّصرّف، لأنّه يرفع جدارًا غير مرئي، يوحي بأنّ التّهميش والفصل والعزل تحلّ المشاكل بسهولة. وإنّ المجتمع حين يفعل هذا، فهو يدخل في حلقة مفرغة من الانقسام والتّوبيخ والإدانة.

 

أمّا النّظرة الأخرى، نظرة الارتداد، فهي تلك التي تميّز الإنجيل بكامله، وهي تولد من قلب اللّه الذي لا يتركنا أبدًا، بل يدعونا إلى أن نتوجّه إليه وينتظرنا ويعانقنا، وإن لم نعثر على الطّريق يمضي في طلبنا كما يفعل الرّاعي مع الخروف الضّال. فالرّبّ يريد الاحتفال بأبنائه العائدين (راجع لو 15، 11-32)، وهذا ما شهد له يسوع مظهرًا حتى أقصى الحدود محبّة الآب الرّحومة.

والمحبّة لا وقت لديها للثّرثرة، بل تحاول كسر دائرة النّقد غير المجدي واللّامباليّ، محبّة محايدة تقبل تعقيدات الحياة وكلّ وضع، محبّة تطلق آليّة قادرة على تقديم طرق وفرص للتّكامل والتّحوّل، الشّفاء والمغفرة، دروب خلاص.

 

يسوع بتناوله الطّعام مع العشّارين والخاطئين يكسر منطقًا يفصل ويستبعد، منطقًا يعزل ويفرّق بشكل خاطئ بين صالحين وأشرار، ولا يقوم يسوع بهذا من خلال مراسيم أو بالنّوايا الطّيبة فحسب، بل بخلق روابط قادرة على توفير مسيرات جديدة.

 

يسوع قد كسر ثرثرة يصعب اكتشافها، ثرثرة تمزّق الأحلام، لأنّها تكّرر بشكل متواصل: لن تتمكّن. وأحذّركم من هذه الثّرثرة الدّاخليّة التي تظهر لدى من يبكي بسبب خطيئته ويعي خطأه، لكنّه لا يؤمن بالقدرة على التّغيير. والإنجيل يحدّثنا عن أنّ أحد عشرًا من التّلاميذ الاثني عشر ارتكبوا خطايا كبيرة، فمنهم من ترك المعلّم ومن أنكره ومن خانه، إلّا أنّ يسوع قد بحث عنهم واحدًا واحدًا وهم مَن غير العالم. يجب بالتّالي، وانطلاقًا من محبّة يسوع هذه حتّى بعد الخيانة، تفادي السّقوط في الاعتقاد بعدم وجود أمل.

وإنطلاقا من نظرة يسوع هذه، إنّ كل واحد منّا هو أكثر من التّصنيف الذي يحمله والصّفات التي يمنحوننا إيّاها والإدانة الصّادرة ضدّنا، وهذا ما يعلّمنا إيّاه يسوع وما يدعونا إلى أن نؤمن به. وأدعوكم، في هذا السّياق، إلى عدم الإصغاء إلى الثّرثرة، بل إلى الأصوات التي تحفّزنا على النّظر إلى الأمام، لا تلك التي تجذبنا إلى الأسفل.

والرّجاء المسيحيّ هو الذي يولد من اختبارنا نظرة الله هذه، والتي يقول لنا جميعًا عبرها إنّنا جزء من عائلته، وإنّه لن يتركنا بل هو معنا. وأذكّركم بشهادة الشّاب لويس أوسكار مارتينيس، والجميع جزء من العائلة ولديكم الكثير ممّا يمكن تقاسمه.

 

والمجتمع غير القادر على الاحتفال بتحوّل أبنائه هو مجتمع يمرض، بيننا المجتمع الخصب هو ذلك الذي يخلق آليّات قادرة على الدّمج وخلق فرص وبدائل توفّر إمكانيّات لأبنائه."

 

وختامًا، أشجّعكم جميعًا على العمل معًا من أجل العثور على سبل الدّمج والتّغير. واللّه لا يصنِّف، بل يهبنا بنظرته القوّة لنفي الثّرثرة، وخلق تحالفات أخويّة، تمَكّن حياتنا من أن تكون دائمًا دعوةً إلى فرح الخلاص."