الفاتيكان
28 شباط 2024, 10:45

البابا فرنسيس يستقبل أعضاء سينودس الكنيسة البطريركية الأرمنية الكاثوليكية

تيلي لوميار/ نورسات
إستقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء أعضاء سينودس الكنيسة البطريركيّة الأرمنيّة الكاثوليكيّة في قاعة بولس السّادس في الفاتيكان. وللمناسبة، وجّه كلمة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"كأساقفة، خلفاء الرّسل، تقع على عاتقنا مسؤوليّة أن نرافق شعب الله المقدّس نحو يسوع، الرّبّ وصديق البشر، راعينا الصّالح. ولهذا السّبب، التزمنا، في يوم سيامتنا الأسقفيّة، بالحفاظ على الإيمان وتعزيز الرّجاء ونشر محبة المسيح.

أيّها الإخوة الأعزاء، إن إحدى المسؤوليّات الكبرى للسّينودس هي تحديدًا أن تعطوا كنيستكم أساقفة المستقبل. أرجوكم أن تختاروهم بعناية، لكي يكونون متفانين مع القطيع، وأمناء للعناية الرّعويّة، لا وصوليّين. ولا ينبغي اختيارهم على أساس استحسان أو أغراض، وعليكم أن تتنبّهوا جدًّا من الأشخاص الذين لديهم "ميول تجاريّة" أو الذين "يحملون حقيبتهم في أيديهم على الدّوام"، ويتركون الشّعب يتيمًا. إنَّ الأسقف الذي يرى في أبرشيّته معبرًا نحو أبرشيّة أكثر "هيبة" ينسى أنّه متزوّج من الكنيسة ويخاطر - اسمحوا لي بهذا التّعبير - بارتكاب "زنا رعويّ". ويحدث الأمر نفسه عندما يضيع الوقت في التّفاوض على وجهات أو ترقيات جديدة: لا يمكن شراء الأساقفة من السّوق، بل المسيح هو الذي يختارهم خلفاء لرسله ورعاة لقطيعه.

في عالم مليء بالعزلة والمسافات، ينبغي على الذين أوكلوا إلينا أن يشعروا منّا بدفء الرّاعي الصّالح، واهتمامنا الأبويّ، وجمال الأخوةَّ، ورحمة الله. إنّ أبناء شعبكم العزيز يحتاجون إلى قرب أساقفتهم. أعلم أنّهم منتشرين في جميع أنحاء العالم بأعداد كبيرة جدًا، وأحيانًا في مناطق شاسعة جدًا، حيث يصعب عليكم زيارتهم. لكنّ الكنيسة هي أمّ محبّة، ولا يمكنها إلّا أن تبحث عن جميع الوسائل الممكنة للوصول إليهم، لكي ينالوا محبّة الله في تقليدهم الكنسيّ. والأمر لا يتعلّق بالهيكليّات، التي هي مجرّد وسائل تساعد على انتشار الإنجيل؛ وإنّما هو أوّلاً مسألة محبّة رعويّة، والبحث عن الخير وتعزيزه بنظرة وانفتاح انجيليَّين: أفكّر أيضًا في ضرورة التّعاون الوثيق مع الكنيسة الرّسوليّة الأرمنيّة.

أيّها الأحبّاء، في زمن الصّوم المقدّس هذا، نحن مدعوّون لكي ننظر إلى الصّليب ونبني على المسيح الذي يشفي الجراح بالمغفرة والمحبّة. نحن مطالبون بالتّشفّع للجميع بعظمة نفس وروح. مثل القدّيس غريغوريوس ناريك الذي كان يصلّي قائلاً: يا ربّ، "أذكر الذين هم أعداءنا في الجنس البشريّ، ولكن لخيرهم: حقّق فيهم المغفرة والرّحمة". وكذلك كتب بآنيّة نبويّة رائعة: "لا تبيد الذين يعضونني: حولهم! أقتلع السّلوك الدّنيويّ الشّرير وأصل السّلوك الصّالح فيّ وفيهم". وأنتم أيّها الإخوة، مع الكهنة والشّمامسة والمكرّسين والمكرّسات، وجميع المؤمنين في كنيستكم، تقع على عاتقكم مسؤوليّة كبيرة. لقد حمل القدّيس غريغوريوس المنور نور المسيح إلى الشّعب الأرمنيّ، فكان أوّل من قبله في التّاريخ. أنتم إذًا شهود، إن جاز التّعبير، "أبكار" لهذا النّور، أنتم فجر مدعوّ لكي يشعّ النّبوءة المسيحيّة في عالم غالبًا ما يفضل ظلمات الكراهية والانقسام والعنف والانتقام. بالطّبع – قد تقولون لي – إنّ كنيستنا ليست كبيرة من حيث العدد. ولكن لنتذكّر أنّ الله يحب أن يصنع العظائم مع الصّغار. وبهذا المعنى، من فضلكم، لا تهملوا الاهتمام بالصّغار والفقراء، وأظهروا لهم مثال حياة إنجيليّة، بعيدة عن بهاء الغنى وغطرسة السّلطة؛ استقبلوا اللّاجئين واعضدوا الذين هم في الشّتات كأخوة وأخوات وأبناء وبنات.

أودّ أن أشارككم جانبًا آخر أعتبره أولويّة: صلّوا كثيرًا، كذلك من أجل الحفاظ على النّظام الدّاخليّ الذي يسمح لكم بأن تعملوا بانسجام، وميّزوا أولويّات الإنجيل، تلك العزيزة على الرّبّ. وكما يذكّرنا مثل لاتينيّ قديم: "حافظ على النّظام، والنّظام سيحفظك". لذلك، لتكن سينودساتكم مُعَدَّة بشكل جيّد، ولتُدرس فيها المشاكل بعناية ويتمَّ تقييمها بحكمة؛ وليتمَّ تطبيق الحلول، دائمًا وفقط من أجل خير النّفوس، ويتمّ التّحقق منها بحكمة وتماسك وكفاءة، فتضمنوا الشّفافية الكاملة، حتّى في المجال الاقتصاديّ. كذلك يجب أن تكون القوانين معروفة ومطبّقة ليس من أجل الشّكليّة، وإنّما لأنّها أدوات كنسيّة تسمح حتّى للّذين لا يملكون السّلطة بأن يلجؤوا إلى الكنيسة بحقوق قانونيّة كاملة، وأن يتجنّبوا تعسُّف الأقوى.

أود أن أوكلكم فكرة أخرى تتعلّق براعويّة الدّعوات. في عالم علمانيّ، يحتاج الإكليريكيّون والذين يتنشّؤون على الحياة الرّهبانيّة، اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، إلى أن يكونوا متجذّرين في حياة مسيحيّة أصيلة، بعيدًا عن أيّ "علم نفس أميري". وكذلك، يحتاج الكهنة، ولاسيّما الشّباب، إلى قرب الرّعاة، الذين يعزّزون الشّركة الأخويّة بينهم، لكي لا ييأسوا إزاء الصّعوبات، ويكونون، يومًا بعد يوم، أكثر طاعة لإبداع الرّوح القدس، لكي يخدموا شعب الله بفرح المحبّة، وليس بقساوة وتكرار البيروقراطيّين العقيم. تحلّوا بالرّجاء في كلِّ شيء: حتّى وإن كان الحصاد كثيرًا والفعلة قليلون، لنتّكل على الرّبّ الذي يصنع العجائب في الذين يثقون به.

يا صاحب الغبطة، أيّها الإخوة الأعزّاء، كيف لا يمكننا أخيرًا أن نذكر بالكلمات، ولاسيّما بالصّلاة، أرمينيا، وبشكل خاصّ جميع الذين يهربون من ناغورنو كاراباخ، والعديد من العائلات النّازحة التي تبحث عن ملجأ! حروب كثيرة وآلام كثيرة. كان يجب على الحرب العالميّة الأولى أن تكون الأخيرة وتشكّلت الدّول في عصبة الأمم، "باكورة" الأمم المتّحدة، معتقدة أنّ هذا الأمر سيكون كافيًا للحفاظ على عطيّة السّلام. ولكن منذ ذلك الحين، كم من الصّراعات والمذابح، المأساويّة وغير المجدية. لقد توسّلت مرّات عديدة: "كفى!". لنردد جميعًا صدى صرخة السّلام، لكي تلمس القلوب، حتّى تلك التي لا تشعر بألم الفقراء والمتواضعين. ولنصلِّ بشكل خاصّ، أنا سأصلّي من أجلكم ومن أجل أرمينيا. وأنتم، من فضلكم، أذكروني في صلواتكم!

أشكركم على حضوركم وعلى خدمتكم. وقبل أن أمنحكم البركة، أودّ أن أتلو صلاة، أدعوكم لكي تتحدوا بها معي، للقدّيس نرسيس الكبير، في انتظار أن نتمكّن من أن نحتفل به، إن شاء الله، مع إخوة الكنيسة الأرمنيّة الرّسوليّة: "أيّها الرّبّ الرّحيم: ارحم جميع الذين يؤمنون بك، من الأقرباء والغرباء، من المعروفين والمجهولين، من الأحياء والأموات: امنح أيضًا أعدائي المغفرة على الشّرور التي صنعوها لي، ردّهم من الظّلم الذي يلحقونه بي، لكي يكونوا هم أيضًا مستحقّين لرحمتك. وارحم خلائقك وارحمني أنا الخاطئ العظيم".