الفاتيكان
12 تشرين الثاني 2025, 06:00

البابا: لتكن الكنيسة المكان الّذي ينطلق منه كلّ شيء وإليه يعود كلّ شيء

تيلي لوميار/ نورسات
"لن نتمكّن من تلبية متطلّبات الدّعوة الّتي تلقّيناها إلّا إذا وضعنا المسيح في محور حياتنا ورسالتنا". هذا ما أراد البابا لاون الرّابع عشر أن يبثّه في روح الجماعة المشاركة في قدّاس ذكرى مرور 125 سنة على تدشين كنيسة القدّيس أنسلمس التّاريخيّة في منطقة الأفنتينو- روما، والّذي ترأّسه عضر الثّلاثاء، داعيًا إلى أن تكون "الكنيسة المكان الّذي ينطلق منه كلّ شيء وإليه يعود كلّ شيء".

البابا وفي عظته الّتي استهلّها بآية: "أنت صخر وعلى الصّخر هذا سأبني كنيستي"، توجّه إلى المصلّين قائلًا بحسب "فاتيكان نيوز": "أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لقد أصغينا إلى كلمات يسوع هذه ونحن نتذكّر  ذكرى مرور مائة وخمس وعشرين سنة على تدشين هذه الكنيسة، الّتي أرادها البابا لاون الثّالث عشر والّذي شجّع على بنائها.

لقد كان في نيّة البابا لاون الثّالث عشر أن يساهم هذا البناء، إلى جانب بناء المعهد الدّوليّ الملحق به، في تعزيز الوجود البنديكتانيّ في الكنيسة والعالم، من خلال زيادة الوحدة داخل الاتّحاد البنديكتانيّ، وهو الهدف الّذي من أجله تمّ استحداث منصب رئيس الاتّحاد البنديكتانيّ؛ وذلك لأنّه كان مقتنعًا بأنّ رهبنتكم العريقة يمكّنها أن تكون عونًا كبيرًا لخير شعب الله بأسره في مرحلة مليئة بالتّحدّيات، كما كان الانتقال من القرن التّاسع عشر إلى القرن العشرين.

في الواقع، كانت الرّهبنة منذ نشأتها حقيقة "على الحدود"، دفعت رجالًا ونساءً شجعانًا إلى إقامة بؤر للصّلاة والعمل والمحبّة في الأماكن الأكثر عزلة وصعوبة، وغالبًا ما حوَّلت المناطق المقفرة إلى أراضٍ خصبة وغنيّة، من النّاحية الزّراعيّة والاقتصاديّة، ولكن الأهمّ من ذلك، من النّاحية الرّوحيّة. وهكذا، تميّز الدّير بشكل متزايد كمكان للنّموّ والسّلام والضّيافة والوحدة، حتّى في أحلك فترات التّاريخ. وفي زمننا أيضًا لا تغيب التّحدّيات الّتي علينا مواجهتها. فالتّغيّرات المفاجئة الّتي نشهدها تستفزّنا وتستجوبنا، وتثير إشكاليّات لم تكن معروفة من قبل. يذكّرنا هذا الاحتفال بأنّنا، مثل الرّسول بطرس، ومعه القدّيس بندكتس والكثيرين غيره، لن نتمكّن من تلبية متطلّبات الدّعوة الّتي تلقّيناها إلّا إذا وضعنا المسيح في محور حياتنا ورسالتنا، بدءًا من فعل الإيمان الّذي يجعلنا نرى فيه المُخلِّص، وترجمنا هذا الإيمان إلى صلاة، ودراسة، والتزام بحياة مقدّسة.

في هذا المركز، يتمّ تحقيق كلّ هذا بطرق مختلفة: في اللّيتورجيا، أوّلًا، ثمّ في القراءة الإلهيّة، والبحث، والرّعاية الرّعويّة، بمشاركة رهبان قدموا من جميع أنحاء العالم، وبالانفتاح على الإكليروس والرّهبان والعلمانيّين من مختلف الأصول والظّروف. يجب على الدّير، والمعهد الحبريّ، والمعهد اللّيتورجيّ، والنّشاطات الرّعويّة المرتبطة بالكنيسة، ووفقًا لتعاليم القدّيس بندكتس، أن تنمو بشكل متزايد في تآزر كـ"مدرسة حقيقيّة لخدمة الرّبّ". لهذا السّبب، فكّرت في المجمَّع الّذي نحن فيه ككيان يجب أن يطمح إلى أن يصبح قلبًا نابضًا في الجسم العظيم للعالم البنديكتانيّ، وفي محوره، ووفقًا لتعاليم القدّيس بندكتس، الكنيسة.

لقد قدّمت لنا القراءة الأولى صورة النّهر الّذي يتدفّق من الهيكل. تتناغم هذه الصّورة جيّدًا مع صورة القلب الّذي يضخّ عصارة الحياة في الجسد، لكي يتمكّن كلّ عضو من الحصول على الغذاء والقوّة لمنفعة الأعضاء الأخرى؛ وكذلك تتناغم مع صورة البناء الرّوحيّ الّذي تحدّثت عنه القراءة الثّانية، والمؤسّس على الصّخرة الصّلبة الّتي هي المسيح. في هذه الـخليّة النّشطة للقدّيس أنسلمُس، لتكن الكنيسة المكان الّذي ينطلق منه كلّ شيء وإليه يعود كلّ شيء ليجد التّدقيق والتّأكيد والتّعميق أمام الله، كما أوصى القدّيس يوحنّا بولس الثّاني في زيارته للمعهد الحبريّ بمناسبة الذّكرى المئويّة لتأسيسه، إذ قال، مشيرًا إلى قدّيسه الشّفيع: "إنَّ القدّيس أنسلمُس يذكّر الجميع [...] بأنّ معرفة الأسرار الإلهيّة ليست إنجازًا للعبقريّة البشريّة بقدر ما هي عطيّة يمنحها الله للمتواضعين والمؤمنين". لقد كان يشير، كما ذكر، إلى تعاليم ملفان أوستا، ولكنّنا نأمل أن تكون هذه أيضًا هي الرّسالة النّبويّة الّتي تصل من هذه المؤسّسة إلى الكنيسة والعالم، كتحقيق للرّسالة الّتي نلناها جميعًا، بأن نكون شعبًا اقتناه الله ليعلن أعماله العجيبة، هو الّذي دعانا من الظّلمة إلى نوره العجيب.

يشكّل التّدشين اللّحظة الرّسميّة في تاريخ المبنى المقدّس الّذي يُكرَّس ليكون مكانًا للّقاء بين المكان والزّمان، بين المحدود واللّامحدود، بين الإنسان والله: إنّه باب مفتوح نحو الأبديّة، حيث تجد الرّوح الإجابة على "التّوق بين اللّحظة الرّاهنة ونور الزّمن، والأفق الأوسع [...] الّذي يفتحنا على المستقبل كهدف نهائيّ يجذبنا" في اللّقاء بين الملء والمحدوديّة الّتي ترافق مسيرتنا الأرضيّة. يصف المجمع الفاتيكانيّ الثّاني كلّ هذا في واحدة من أجمل صفحاته، عندما يصف الكنيسة بأنّها: "إنسانيّة وإلهيّة، منظورة ولكنّها مزودة بحقائق غير منظورة، حارّة في العمل ومكرّسة للتّأمّل، حاضرة في العالم ولكنّها مع ذلك تسير في حجّ؛ [...] بهذه الطّريقة، يكون ما فيها إنسانيًّا خاضعًا وموجّهًا للإلهيّ، والمنظور لغير المنظور، والعمل للتّأمّل، والواقع الحاضر للمدينة الآتية الّتي نسير نحوها".

إنّها خبرة حياتنا وحياة كلّ رجل وامرأة في هذا العالم، يبحثون عن تلك الإجابة النّهائيّة والأساسيّة الّتي لا يستطيع "اللّحم ولا الدّمّ" أن يكشفاها، بل الآب الّذي في السّماوات فقط؛ والمعوزون ليسوع، "المسيح ابن الله الحيّ". هو الّذي دُعينا لكي نبحث عنه وإليه قد دُعينا لكي نحمل جميع الّذين نلتقي بهم، شاكرين على العطايا الّتي منحنا إيّاها، ولاسيّما على المحبّة الّتي سبقنا بها. عندئذٍ سيصبح هذا الهيكل أكثر فأكثر مكانًا للفرح أيضًا، نختبر فيه جمال أن نشارك مع الآخرين ما نلناه بشكل مجّانيّ."