البابا للدّرك الإيطاليّ: لا تستسلموا واجهوا الجريمة بقوّة القانون ونزاهة الضّمير
وللمناسبة ألقى الأب الاقدس عظة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "يُقدِّم لنا الإنجيل الّذي أصغينا إليه المعنى المسيحيّ الأصيل لهاتين الكلمتين: "أخ" و"أخت". فهما اسمان للعلاقة، نكرّرهما كثيرًا في اللّيتورجيا كتحيّة، وكعلامة على القرب والمحبّة. إنّ يسوع، ابن الله الوحيد، يشرح معناهما بالنّسبة إليه وإلى أبيه، كاشفًا عن رابط أقوى من رابط الدّمّ، لأنّه يشملنا جميعًا، ويُشرك كلّ إنسان، رجلًا كان أو امرأة. فنحن جميعًا في الواقع نكون حقًّا إخوة وأخوات ليسوع عندما نعمل بمشيئة الله، أيّ عندما نحيا في المحبّة المتبادلة، كما أحبّنا الله.
كلّ علاقة يعيشها الله، في ذاته ومن أجلنا، تتحوّل هكذا إلى عطيّة: عندما يصبح ابنه الوحيد أخًا لنا، يصبح أبوه أبًا لنا، ويأتي الرّوح القدس، الّذي يربط الآب بالابن، ليسكن في قلوبنا. إنّ محبّة الله عظيمة لدرجة أنّ يسوع لا يحتفظ حتّى بأمّه لنفسه، بل يسلّمنا مريم لتكون أمًّا لنا، في ساعة الصّليب. وحده الّذي يعيش في هذا البذل الكامل يمكنه أن يقول: "من يعمل بمشيئة أبي الّذي في السّماوات هو أخي وأختي وأمّي".
وبشكل خاصّ، تساعدنا هذه الكلمات لكي نفهم أنّ مريم تصبح أمًّا ليسوع لأنّها أصغت إلى كلمة الله بمحبّة، وقبلتها في قلبها، وعاشتها بأمانة. وإذ علّق القدّيس أوغسطينوس على هذا النّصّ الإنجيليّ كتب: "كان أعظم لمريم أن تكون تلميذة للمسيح من أن تكون أمّه". في الواقع، "لقد نالت مريم الطّوبى، لأنّها سمعت كلمة الله وعملت بها". وبالتّالي فمعنى حياة مريم يكمن في أمانتها للكلمة الّتي نالتها من الله: كلمة الحياة، الّتي قبلتها، وحملتها في حشاها، وقدّمتها للعالم.
أيّها الأعزّاء، لقد احتفلتم مؤخَّرًا بالذّكرى الخامسة والسّبعين لإعلان العذراء الأمينة، Virgo Fidelis، شفيعةً لسلاح الدّرك الإيطاليّ (الكارابينييري). ومن هنا، من كاستل غاندولفو، في عام ١٩٤٩، قبِل سلفي المكرّم البابا بيوس الثّاني عشر هذا الاقتراح الجميل من القيادة العامّة للسّلاح. فبعد مأساة الحرب، وفي زمن إعادة البناء المادّيّ والأخلاقيّ، أصبحت أمانة مريم لله نموذجًا لأمانة كلّ دركيٍّ نحو الوطن والشّعب الإيطاليّ. تُعبِّر هذه الفضيلة عن التّفاني، والنّقاء، والثّبات في الالتزام من أجل الخير العامّ، الّذي يصونه أفراد سلاح الدّرك الإيطاليّ من خلال ضمان الأمن العامّ والدّفاع عن حقوق الجميع، وخاصّة الّذين يعيشون في أوضاع خطيرة. لذلك أعبّر عن عميق امتناني للخدمة النّبيلة والمتطلِّبة الّتي يقدّمها هذا السّلاح لإيطاليا ومواطنيها، وكذلك لصالح الكرسيّ الرّسوليّ والمؤمنين الّذين يزورون روما: أفكّر بشكل خاصّ في الحجّاج العديدين خلال هذه السّنة اليوبيليّة.
إنّ التّعبّد للعذراء الأمينة يعكس أيضًا شعار سلاح الدّرك الإيطاليّ: "أمناء عبر القرون"، ويُجسِّد روح الواجب وتفاني كلّ فرد من أفراده، حتّى بذل الذّات. أشكر إذًا السّلطات الحاضرة، المدنيّة والعسكريّة، على ما تقومون به في أداء مهامكم: أمام الظّلم الّذي يجرح النّظام الاجتماعيّ، لا تستسلموا لتجربة الاعتقاد بأنّ الشّرّ سينتصر. ولاسيّما في هذا الزّمن المليء بالحروب والعنف، اثبتوا أمناء لقسمكم: كخدّام للدّولة، واجهوا الجريمة بقوّة القانون ونزاهة الضّمير. وهكذا سيستحقّ سلاح الدّرك الإيطاليّ، تقدير الشّعب الإيطاليّ دائمًا.
وفي هذه الإفخارستيّا، فيما نحتفل بآلام الرّبّ وموته وقيامته، من الحقّ والواجب أن نُحيي ذكرى أفراد سلاح الدّرك الإيطاليّ الّذين قدّموا حياتهم أثناء أداء واجبهم: أقدّم لكم كمثال المُكرَّم سالفو د’ أكويستو، الحاصل على ميداليّة الشّجاعة الذّهبيّة، والّذي تجري الآن دعوى إعلان تطويبه. فلترافقكم العذراء الأمينة في كلّ مهمّة، وتسهر بمحبّة على كلّ واحد منكم، وعلى عائلاتكم، وعلى عملكم".