البابا من أمام ضريح مار بولس: ليمنحني الرّبّ نعمة أن أجيب بأمانة على دعوته
أثناء الصّلاة، ألقى البابا عظة مقتضبة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "إنَّ المقطع البيبليّ الّذي أصغينا إليه هو مستهلُّ رسالة رائعة وجَّهها القدّيس بولس إلى المسيحيّين في رومة، وتدور رسالتها حول ثلاثة مواضيع جوهريّة: النّعمة، والإيمان، والبرّ. وبينما نُوكل إلى شفاعة رسول الأمم بداية هذه الحبريّة الجديدة، نتأمّل معًا في رسالته.
يقول القدّيس بولس، قبل كلّ شيء، إنّه نال من الله نعمة الدّعوة. فهو يعترف بأنّ لقاءه بالمسيح وخدمته الرّسوليّة يرتبطان بالمحبّة الّتي سبق الله وأحبّه بها، فدعاه إلى حياة جديدة، عندما كان لا يزال بعيدًا عن الإنجيل ويضطهد الكنيسة. يتحدّث القدّيس أوغسطينوس– وهو أيضًا من الّذين نالوا نعمة الارتداد– عن هذه الخبرة عينها قائلًا: "ماذا عسانا أن نختار نحن، إن لم نكن نحن قد اختِرنا أوّلًا؟ في الحقيقة، إن لم نكن قد أُحببنا أوّلًا، فلا يمكننا حتّى أن نحبّ". في أصل كلّ دعوة، هناك الله: رحمته، وجودته، السّخيّة كحنان الأمّ، الّتي من خلال جسدها تُغذّي طفلها فيما لا يزال عاجزًا عن إطعام نفسه.
غير أنّ القدّيس بولس يتحدّث، في المقطع عينه، عن "طاعة الإيمان"، وهنا أيضًا يشاركنا خبرته الشّخصيّة. فالرّبّ في الواقع، حين ظهر له على طريق دمشق، لم ينزع منه حرّيّته، بل ترك له مجال الخيار، خيار طاعةٍ لم تكن يسيرة، بل ثمرة جهاد داخليّ وخارجيّ، قَبِل بولس أن يعيشه. فالخلاص لا يأتي بسحرٍ، بل هو ثمرة سرّ من النّعمة والإيمان، من محبّة الله الّتي تسبق، ومن التزام الإنسان الحرّ والواثق.
وفيما نشكر الرّبّ على الدّعوة الّتي حوَّل بها حياة شاول، نلتمس منه أن يمنحنا نحن أيضًا نعمة أن نجيب على دعواته، بالطّريقة عينها، فنتحوّل إلى شهود للمحبّة "الّتي أُفيضت في قلوبنا بالرّوح القدس الّذي أُعطي لنا". ونطلب منه أن نعرف كيف نعزّز محبّته وننشرها، من خلال الاقتراب من بعضنا لبعض، في ذلك السّباق في المحبّة الّذي دفع المضطهِد السّابق، بفضل لقائه بالمسيح، لأن يصير "لِلنَّاسِ كُلِّهِم كُلَّ شَيء"، وصولًا إلى الاستشهاد. وهكذا، يتجلّى لنا– كما له– في ضعف الجسد، سلطان الإيمان بالله الّذي يبرّر.
إنَّ هذه البازيليك قد أوُكلت منذ قرون إلى رعاية جماعة رهبان بنديكتان. وكيف لا نتذكّر، فيما نتحدّث عن المحبّة كمصدر ومحرِّكٍ لإعلان الإنجيل، تلك النّداءات المتكرّرة الّتي يطلقها القدّيس بندكتس، في قانونه الرّهبانيّ، إلى المحبّة الأخويّة في الدّير وإلى الضّيافة تجاه الجميع؟
ولكنّي أرغب أن أختتم متذكِّرًا كلماتٍ وجَّهها، بعد أكثر من ألف عام، بندكتس آخر، هو البابا بندكتس السّادس عشر، إلى الشّباب إذ قال: "أيّها الأصدقاء الأعزّاء إنّ الله يحبّنا. هذه هي الحقيقة العظمى في حياتنا، وهي الّتي تعطي المعنى لكلّ شيء آخر [...]. في أصل وجودنا هناك مشروع محبّة من الله"، والإيمان يدعونا إلى "أن نفتح قلوبنا على سرِّ المحبّة هذا، وأن نعيش كأشخاص يعترفون بأنّهم محبوبون من الله".
هذا هو الأصل البسيط والفريد، لكلّ رسالة، حتّى لرسالتي، كخليفة لبطرس ووارث لغيرة بولس الرّسوليّة. فليمنحني الرّبّ نعمة أن أجيب بأمانة على دعوته."