الفاتيكان
21 تشرين الأول 2020, 06:30

البابا من ساحة الكابيتول: إنهاء الحرب هو واجبٌ ملحّ على جميع القادة السّياسيّين أمام الله

تيلي لوميار/ نورسات
بعد الصّلاة من أجل السّلام، توجّه البابا فرنسيس إلى ساحة الكابيتول في روما حيث حضر رئيس الجمهوريّة الإيطاليّة سيرجيو ماتاريلا وعدد من ممثّلي الدّيانات العالميّة الكبرى، وألقى كلمة للمناسبة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"أيّها الإخوة والاخوات الأعزّاء، إنّها مدعاة فرح وامتنان لله أن نتمكّن من اللّقاء هنا، في الكابيتول، في قلب روما، أيّها القادة الدّينيّون الموقّرون، أيّتها السّلطات الكريمة ويا أصدقاء السّلام الكثيرين. لقد صلّينا، جنبًا إلى جنب، من أجل السّلام. أحيّي السّيّد فخامة رئيس الجمهوريّة الإيطاليّة سيرجيو ماتاريلا. كما يسعدني أن ألتقي بصاحب القداسة البطريرك المسكونيّ برتلماوس. أُقدِّر جدًّا أنّه وعلى الرّغم من صعوبات السّفر، أراد هو وشخصيّات أخرى أن يشاركوا في لقاء الصّلاة هذا. في روح لقاء أسيزي الّذي دعا إليه القدّيس يوحنّا بولس الثّاني عام 1986، تحتفل جماعة سانت إيجيديو سنويًّا، من مدينة إلى أخرى، بحدث الصّلاة والحوار هذا من أجل السّلام بين مؤمنين من ديانات مختلفة.

في منظار السّلام هذا، كانت هناك بذرة نبويّة نضجت بفضل الله، خطوة بعد خطوة، من خلال لقاءات فريدة وأعمال سلام، وأفكار أخوّة جديدة. في الواقع، وإذ نتطلّع إلى الوراء، فيما نرى وللأسف في السّنوات الماضية وقائع أليمة، كالنّزاعات والإرهاب أو التّطرّف، وأحيانًا باسم الدّين، علينا أيضًا أن نعترف بالخطوات المثمرة في الحوار بين الأديان. إنّها علامة رجاء تحثّنا على العمل معًا كإخوة. وهكذا بلغنا إلى الوثيقة المهمّة حول "الأخوّة من أجل السّلام العالميّ والعيش المشترك" الّتي وقّعتُها مع الإمام الأكبر الدّكتور أحمد الطّيّب شيخ الأزهر عام 2019.

في الواقع– لقد كتبتُ في الرّسالة العامّة "Fratelli tutti" –إنّ وصيّة السّلام منقوشة في عمق التّقاليد الدّينيّة" (عدد 284). لقد فهم المؤمنون أنَّ الاختلاف في الأديان لا يبرّر اللّامبالاة أو العداوة. لا بل وانطلاقًا من الإيمان الدّينيّ يمكننا أن نصبح صانعي سلام وليس مجرّد متفرّجين خاملين إزاء شرِّ الحرب والحقد. إنّ الأديان هي في خدمة السّلام والأخوّة؛ لذلك يدفع لقاء اليوم القادة الدّينيّين وجميع المؤمنين للصّلاة بحرارة من أجل السّلام ولعدم الاستسلام أبدًا إلى الحرب وللعمل بقوّة الإيمان الوديعة من أجل وضع حدٍّ للنّزاعات. هناك حاجة للسّلام! لسلام أكبر! "لا يمكننا أن نبقى غير مبالين. إنّ عالم اليوم مُتعطِّش للسّلام. يعاني النّاس في بلدان عديدة من الحروب، الّتي غالبًا ما تُنسى، ولكنّها على الدّوام سبب للألم والفقر" (خطاب اليوم العالميّ للصّلاة من أجل السّلام، أسيزي 20 أيلول 2016). إنّ العالم والسّياسة والرّأي العامّ يواجهون خطر الاعتياد على شرّ الحرب كرفيق طبيعيّ لتاريخ الشّعوب. "لا يمكننا أن نتوقّف عند مناقشات نظريّة، بل دعونا نتواصل مع الجراح، ونلمس الأجساد الّتي تتعرّض للأذى... دعونا نهتمّ باللّاجئين، وبالّذين عانوا من الإشعاعات الذّرّيّة أو الهجمات الكيميائيّة، والنّساء اللّواتي فقدن أبناءَهن، والأطفال المشوّهين أو المحرومين من طفولتهم ( "Fratelli tutti"عدد 261). إنّ آلام الحرب قد تفاقمت اليوم أيضًا بسبب وباء فيروس الكورونا وعدم تمكّن العديد من البلدان من الحصول على العلاجات الضّروريّة.

في غضون ذلك، تستمرّ النّزاعات ومعها الألم والموت. إنّ إنهاء الحرب هو واجبٌ ملحّ على جميع القادة السّياسيّين أمام الله. إنّ السّلام هو أولويّة كلّ سياسة، والله سيحاسب من لم يسعَ إلى السّلام أو من أثار توتّرات وصراعات، خلال أيّام وشهور وسنوات الحرب الّتي عصفت بالشّعوب! إنّ كلمة الرّبّ يسوع تَظهر بحكمتها العميقة إذ يقول: "إِغمِد سيفَك، فكُلُّ مَن يَأخُذُ بِالسَّيف بِالسَّيفِ يَهلِك" (متّى 26، 52). إنَّ الّذين يستلّون السّيف، معتقدين ربّما أنّهم سيحلّون المواقف الصّعبة بسرعة، سيختبرون على ذواتهم وعلى أحبّائهم، وبلدانهم، الموتَ الّذي يأتي من السّيف. "كفى!" قال يسوع للتّلاميذ عندما قدّموا له سيفين، قبل الآلام. "كفى!" هو جواب لا لبس فيه على جميع أشكال العنف. تلك الـ"كفى!" الّتي قالها يسوع تتخطّى العصور وتصل قويّة إلينا اليوم: كفى سيوفًا وأسلحة وعنفًا وحروبًا! إنّ القدّيس بولس السّادس، وفي كلمته للأمم المتّحدة عام 1965، ردّد صدى هذا النّداء إذ قال: "لا للحرب بعد اليوم!". إنّه توسُّلنا جميعًا، نحن الرّجال والنّساء ذوي الإرادة الصّالحة. إنّه حلم جميع السّاعين إلى السّلام وصانعيه، الّذين يدركون جيّدًا أنَّ "كلّ حرب تترك العالم أسوأ ممّا كان عليه قبلها "Fratelli tutti" (عدد 261).

كيف نخرج من النّزاعات المستمرّة والمتفاقمة؟ كيف نفكّ العقد المتشابكة للعديد من الكفاحات المسلَّحة؟ كيف نمنع النّزاعات؟ كيف نصالح أسياد الحرب أو الّذين يثقون بقوّة الأسلحة؟ لا يمكن لشعب، أو لفئة اجتماعيّة أن يكونوا قادرين بمفردهم على تحقيق السّلام والخير والأمن والسّعادة. لا أحد بإمكانه ذلك. إنّ الدّرس الّذي تعلّمنا إيّاه الجائحة، إذا أردنا أن نكون صادقين هو "أن ندرك بأنّنا جماعة عالميّة تُبحر على متن السّفينة عينها، حيث شرّ شخص واحد يؤذي الجميع. لقد تذكّرنا أنّه لا أحد يخلُص وحده، ولكن يمكننا فقط أن نخلُص معًا "Fratelli tutti" (عدد 31).

على الأخوّة الّتي تنبعث من الوعي بأنّنا بشريّة واحدة أن تدخل في حياة الشّعوب والجماعات وبين الحكّام وفي اللّقاءات الدّوليّة. هكذا فقط سيختمر الوعي بأنّنا نخلُص معًا فقط، من خلال اللّقاء والتّفاوض، ووقف الاقتتال والمصالحة، ملطّفين لهجة السّياسة والبروباغندا، ومن خلال تطوير مسارات ملموسة من أجل السّلام (راجع "Fratelli tutti" عدد 231). نجتمع اللّيلة معًا، كأشخاص من تقاليد دينيّة مختلفة، لكي ننقل رسالة سلام. هذا الأمر يُظهر بوضوح أنّ الأديان لا تريد الحرب، لا بل هي تتنصّل من الّذين يقدّسون العنف، وتطلب من الجميع أن يصلّوا من أجل المصالحة وأن يعملوا لكي تفتح الأخوّة دروبَ رجاء جديدة. يمكننا في الواقع وبمساعدة الله أن نبني عالم سلام ونخلص هكذا معًا".