أوروبا
23 أيلول 2018, 14:00

البابا من ليتوانيا: الحياة المسيحيّة تعبر دومًا مراحل من الجلجلة تبدو أحيانًا بلا نهاية

ترأّس البابا فرنسيس، صباح الأحد، قدّاسًا احتفاليًّا في منتزه سانتاكوس، بمدينة كاوناس اللّيتوانيّة، بمشاركة حشد من المؤمنين، وقد ألقى عظةً تمحورت حول تعاليم الرّب لتلاميذه، والتي خصّص لها القدّيس مرقس البشير قسطًا هامًّا من إنجيله؛ جاء فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"إنّ الرّبّ يسوع وخلال صعوده إلى أورشليم شاء من تلاميذه أن يجدّدوا خيارهم على ما يبدو، مدركين أنّ هذا الخيار ستترتّب عليه أوقات من المحنة والألم. وإنّ القدّيس مرقس ذكر أنّ الرّب أعلن ثلاث مرّات عن ألمه وعبّر التّلاميذ عن مقاومتهم وامتعاضهم، وفي المرّات الثّلاث أراد الرّبّ أن يترك لهم تعليمًا.

إنّ الحياة المسيحيّة تعبر دومًا مراحل من الجلجلة تبدو أحيانًا بلا نهاية. كما أنّ سفر الحكمة يتحدّث عن البار المضطهد، ومن يتعرّض للعذاب بسبب طيبته وحسب. وأنتم المؤمنين، العديد منكم، يتذكّرون المراحل الصّعبة التي عاشتها ليتوانيا وبينكم من تزعزع إيمانهم لأنّ الله لم يظهر لنجدتهم. مدينة كاوناس تُدرك هذا الواقع جيدًا، وليتوانيا بأسرها تشهد على هذا الأمر، وعلى الذّعر الذي يُولد من مجرّد لفظ اسم "سيبيريا" أو "غيتوهات" العاصمة فيلنيوس وكاوناس.

أُذكّركم أنّ التلاميذ لم يشاؤوا أن يحدّثهم الرّبّ عن الألم والصّليب، وعن المحن والقلق، ويلفت القدّيس مرقس إلى أنّ هؤلاء كانوا يهتمّون بأمور أخرى، إذ كانوا يتباحثون فيما بينهم بشأن من هو الأعظم فيهم. وفي هذا السّياق، إنّ الرّغبة في القوّة والمجد هي تصرّف من يعجزون عن مداواة ذاكرة تاريخهم، ولهذا السّبب لا يقبلون الالتزام في العمل حاضرًا. وبهذه الطّريقة ننكر تاريخنا، الذي يكون مجيدًا إذا كان مطبوعًا بالتّضحيات والرّجاء والنّضال اليوميّ والحياة المكرّسة للخدمة والمثابرة في العمل الشّاق، كما جاء في الإرشاد الرّسوليّ "فرح الإنجيل"، إنّه موقف عقيم يرفض المشاركة في بناء الحاضر، ويفقد التّواصل مع الواقع الذي يعاني منه الشّعب. وأُحذّركم من مغبّة التّمثّل بـ"الخبراء" الرّوحيّين الذين يدينون من الخارج ويمضون وقتهم في الحديث عما ينبغي فعله.

فالرّبّ عرض على تلاميذه ترياقًا للصّراع على السّلطة ورفض التّضحية. لهذا، وضعت طفلاً في وسطكم، لأسألكم من هم الأشخاص الحاضرون في قدّاس اليوم الذين قد يضعهم المسيح في الوسط؟ من هم الأصغر والأفقر الذين ينبغي أن نقبلهم مع الاحتفال بالذّكرى المئويّة لاستقلال البلاد؟ قد يكون هؤلاء من الأقليّات العرقيّة في المدينة، أو من العاطلين عن العمل المجبرين على الهجرة، أو العجزة المتروكين أو الشّبان الذين فقدوا جذورهم ولا يجدون معنى لحياتهم.

من هنا تأتي أهميّة أن تخرج الكنيسة لملاقاة الآخرين، لاسيّما الصّغار والمنسيّين، ومن يعيشون في ضواحي الوجود. وينبغي أن تدرك أنّ هذا الخروج يتطلّب أحيانًا التّوقّف والنّظر في أعين الآخرين والاستماع إليهم ومرافقتهم. ويجب أن نتصرّف أحيانًا كوالد الابن الضّال الذي مكث عند الباب ينتظر عودة ولده ليفتح له متى رجع. وفي الختام، أُشجّعكم على قبول يسوع كي يداوي ذاكرتنا ويرافقنا في حاضر مفعم بالتّحدّيات والعلامات التي يتركها لنا. من هنا أهميّة اتّباع الرّب كتلاميذ له، وهكذا نشعر بأفراح وآمال وأحزان أناس زماننا، لاسيّما الفقراء والمتألّمين."