الفاتيكان
27 نيسان 2020, 11:50

البابا يصلّي من أجل الفنّانين ويسأل الله نعمة الإبداع

تيلي لوميار/ نورسات
صلّى البابا فرنسيس، خلال قدّاسه الصّباحيّ اليوم في كابيلا القدّيسة مرتا، على نيّة الفنّانين "الّذين يملكون قدرة كبيرة على الإبداع والجمال ويدلّوننا على الدّرب الّتي ينبغي علينا اتّباعها"، سائلاً الله أن يمنحنا جميعًا نعمة الإبداع في هذه المرحلة.

وعلى ضوء إنجيل القدّيس يوحنّا الّذي يخبرنا عن يسوع الّذي، وبعد أن أشبع الجموع بتكثير الخبز والسّمك، هو الآن يوبّخهم قائلاً: "أَنتُم تَطلُبونَني، لا لِأَنَّكم رَأَيتُمُ الآيات: بلِ لِأَنَّكم أَكَلتُمُ الخُبزَ وشَبِعتُم. لا تَعمَلوا لِلطَّعامِ الَّذي يَفْنى بلِ اعمَلوا لِلطَّعامِ الَّذي يَبْقى فَيَصيرُ حَياةً أَبَدِيَّة ذاكَ الَّذي يُعطيكموهُ ابنُ الإِنسان فهوَ الَّذي ثبَّتَه الآبُ اللهُ نَفْسُه، بِخَتْمِه". وقالوا له: "ماذا نَعمَلُ لِنَقومَ بِأَعمالِ الله؟". فأَجابَهُم يسوع: "عَمَلُ اللهِ أَن تُؤمِنوا بِمَن أَرسَل".

وفي هذا الخصوص، قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "لقد كانت الجموع تستمع إلى يسوع بدون أن تتعب، ولكن بعد أن شبعوا أرادوا أن يقيموه ملكًا ونسوا حماسهم الأوّل لكلمة يسوع. ولذلك هو يذكّرهم بمشاعرهم الأولى ويصلح مسيرة الأشخاص الّتي بدأت تأخذ منحى دنيويًّا وتبتعد عن المنحى الإنجيليّ. وهذا ما يحصل معنا عندما نبتعد عن درب الإنجيل ونفقد ذكرى الحماس الأوّل لكلمة الرّبّ. إنَّ يسوع يجعلنا نعود إلى اللّقاء الأوّل وهذه نعمة إزاء تجارب الابتعاد عنه، نعمة العودة إلى الدّعوة الأولى عندما نظر فيها يسوع إلينا بحبّ. كلُّ فرد منّا قد اختبر اللّقاء الأوّل مع يسوع عندما قال له: "اتبعني"؛ ولكن خلال المسيرة نبتعد ونفقد نضارة الدّعوة الأولى.

لقد كان النّاس يصغون إلى يسوع خلال النّهار كلّه، ومن ثمّ عاشوا نعمة تكثير الخبز ورأوا سلطة يسوع وأرادوا أن يقيموه ملكًا. لقد كانوا يذهبون إلى يسوع أوّلاً للإصغاء لكلماته وطلب نعمة الشّفاء من أجل المرضى، وكانوا يصغون إليه طوال النّهار بدون ملل أو تعب، ولكن عندما رأوا أنّ يسوع يعطيهم أيضًا ليأكلوا، ولمّا كانوا يتوقّعون ذلك، فكّروا في ذواتهم: "ربّما هذا يصلح ليكون حاكمًا جيّدًا لنا، وربّما سيكون قادرًا أيضًا على تحريرنا من حكم الرّومان وعلى المضيّ قدمًا بالبلاد". وتحمّسوا ليقيموه ملكًا، لقد تغيّرت نواياهم ونسَوا في تلك اللّحظة الحماس الّذي كانت تولّده فيهم كلمات يسوع.

كان يسوع قد انصَرَفَ وعادَ وَحدَه إلى الجَبَل ليصلّي. ولكن النّاس بقيت هناك، وفي اليوم الثّاني بحثوا عنه لأنّهم كانوا قد رأوا أَنّه لم يَكُنْ هُناكَ إِلّا سَفينة واحِدة، وأَنَّ يسوعَ لم يصعَد إليها معَ تَلاميذِه، بل ذهَبَ التَّلاميذُ وَحدَهُم؛ لكنّهم لم يعرفوا أنّ يسوع قد لحق تلاميذه ماشِيًا على البَحر؛ فقرّروا عندها أن يسيروا إلى الشّاطئ الآخر من بحيرة طبريّا ولَمَّا وَجَدوه على الشَّاطِئِ الآخَر قالوا له: "رَاِّبي، متى وَصَلتَ إِلى هُنا؟" لم يفهموا ما حصل. فأعادهم يسوع إلى مشاعرهم الأولى، تلك الّتي كانت تحرّكهم قبل تكثير الخبز عندما كانوا يصغون إلى كلماته: "الحقّ، الحقّ أقول لكم، أَنتُم تَطلُبونَني، لا لِأَنَّكم رَأَيتُمُ الآيات: بلِ لِأَنَّكم أَكَلتُمُ الخُبزَ وشَبِعتُم"؛ لقد كشف لهم يسوع نواياهم وبأنّهم غيّروا موقفهم وأضاف: "لا تَعمَلوا لِلطَّعامِ الَّذي يَفْنى بلِ اعمَلوا لِلطَّعامِ الَّذي يَبْقى فَيَصيرُ حَياةً أَبَدِيَّة ذاكَ الَّذي يُعطيكموهُ ابنُ الإِنسان فهوَ الَّذي ثبَّتَه الآبُ اللهُ نَفْسُه، بِخَتْمِه". فقالوا له: "ماذا نَعمَلُ لِنَقومَ بِأَعمالِ الله؟". فأَجابَهُم يسوع: "عَمَلُ اللهِ أَن تُؤمِنوا بِمَن أَرسَل". هذه هي إحدى الحالات الّتي يُصلح فيها يسوع مواقف الأشخاص والجمع لأنّهم قد ابتعدوا في منتصف مسيرتهم عن اللّحظة الأولى، عن التّعزية الرّوحيّة الأولى وأخذوا لهم دربًا أخرى بحسب روح العالم وليس بحسب روح الإنجيل.

هذا الأمر يجعلنا نفكّر بأنّنا غالبًا ما ننطلق في حياتنا في درب اتّباع يسوع ونسير خلفه حاملين قيَم الإنجيل؛ ولكن وفي منتصف الطّريق، تأتينا فكرة أخرى ونرى بعض العلامات ونبتعد لنمتثّل بأمور زمنيّة ومادّيّة، وربّما نفقد أيضًا ذكرى ذلك الحماس الأوّل الّذي شعرنا به عندما سمعنا يسوع يتكلّم. إنَّ الرّبّ يجعلنا نعود على الدّوام إلى اللّقاء الأوّل، إلى اللّحظة الأولى الّتي نظر فيها إلينا وكلّمنا وولّد في داخلنا الرّغبة في اتّباعه. هذه نعمة علينا أن نطلبها على الدّوام من الرّبّ لأنّنا سنواجه في حياتنا على الدّوام تجربة الابتعاد عنه لأنّنا رأينا شيئًا آخر. علينا أن نطلب نعمة العودة إلى الدّعوة الأولى واللّحظة الأولى وألّا ننسى أبدًا قصّتنا مع يسوع، قصّة كلِّ فرد منّا عندما نظر إليَّ وأحبّني وقال لي: "هذه دربك"، وعندما جعلني أفهم من خلال العديد من الأشخاص ما هي درب الإنجيل.

تؤثّر فيَّ على الدّوام أنّه من بين الأمور الّتي قالها يسوع في صباح قيامته: "إِذْهَبا فَقُولا لِإِخوَتي، يَمضوا إِلى الجَليل، فهُناكَ يَرَونَني". لقد كان الجليل مكان اللّقاء الأوّل، هناك التقى يسوع بتلاميذه. لكلٍّ منّا جليله في داخله، أيّ تلك اللّحظة الّتي اقترب فيها يسوع منه وقال له: "اتبعني!". ولكن يحصل في حياتنا ما حصل أيضًا مع هؤلاء الأشخاص الصّالحين لأنّهم سألوه بعدها: "ماذا نَعمَلُ لِنَقومَ بِأَعمالِ الله؟". وهذا أمر يحصل في حياتنا عندما نبتعد ونبحث عن قيم أخرى ونفقد نضارة الدّعوة الأولى. يذكّرنا كاتب الرّسالة إلى العبرانيّين بهذا أيضًا إذ يقول لنا: "تذكّروا الأيّام الأولى". إنّها ذكرى اللّقاء الأوّل، ذكرى "جليلي" عندما نظر إليّ الرّبّ بحبٍّ وقال لي: "إتبعنيّ!".

وفي الختام، منح البابا البركة ودعا المؤمنين إلى المناولة الرّوحيّة.