البشر ليسوا على استعداد لمواجهة وباء فطري
تسبّب وباء "كوفيد-19" في صدمة للعالم أجمع، وقضى على ملايين من البشر، ودمر اقتصاد دول، وكشف ضعف استعداد البشرية لمواجهة الظروف الوبائية. في حين تحاول الشعوب والدول الوقوف على أقدامها من جديد، يحذّر العلماء من خطر وباء وشيك قد يحل على البشرية، والفطريات في مقدمة أسباب التهديد.
عالم الفطريات الواسع
لا يشتبه معظم الناس بالفطريات إطلاقًا عندما تصيبهم أعراض المرض، لكن أطباء الأمراض المعدية يلاحظون تزايدًا مقلقًا في عدد الإصابات الفطرية؛ وخاصة تلك المقاومة للأدوية. ما يجعل الفطريات أشد خطورة هو معرفتنا الضئيلة بها، إذ لم يتم تصنيف أكثر من 120 ألف نوع من الفطريات من بين أكثر من خمسة ملايين نوع، ومن بين تلك التي تمت دراستها بضع مئات فقط يمكنها إصابة الإنسان بالضرر. بالإضافة إلى نقص معرفتنا العلمية بمخلوق حي قادر على التأقلم بشكل طبيعي، فإن استخدام المبيدات الفطرية في الزراعة، إلى جانب التغيرات المناخية، تسهم في تخصيب أنواع أشد صلابة ومقاومة من الفطريات. لقد استُخدم الفطر منذ القدم في مجالات الطب التقليدي والطب البديل، ولم يدخل حيز اهتمام علماء الطب الحديث إلا منذ زمن وجيز.
خُلق ليتأقلم
يمكن للفطر أن يتطور ويتأقلم بسرعة مثيرة للدهشة، إذ يسعه التحور خلال بضع أيام فقط ليصبح أكثر مقاومة للأدوية؛ وأكثر قدرة على الالتصاق بخلايا المضيف وتجنب جهازه المناعي. وأكثر ما يثير قلق العلماء "فوعة الفطريات" (أو خبثها)، إذ يمكن للفطر الانتشار في جسد المضيف كالنار في الهشيم، كما يمكنه اختزان مواد سامة قادرة على تدمير الخلايا وتعطيل الأعضاء الحيوية، أو تشكيل كريات فطرية قد تتسبب في دفع الأعضاء الداخلية من مكانها. يمتلك الفطر أيضًا القدرة على التكاثر جنسيًا ولاجنسيًا. ففي حال تزاوج نوع فطر مضاد لدواء معين مع فطر آخر مضاد لدواء آخر؛ فإنه بذلك يكتسب مناعة مضاعفة للأدوية، وتلك كارثة للشخص المصاب. ومن العوامل الرئيسة التي تكسب الفطريات مناعة ضد الأدوية هو الاستعمال المفرط لمبيداتها في الزراعة، إذ يروج لها المنتجون على أنها تزيد من إنتاج المحاصيل؛ ما يدفع بالمزارعين لاستخدامها دون قيود. على سبيل المثال، تضاعف استخدام مبيد الفطريات "أزول" خلال الأعوام العشرة الماضية أربع مرات، ولأن المبيدات تعمل بشكل مماثل للأدوية المضادة للفطريات، فإن الفطر الذي يكتسب مناعة من أحدها غالبًا يكتسب مناعة من جميعها. ويعد إنتاج الأدوية المضادة للفطريات معضلة للعلماء، إذ أن الفطريات تتشابه مع البشر في العديد من الجينات والوظائف الحيوية؛ لذا فإن التحدي يكمن في إنتاج علاج سام للفطريات دون إضرار بأعضاء الإنسان. يتطلب إنتاج أدوية كهذه زمنًا طويلًا وتمويلًا باهظًا؛ فضلًا عن أن اكتساب الفطريات مناعة للأدوية الحالية أمر يثير قلق الباحثين.
عالمنا المتغير
يقف احترار المناخ أيضًا في صف الفطريات، فمعظم أنواع الفطريات حاليًا لا يمكنها تحمل درجة حرارة جسم الإنسان، لكن العلماء يراهنون على أن ارتفاع درجات الحرارة العالمية سيدفع الفطريات للتأقلم مع درجات حرارة أعلى مقتربة بذلك من حرارة جسم الإنسان. وخير مثال على ذلك هو فطر "Candida Auris" الذي لم يكن معروفًا لنا من قبل، فقد انتشر فجأة دون سابق إنذار في 3 دول عام 2012. لقد كان مقاومًا للأدوية بالفعل؛ لكن ما أخر ظهوره هو الفترة التي استغرقها في التأقلم مع درجات حرارة أعلى.
يظهر لنا في الوقت الحاضر أن الفطر لا يشكل خطرًا إلا على ضعاف المناعة وكبار السن، لكن العلماء يحذرون من خطر وشيك على العالم بأسره نظرًا لسرعة تأقلم الفطريات وصعوبة تصنيع أدوية مضادة لها. ما لم تتم دراستها بشكل أعمق وإجراء البحوث والتجارب وتوعية المزارعين بأهمية الحد من استخدام المبيدات الفطرية؛ فإننا قد نكون على أعتاب وباء عالمي لم نشهد له مثيلًا من قبل.
المصدر: National Geographic