لبنان
15 كانون الأول 2015, 17:20

البطريرك الراعي يترأس مؤتمرا بشأن الوادي المقدس – بكركي، الثلاثاء 15 كانون الأول 2015

ترأس البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، قبل ظهر اليوم الثلاثاء 15 كانون الاول 2015، في الصرح البطريركي في بكركي، ندوة اطلاق خطة العمل لحسن ادارة موقع التراث العالمي في وادي قاديشا، بحضور وزير الثقافة ريمون عريجي، النائب البطريركي المطران مارون العمّار، النواب ستريدا جعجع وايلي كيروز، الوزير السابق زياد بارود، ممثل مكتب اليونيسكو الإقليمي في بيروت المهندس جوزيف كريدي، الامينة العامة للجنة الوطنية لليونسكو البروفسور زهيدة درويش جبور، رؤساء اتحاد بليات قضائي بشري وزغرتا، رؤساء بلديات ومخاتير القضائين، اضافة الى رابطة قنوبين للرسالة والتراث و ممثلين عن الهيئات المعنية بهذا الملف.

قدم للندوة الوكيل البطريركي في الديمان، الخوري  طوني الآغا الذي اعرب عن تقديره " للمقاربة غير المسبوقة التي قام بها الوزير عريجي حيال هذا الملف، والنابعة من ايمانه الشخصي اولا، ومن التزامه المسؤول في تعزيز حضور الدولة في هذا الملف." كما وجه تحيات شكر لكل من عمل وساهم في "ايلاء الوادي المقدس عناية خاصة ولا سيما النائبين جعجع وكيروز"، مثنيا على "الجهود التي بذلها اتحاد بلديات قضاءي بشري وزغرتا للحفاظ على نظافة الوادي وحراسته، وعلى الدور الثقافي الرائد لرابطة قنوبين البطريركية للرسالة والتراث التي تحقق برعاية وعناية صاحب الغبطة البطريرك الراعي اول واكبر مشروع ثقافي في تاريخ الكنيسة."

ولفت الآغا الى " فضل اهالي الوادي في بناء تراثه مع آباء الكنيسة ورعاتها"، مؤكدا انه" عملا بتوجيه البطريرك الراعي، تدرس البطريركية خطة نهوض زراعي تنموي في وادي قنوبين."

وختم الآغا مشيرا الى ان هناك ثلاث مشكلات اساسية يجب ان يتخلص منها الوادي بمساعدة وتكاتف الجميع وهي مشكلة الصرف الصحي، والمشكلة العمرانية ومشكلة التنمية وتطوير موارد عيش ابناء الوادي."

بعدها القى المهندس جوزيف كريدي مسؤول قطاع الثقافة في مكتب اليونيسكو الإقليمي كلمة لفت فيها الى "ان رعاية البطريرك الراعي لهذه الندوة هي دليل على الاهمية القصوى لمسألة حسن ادارة الوادي المقدس،" متابعا "ان التراث الثقافي الذي يحتضنه هذا الوادي كان السبب في ادراجه على لائحة التراث العالمي لليونسكو سنة 1998 بطلب من البطريركية المارونية والسلطات اللبنانية المختصة. وهو واحد من من اصل 1031 موقعا في العالم، والوحيد المدرج على لائحة التراث العالمي. وبالتالي فانه وفقا لاتفاقية التراث العالمي التي وضعت في العام 1972، يتوجب على المجتمع الدولي كاملا المشاركة في حماية التراث العالمي لكافة الأجيال القادمة."  

وختم كريدي انه " بعد سنتين من العمل الدؤوب وبرعاية غبطة ابينا البطريرك الراعي يتم لقاء اليوم لعرض خطة العمل من اجل تعزيزادارة موقع قاديشا، لوضعه على خارطة السياحة العالمية الأمر الذي يشجع المجتمع الدولي على المساعدة في ايجاد تمويل للمشاريع التنموية ليس للوادي حسب بل للقرى المحيطة به ايضا."

ثم القت البروفيسور زهيدة درويش جبور كلمة قالت فيها:" أودّ بدايةً أن أعبّر عن سروري بوجودي في هذا الصّرح العريق الذي لطالما تطلّع صوبه اللّبنانيّون في زمن الصّعاب والأزمات لإيجاد الحلول وحماية الوطن وضمان وحدته وسيادته وعيش أهله الواحد. لقد لعب هذا الصّرح منذ تأسيس دولة لبنان الكبير وعلى مدى الأزمنة دوراً مهمّاً في الحياة السياسيّة، إضافةً إلى دوره الديني والرّوحي المتميّز، معزّزاً بقيم المحبّة والتّسامح والتّضامن، مرسّخاً الإنتماء إلى الأرض والتّاريخ والثّقافة اللّبنانية الأصيلة."

وتابعت درويش: "هذا الوادي مرتبط لديّ بذكريات زمن جميل حيث كانت بلدة بشرّي ومنطقة الجبّة عموماً مركز استقطاب لكثير من العائلات الطّرابلسيّة التي كانت تستطيب مناخها، وجمال طبيعتها، وحسن ضيافة أهلها في فصل الصّيف. ولكن كان يكفي أن يُذكَر اسم الوادي أمامي  ليحضر معه عالم شبه أسطوريّ كنت أنسجه على وقع ما كنت أسمعه من حكايات مرتبطة بالرّهبان والقدّيسين الذين اعتزلوا فيه النّاس ونذروا أنفسهم لعبادة الله. كان الهبوط إلى الوادي مغامرةً شقيّة، فالطّريق وعر وضيّق ولا يمكن عبوره إلاّ سيراً على الأقدام، ولعلّ ذلك كان كافياً لكي يرسخ حضور المكان في عالمي الداخلي وارتباطه باللّغز والصّمت والصّعوبات والمخاطر، وهذه كلّها قائمة في جوهر المقدّس."

وختمت درويش: "الهبوط إلى الوادي لا يمكن أن يكون نزهةً بل هو حج نختبر فيه جمال الصّمت فنستمع إلى صوت الله في حفيف أوراق الشّجر، الهبوط إلى الوادي المقدّس رحلة تطهّر وتأمل وسموّ، لذلك فهي تبقى مشروطةً بالحفاظ على لغة المكان وجوهره. لقد خاطب الله موسى عليه السّلام في القرآن الكريم فقال: "يا موسى إنّي أنا ربّك فاخلع نعلَيْك إنّك في الوادي المقدّس طوى"، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أنّ للمقدّس حرمة يجب احترامها والحفاظ عليها."

ثم كانت كلمة النائب ستريدا جعجع التي ثمنت فيها الجهود التي "بذلها ويبذلها البطريرك الراعي في سبيل الحفاظ على الوادي والعمل على ماسسة اللجنة التي يترأسها المطران مارون العمار وذلك ايمانا من غبطته بالعمل بكل شفافية وللحصول على مساعدات ومنح ودعم من المؤسسات الدولية من اجل اكمال ما بدأه البطريرك صفير منذ ادراج الوادي على لائحة التراث العالمي واليوم مع غبطتكم سيتحول الوادي الى معلم سياحي ديني عالمي"، كذلك اشادت بجهود" وزير الثقافة ريمون عريجي الذي يلعب دوره الفعلي كوزير ثقافة بافضل ما يكون للبنانيين."

وعرضت جعجع لأبرز الخطوات التي نفذتها والنائب ايلي كيروز والمتمثلة "بتأمين التمويل لتنفيذ مشروع الطريق في الوادي بحسب المواصفات والشروط التي وضعتها الأونيسكو ووزارة الثقافة"، مشددة على "ضرورة الحفاظ على وادي قاديشا وابقائه على لائحة التراث العالمي لأنه يمثل الهوية المارونية في الشرق والعالم."

وتابعت :" يهمنا كحزب سياسي في قضاء بشري الحفاظ على الوادي كمعلم بيئي وطبيعي لاسيما وانه شديد التنوع البيولوجي، ونحرص على الحفاظ على الأديرة والصوامع والكهوف والممرات والجداريات دون المس بهويتها التاريخية."

من جهته اعتبر الوزير ريمون عريجي ان هذا اليوم هو :" يوم مفصليّ في مسار الوادي المقدّس،" مشيراً إلى أنّ "الرّحالة البريطاني John Karen كتب في كتابه "رحلة في لبنان"، مطلع القرن التّاسع عشر: "إنّه موقع للتّوبة والتّفكير لا للمرح والحبور!!"

وتابع عريجي: "في هذا الوادي الجليل، يرتَعُ المقرّ الأوّل للبطريركية المارونيّة، وترقدُ هناك_على رجاء القيامة_ رُفاتُ العديد من البطاركة الأولياء الصّالحين. ومن الوادي انطلقت حروف الطّباعة والإشعاعات المعرفيّة، وهذا الوادي يشكّل أيضاً بيئةً غنيّة متنوّعة رائعة الجمال."

وأضاف عريجي: "إنّ هذه المقوّمات الدّينيّة والتّاريخيّة والتّراثيّة والبيئيّة والسياحيّة، دفعت إلى إدراج الوادي على لائحة التّراث العالمي للأونيسكو سنة 1998. إنّ هذا الإدراج أسبَغَ على الوادي سمة العالميّة التي يُفتَرَض أن تؤدّي إلى جذبٍ سياحيّ وبالتّالي إلى تنشيط الدّورة الإقتصاديّة في القُرى المحيطة"، مؤكدا ان" هناك عوامل عديدة تهدّد هذا الموقع اليوم، من بينها: عمران عشوائي وتعدّيات على البيئة وإهمال الدّولة وعدم وجود بُنى تحتيّة ملائمة وعدم وضع خُطط موضوعيّة وعلميّة لإدارة وتنمية هذا الموقع وجواره، غياب جهاز إداري متخصّص. ويبقى العامل الأهم هو فُقدان التّواصل بين الأهالي وكافّة الجهات المعنيّة لشرح وتوضيح وفائدة إدراج الوادي على لائحة الأونيسكو."

وأشار عريجي الى ان اجتماع اليوم " يهدفُ إلى إيجاد حلّ لهذه المسائل الشّائكة. وفي هذا السّياق، تؤكّد وزارة الثّقافة على الثّوابت التّالية: اقتناعها بإدراج الوادي على لائحة التّراث العالمي  إذا ما تمّ استغلاله بطرق عقلانيّة وعلميّة فهو فعل إيجابيّ سيرتدّ بالخير على الوادي والجوار وأهلهم الطيّبين، وبان المرجعيّات الدينيّة والسياسيّة واتّحاد البلديّات، ولجنة إدارة الوادي وجمعيّات المجتمع المدني والمديريّة العامّة للآثار مؤتمنون للمحافظة على الوادي بأهله وخصائصه، كذلك وضع خطّة عمل جريئة وطموحة وعلميّة وموضوعيّة هدفُها الأساس المحافظة على الوادي بعناصره كافة ودفع أخطار التّشويه والحفاظ على الوادي وتطويره وتنميته.

وختم عريجي:" إنّ المديريّة العامّة للآثار في وزارة الثّقافة ستبقى ساهرةً على حسن تطبيق الشّروط والمواصفات المعتمدة، ولن تألوَ جَهداً في هذا المجال وبروح التّعاون مع الجميع لتحقيق الهَدَف المشترك."

وفي الختام كانت كلمة لصاحب الغبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وجه من خلالها تحيات تقدير وشكر للمعنيين بهذا الملف وللحاضرين، لافتا الى انه "ما من شيء مستحيل عند الله" واستهل كلمته قائلا:"

أشكركم على الكلمات التي تفضّلتم بها والتي تحمل كلّ التّفاصيل المتعلقة  بخطة العمل لحسن ادارة موقع الوادي. لقد وضعتم البرنامج في كلّ الكلمات وأوضحتموه. نشكر الله  على ما استطعتم أن تتوصّلوا إليه، ولا سيما الجهود التي بذلها النائبان جعجع وكيروز لتامين تمويل المشروع، وهذا ما اشارت اليه النائب جعجع في كلمتها."

وأضاف غبطته:" تعلمون أنّه منذ عهد سيّدنا البطريرك صفير الذي نحييه اليوم، وتحديدا منذ العام 1998،  أُدرج الوادي المقدّس على لائحة التّراث العالمي. لقد كان اعتزازاً وفخراً لنا كلّنا ولسيّدنا البطريرك الذي  وضعنا في الأجواء وأسّس أوّل لجنة برئاسة المطران سمير مظلوم الذي أحيّيه بدوري. وعند انتخابي بطريركاً، كان امر الوادي المقدس من اولى البرامج التي  قررت الإهتمام بها. وفي الواقع في تموز 2011 بدأنا اجتماعاتنا وأنشأنا لجنة جديدة برئاسة المطران بولس مطر وبدأنا عملنا مع الأونيسكو العالمي والمكتب الإقليمي ومديريّة الآثار، وانطلقنا مرتكزين على أنّ الوادي المقدّس موجود على لائحة التّراث العالمي، وان هناك مسؤوليّة كبيرة مترتّبة علينا، ولا سيما ان الوادي يحتضن الكرسي البطريركي وهي الأساس، والصّوامع. وبدانا التفكير بكيفية احياء هذا المكان، اشارة الى ان هناك وجود للراهبات الأنطونيات في الوادي على الرّغم من كلّ الصّعوبات صيفاً وشتاءً."

وقال غبطته:" لقد عاش البطاركة نحو 400 سنة في هذا الوادي، كي يحافظوا على الإستقلاليّة وإيمانهم في زمن العثمانيّين. ولم يكن هذا  بالأمر السّهل، فلقد  تمكّن العثمانيّون من أن يصلوا إليهم، وحرقوا  الكرسيّ البطريركي مرتين. حتّى أنّ البطريرك الدّويهي والذي نحن اليوم في صدد دعوى تطويبه، هو نفسه قد تلقّى صفعةً من والي طرابلس عندما جاء اليه معترضا ومطالبا بعدم رفع قيمة الجزية التي يدفعها  النّاس الذين يعيشون في الوادي، قائلا للوالي: "من أين سيأتي هذا الشّعب بالمال، هل يطحن الأموال من الصّخور؟ وعلى اثر ذلك رفض البطريرك الدويهي البقاء في الوادي، وجاء إلى جانب بكركي للعيش في دير مار شلّيطا."

وشدّد غبطته على ان:"ما يعنينا اليوم هو هذه الرّوحانيّة وهذا الوجود البطريركي، وجذورنا موجودة هناك في الوادي ولطالمااشار البطريرك صفير لزواره الى موقع الوادي قائلا:" أنظروا أين عشنا، تطلّعوا لماذا نحن متمسّكون بلبنان، أنظروا لماذا يهمّ البطريركيّة أمر لبنان". من هنا انطلقنا للحفاظ على روحانيّة الوادي، وعلى رعويّة الوادي، فالكنائس لازالت موجودة والبيوت والسكّان. لم يأتِ البطريرك للعيش في الوادي من قبيل الصدفة، لقد كان هناك شعب، جاء لأجل المصلّين وكافّة البلدات حول الوادي، فهناك العرين الأساسي للموارنة. لقد كان يحمي نفسه ويحميهم في هذا المكان."

ولفت غبطته الى ان " همّنا الأساس هو تأمين الحياة رعويّاً وتهيئة السّياحة الدّينية والحجّ الدّيني لهذا المكان. فهذه المنطقة فيها  الأرز وجبران ومغارة ووادي قاديشا وبقاعكفرا التي أعطت مار شربل وهي المنطقة التي أعطتنا اكبر عدد من البطاركة،  فكم هو جميل ان نعطي الفرصة لكل إنسان في العالم أن يصل إلى هذا الوادي المقدّس، ولكن براحة وسكينة وليتنعموا بعطايا ربنا." 

وختم البطريرك الراعي: " وفي هذه المناسبة لا بد من الإشارة الى موضوع الرئاسة لنقول لقد بتنا نخجل من تعطيل عملية انتخاب الرئيس ولم نعد نحتمل لا داخليا  ولا خارجيا، مع ذلك نقول انه ليس من آفاق مسدودة؛ ربّنا يفتح الابواب ودائماً أوسع مما يتوقّع الإنسان، لأنّ الرب عندما يتدخّل يتدخّل كونيّاً، واليوم هو تدبير إلهي بأن نجتمع بهذا الشّكل، وانا أومن بأنّ الله يصنع المعجزات."

واكد الوزير السابق  زياد بارود في مداخلة له ان دوره يقتصر على "الشقّ القانوني لإيجاد الإطار المناسب لمأسسة المشروع"؛ وان "أهميّة المأسسة هي الإستدامة لأن الاشخاص يعبرون اما المؤسّسة فتبقى"لافتا الى ان" الهدف من هذا المشروع الرّائع الذي هو برعاية غبطتكم، هو الذهاب باتجاه  مؤسّسة تستمر على مدى عقود تضمّ كلّ المعنيّين فيه بشكل يحترم خصوصيّات الوادي ويحترم ضرورات التّنمية فيه، تماما كما استمر الوادي المقدّس لفترة كبيرة على الرغم من كل الصّعوبات."

واضاف بارود:" من أجمل الأشياء في هذا المشروع هو  التّعاون المحبّب بين الجميع، ولذا أرى في وجوه الجميع ارتياحاً. نأمل أن يعمّ هذا الإرتياح ليس الوادي المقدّس وحسب، وانما الكثير من الأودية التي نقبع  فيها والتي لا يمكننا الخروج منها."

 

المصدر: الصرح البطريركي - بكركي