لبنان
24 تموز 2019, 05:00

البطريرك الرّاعي أطلق مشروع التّحريج من جرود الدّيمان

برعاية وحضور البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، أقامت لجنة التّحريج في هيئة الحفاظ على البيئيّة بشري حفل إطلاق مشروع تشجير الأرز اللّبنانيّ "Cedrus Lebani" الّذي يساهم به المغترب اللّبنانيّ الأصل ألفريدو حرب حلو في جرد الدّيمان، قرب البحيرة الزّراعيّة حيث تمّ زرع أربعمائة غرسة من أشجار الأرز بحضور النّائب جوزيف إسحق ممثّلاً رئيس حزب القوّات اللّبنانيّة الدكتور سمير جعجع وعقيلته النّائب ستريدا جعجع، النّائب البطريركيّ العامّ على الجبّة المطران جوزيف نفّاع، سفيرالمكسيك في لبنان خوسيه إغناسيو موراسو، قائمقام بشرّي ربى الشّفشق، رئيس اتّحاد بلديّات قضاء بشري إيلي مخلوف، رئيس رابطة المخاتير ألكسي فارس، رؤساء بلديّات ومخاتير ومسؤولي الجمعيّات والهيئات البيئيّة والتّعاونيّات الزّراعيّة، قنصل لبنان الفخريّ في نوفاسكوتشيا- كندا وديع فارس، رئيس لجنة جبران الوطنيّة جوزيف فنيانوس، رئيس لجنة أصدقاء غابة الأرز بسّام جعجع، رئيس الجامعة اللّبنانيّة الثّقافيّة في العالم السّابق ميشال الدّويهيّ، ضبّاط وقادة أمنيّين، أسعد عيسى الخوري ممثّلاً العميد ريمون خطّار، مدير عامّ الدّفاع المدنيّ، الدّكتور رامي الشّدياق ممثّلاً المجلس العامّ المارونيّ، وفد من الصّليب الأحمر اللّبنانيّ والدّفاع المدنيّ، رئيس نادي الدّيمان أنطوان فرنسيس، مختار الدّيمان ريمون البزعوني، مأمور نفوس بشرّي جان إيليّا، رئيسة إقليم كاريتاس الجبّة أورور صفير باسيل. كما شارك وفد كبير من شبيبة الجامعة اللّبنانيّة الثّقافيّة في العالم .

 

الحفل استهلّ بالنّشيد الوطنيّ اللّبنانيّ، ألقى بعدها مدير مؤسّسة ألفريدو حرب حلو في لبنان نبيل سمعان كلمة ترحيب بالبطريرك شاكرًا للبطريركيّة المارونيّة رعايتها المشروع وهيئة الحفاظ على البيئة في بشرّي لمواصلتها العمل من أجل تحقيق حلم السّيّد حلو في إعادة الأخضر إلى جبال لبنان.

ثمّ كانت محطّة زجليّة لنقيب شعراء الزّجل في لبنان جورج بو أنطون حول علاقة لبنان بالأرز والتّاريخ وألقى بعدها رئيس لجنة الحفاظ على البيئة الدّكتور يوسف طوق كلمة استهلّها بالقول: "من قال إنّ الأسطورة هي مجرّد أسطورة وإنّ الحلم هو مجرّد حلم"، وتطرّق إلى ملحمة غلغامش والملك الّذي عاش في بلاد ما بين النّهرين وكان يفتّش عن سرّ الخلود فوجده في أرز جبال لبنان. وشرح عمل لجنة أصدقاء الأرز وحفاظها على غابة الأرز وطبيعتها ومعالجتها للأمراض الّتي تفتك بها وصيانتها الدّائمة، شاكرًا الدّعم المادّيّ والمعنويّ لعدد من المؤسّسات والأشخاص، وعلى رأسهم مؤسّسة ألفريدو حرب وبلديّة بشرّي. ونوّه بالجيش اللّبنانيّ وجهوده في المنطقة ومساهمته باليد العاملة واللّوجستية لإنجاح المشروع .

وأنهى: "يقال إنّ رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، ونحن نقول إن رحلة المليون أرزة بدأت بأكثر من مئة ألف وتكبر سنة بعد سنة" .

ومن ثمّ تحدّث رئيس لجنة التّحريج في الهيئة فيروز جعجع عن التّحضير الكامل لإطلاق هذا المشروع، وعرض لمراحل التّحريج والمواقع الّتي سيتمّ العمل على تحريجها من إهدن مرورًا ببشرّي وبقاعكفرا وبقرقاشا وبزعون وحصرون والدّيمان وبريسات وحدث الجبّة ومنها إلى تنّورين، لإعادة إحياء الاخضرار إلى قمم المكمل. وشكر البطريركيّة المارونيّة على تقديمها الأرض في الدّيمان ليتمكّن شباب الاغتراب من غرس الأرز في محيط البركة وإطلاق مشروع التّحريج منها .

بعدها ألقى النّائب جوزيف إسحق كلمة رحّب فيها بالبطريرك معتبرًا أنّه المرحّب به والمرحّب في آن معًا "لأن جبّة بشري وبشرّي والدّيمان ووادي قنّوبين وديره البطريركيّ المبارك والعابق بأنفاس أسلافكم القدّيسين جزء لا يتجزّأ من تاريخ لبنان ومن تاريخ الكنيسة وحاضرها وغدها. فأهلاً بكم سيّد بكركي والدّيمان أيّها القيّم والمكمّل لخطّ البطاركة الكبار وحارس الوديعة من خير خلف لخير سلف. أهلاً بكم يا من أعطيتم مجد لبنان ولبنان مجده أرزه رمزه للخلود كما يقول النّشيد الوطنيّ، وليس أيّ أرز، إنّه أرز الرّبّ. أنتم العامل الأوّل في حقل الرّبّ ليبقى لبنان ويبقى أخضرًا شامخًا، ولا بدّ لنا من أن نرحّب بالسّيّد ألفرد حرب حلو وعقيلته الدّكتورة ماريا إيزابيل في ربوع قضاء بشرّي في هذه الأرض الّتي أنتم منها والّتي عرفتكم منذ الـ2006 وعرفت مبادراتكم في دعم مشروع تشجير أرز لبنان في شتّى المجالات، فأضحى اسمكم مثالاً حيًّا يحتذى به لإعادة الاخضرار إلى سفوحنا الجرداء .

لقد لمع اسمكم في عالم المال والأعمال في المكسيك، لكن ذلك لم يغرّكم لأنّكم آمنتم بأنّ الإنسان يزول لكن أعماله تبقى على الدّوام، فقمتم منذ العام 2000 برفقة زوجتكم بجمع مشاريعكم الخيريّة في إطار المؤسّسة الّتي تحمل اسمكم، ودأبتم على مدى العقدين الأخيرين على إطلاق مبادارات لا تهدأ في مجالات التّربية والتّعليم والعمل الاجتماعيّ والبيئيّ وترميم الأبنية التّراثيّة وإعادة بناء ما هدمته الكوارث الطّبيعيّة في المكسيك، وبخاصّة مبادراتكم الواسعة في مجال الرّياضة والمثابرة على عطاءات لا تحصى تترجم يوميًّا في مئات مشاريع الخير، ليس آخرها عشرات آلاف المنح الدّراسيّة، بناء المدارس والجامعات والمعاهد المتخصّصة والمدن الرّياضيّة وإقامة مشاتل أكثر من ثلاثين ميلون غرسة سنويًّا، حتّى غدت مؤسّساتكم واحدة من أبرز مؤسّسات المجتمع الأهليّ.

إنّ تعلّقكم بجذوركم كما وتعلّقكم بقيم الحياة الّتي تؤمنون بها، وعملكم الهادف لخير الإنسان بإيمان وصمت، دفعكم في خضمّ حرب تمّوز، ومن بين أشجار الغابة الدّهريّة الحزينة المنسيّة يومها، إلى إطلاق مبادرتكم الأهمّ خارج حدود المكسيك، وهي الأغلى على قلبكم بالتّأكيد، فقلتم يومها في ذاتكم وإلى من حولكم "إنّ أفضل هديّة يمكن لكم أن تقدّموها إلى لبنان وإلى الأجيال القادمة في تلك الأيّام العصيبة، هو المساهمة الفعّالة في إعادة اخضرار الأرز الى هذه السّفوح الجرداء.

لقد خصّصتم مشروع تشجير الأرز في وطنكم الأمّ بعاطفة مميّزة على ما عداه من مئات مشاريعكم في المكسيك، فكنتم على الدّوام المبادر إليه وكنتم وستبقون الدّاعم الأوّل له. واليوم تأتون إلينا قيّمًا على استمراريّته واستدامته، ليكون خير إرث للأجيال القادمة وإيمانًا راسخًا بقدسيّة هذه الأرض الّتي خصّنا الله بها. إنّنا نثمّن الثّقة الغالية الّتي وضعتموها في شخص الدّكتور يوسف طوق والمختار فيروز جعجع من خلال التّوقيع وإيّاهما على مبدأ التّعاون الفعّال لإعادة اخضرار الأرز إلى سفوح قضاء بشرّي الجرداء الممتدّة من الغابة الدّهريّة وصولاً إلى غابة حدث الجبّة تنّورين، مع تشديدكم على إعطاء دور أكبر للأجيال النّاشئة، وذلك انسجامًا مع روحيّة مبادرتكم بدعم كلّ من يثابر بجدّ على تشجير أرز لبنان وصيانته والمحافظة عليه. وبالمناسبة، لا يسعنا إلّا أن نعبّر أمامكم وأمام المشاركين في هذا الحفل الكريم،عن ثقتنا بجدّيّة ومستقبل العمل الّذي بدأت به لجنة التّحريج في هيئة الحفاظ على البيئة بشرّي، مع تنويهنا بمبادرتها إلى تنظيم هذه الانطلاقة المباركة بإمكانيّات ذاتيّة، تحت عباءة غبطة أبينا البطريرك ما بشارة بطرس الرّاعي، وإنّنا إذ نعي من موقعنا المسؤول كنوّاب في قضاء بشرّي بأنّ عناصر نجاح مشروع إنمائيّ طموح كهذا متوافرة في مجتمعنا.

لا بدّ لنا في هذه المناسبة من التّأكيد على التزامنا دعم وتحفيز جميع أصحاب النّيّات الحسنة والإرادات الخيّرة، بهدف تضافر وتكامل الجهود المتجرّدة لإنجاح هذا المشروع الرّمز، الّذي يتخطّى كونه مشروعًا إنمائيًّا وبيئيًّا فحسب، بل يسمو بنظرنا فوق أيّ اعتبار أو مصلحة آنيّة" .

ثمّ ألقى حلو كلمة باللّغة الإسبانيّة أعرب فيها عن سعادته وفرحه اللّذين لا يوصفان "خاصّة وأنّ هذا الاحتفال تحت رعاية غبطة أبينا البطريرك.نحن نجتمع اليوم لهدف واحد، سلطات رسميّة ومجتمعًا أهليًّا ولجانًا بيئيّة، من اجل إعطاء الأهمّيّة للبيئة. وعندما زرت لبنان والغابة الدّهريّة عام 2006 سألت من زرع هذه الغابة الرّائعة فلم يعرف أحد ولم أحصل على جواب، ولكنّني شكرت الله لوجود أشخاص زرعوا وأورثوا هذا الكنز للإنسانيّة جمعاء. ونحن نريد أن يكون بلد الآباء والأجداد مليئًا بالأمل والأرز، ففتّشنا عن مؤسّسة جدّيّة لهذا العمل تعنى بهذا الشّأن في بشرّي، وقرّرنا السّير خطوة وراء خطوة. وبدأنا بزرع الأشجار، ثمّ وجدنا حاجة للرّيّ فأنشأنا البحيرات وحاولنا وضع سياج لحمايتها من الرّعي، ثم قدّمنا مشتلاً للأرز، وأقدّر الجهود الّتي تبذل لحماية المحميّات وبخاصّة أرز الشّوف وتنّورين .

كما سألت عمّن زرع الغابات الموجودة اليوم، سيسأل كثيرون بعد ألف عام من زرع الأشجار الّتي نغرسها اليوم. ومبروك لنا جميعًا على جعل أرضنا مليئة بالأرز اللّبنانيّ. وأشكر زوجتي الّتي لها اليد الطّولى في هذا المشروع وهي الّتي تترأّس المؤسّسة في المكسيك" .

بدوره أعرب البطريرك الرّاعي عن سروره برعاية الحدث وإكمال مشروع زرع الأرز على هذه الجبال من الأرز وصولاً إلى الحدد وتنّورين، وقال: "وأريد أن أحيّي السّيّد حلو وزوجته وابنته والنّائب جوزيف إسحق ومن خلاله النّائب ستريدا جعجع والدّكتور سمير جعجع. كما أحيّي كلّ المشاركين ولجنة المحافظة على البيئة ولجنة التّحريج والقوى الأمنيّة والصّليب الأحمر والدّفاع المدنيّ وشباب الاغتراب.

إنّ الكرسيّ البطريركيّ في الدّيمان سعيد جدًّا بأن يقدّم كما كلّ البلديّات الأراضي اللّازمة لتشجير الأرز بكلّ فخر واعتزاز، لأنّنا بذلك نكمل تاريخنا المجيد، تاريخ يعود بنا إلى الوادي المقدّس، تاريخ يعلّمنا أنّ شعبنا في لبنان قام على الإيمان والتّواضع والتّجذّر في الأرض. فشعبنا اللّبنانيّ يعيش الشّموخ  في التّطلّع في الأخلاق والقيم. هذه رسالتنا التّواضع والشّموخ والتّواضع هو الأساس عبر التّأصّل بالأرض اللّبنانيّة ونشر الثّقافة. فالأرز يعيش بين العواصف وتغطّيه الثّلوج، تضربه الرّياح والأعاصير أفقيًّا واللّبنانيّون مدعوّون أن يتأصّلوا بتاريخهم وثقافتهم وحضارتهم وينشروها. هذا هو معنى الانتشار اللّبنانيّ. ومن هنا نحيّي الأستاذ ألفريدو وعقيلته وابنته وكلّ المنتشرين والشّبيبة الّتي هي معنا اليوم ننطلق في العالم حاملين في القلب والفكر ما تعلّمناه من ثقافتنا اللّبنانيّة فالكثيرون لم يعرفوا لبنان وهم في الخارج ولكن يحملونه في روحهم ودمهم. فكلّ بلد زرناه من بلاد العالم لم نسمع إلّا المديح باللّبنانيّين فهم المساهمون الأوائل في نهضة هذه البلدان وهم يحترمونهم، ومن خلال أعمالهم يكرّموننا جميعًا ويقدّروننا . فقصّة اللّبنانيّ أنّه صعد من وادي قنّوبين وارتفع بطموحه إلى أعلى الجبال لأنّه لا يقبل أن يبقى مكانه فهو طموح ومغامر .

عندما كنت في زيارة إلى البرازيل طرح سؤال لماذا تحبّون اللّبنانيّ؟ فكان الجواب هو ابن بيئته ينظر فيرى البحر أمامه فيرغب برؤية ما وراءه، ويسافر ويحلم بالعلاقات مع النّاس ويسير في المجهول وحقيبته على ظهره ويتعرّف ويحقّق هدفه، وعندما ينظر إلى ورائه يرى الجبال فيصعد إلى أعلى قممه، هذا هو سرّ اللّبنانيّ قصّة الأرز ووادي قنّوبين وعلينا أن نحافظ عليها. ونحن نقوم بجهد كبير بعمل للتّاريخ ولآلاف السّنوات نزرع إلى الأبد، فلبنان أمانة في أعناقنا ويجب علينا أن نحافظ على ثقافته وحضارته وأرضه وحدوده ولا يمكن أن نفصله عن الله وعن كتابه المقدّس. هناك صعوبات ومشاكل كثيرة علينا أن نواجهها كما الأرز في مواجهة العواصف. فآباؤنا وأجدادنا وشهداؤنا واجهوا الصّعوبات وحافظوا على لبنان.

برؤية النّبيّ حزقيال عندما رأى نسرًا كبيرًا يحمل ألوانًا متعّددة، استقرّ على قمّة الأرز فكانت علامة أنّ هذا الوطن هو بلد التّنوّع والتّعدّدية وعلينا أن نحافظ عليه. وفي النّظام السّياسيّ لا يقوم لبنان على الثّنائيّات والأحاديّات والإقصاء، فقيمة لبنان بألوانه المتعدّدة الدّينيّة والثّقافيّة والحزبيّة والسّياسيّة وهي الأساس لترسيخ وحدتنا اللّبنانيّة ."

بعدها أزيحت السّتارة عن اللّوحة التّذكاريّة وقام البطريرك والنّائب إسحق والسّيّد حلو وأفراد عائلته بزرع غرسات أرز مطلقين مشروع التّشجير. وبالمناسبة كانت محطّة فنّيّة موسيقيّة راقصة بإشراف الأب خليل رحمة .