لبنان
07 آب 2019, 05:00

البطريرك الرّاعي التقى مجلس نقابة المحرّرين في الدّيمان

إستقبل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي في الصّرح البطريركيّ في الدّيمان نقيب المحرّرين جوزيف القصّيفي على رأس وفد من مجلس النّقابة ضمّ: علي يوسف، حبيب شلوق، سكارليت حدّاد، يمنى شكر، واصف عواضة وخليل فليحان، إضافة إلى عدد من الإعلاميّين الشّماليّين في النّقابة.

 

وألقى النّقيب القصّيفي كلمة حيّا فيها البطريرك وقال: "صاحب النّيافة والغبطة تحملون مجد لبنان وإرثه، مقتفين خطى الّذين قيل فيهم: "عصيّهم من خشب، أمّا هم فمن ذهب"، وتلتزمون بشارة الإنجيل وإنجيل البشارة، وتسلكون سبيل الحقّ الّذي تعرفون، وبه تحرّرون وتتحرّرون.

نزوركم اليوم على مرمى أسابيع من العدّ العكسيّ لمئويّة دولة لبنان الكبير، وهي المولود الشّرعيّ لحقائق التّاريخ والجغرافيا، وقد ظلّت جنينًا يتكوّر في رحم الأيّام، إلى أن قيّض لها القابلة المقتدرة، الواثقة الّتي أبصرتها النّور في الأوّل من أيلول 1920. هذه القابلة ليست سوى الياس الحويّك سلفكم الطّيّب الذّكر، تحوطه هامات وقامات روحيّة وزمنيّة، من طوائف لبنان ومناطقه، في دلالة عميقة على الشّراكة الوطنيّة في هذا الخيار المصيريّ، الّذي بدأ معه تاريخ لبنان الحديث.

على خطى الحويّك سار عريضه الّذي باع صليبه لإطعام الجياع في الحرب العالميّة الأولى، والمعوشيّ الّذي كان مع الشّراع لا مع الرّيح، وخريش المتبصّر، الحكيم، الّذي لا يخشى الجهر بآرائه، ولو اشتدّت عليه الصّعاب، وصفير الماسيّ الفمّ الّذي قال ما قال، ومضى يده على المحراث، يقوده إيمان يزلزل الجبال من مواضعها، ولسان حاله: "مشيناها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها."

أنتم الحلقة السّابعة والسبعون في سلسلة أولئك العظام الّذين نقلوا لبنان- الفكرة، من حيّز القوّة إلى حيز الفعل. هيهات لو عرفنا كيف نحافظ عليه.

صاحب النّيافة والغبطة ماذا تبقّى من دولة لبنان الكبير في دولة لبنان- الطّائف؟

هل سلّم اللّبنانيّون أنّ وطنهم الّذي تعاهدوا على الولاء له، وطنَا نهائيًّا، تحوّل إلى دولة الطّوائف؟

هل خلوّ لبنان من القوى الخارجيّة، ساعد على انطلاق دولة المؤسّسات، ولماذا عجز المسؤولون، عن تجاوز الهواجس المتبادلة، والخروج من ثقافة التّوجّس والحذر؟

لماذا فشلت كلّ المحاولات في جمع القادة الموارنة تحت سقف الثّوابت الرّئيسة لكنيستهم، ووقف حرب الإلغاء السّياسيّة في ما بينهم؟ هل أنّ إقرار الموازنة سيحقّق نقلة نوعيّة على طريق الاستقرار السّياسيّ والاقتصاديّ؟ ما رأيكم بالطّبقة السّياسيّة في لبنان، وهل لا تزال أهلًا للثّقة وقيادة البلاد إلى الملاذات الآمنة.

صاحب النّيافة والغبطة، لكم منّا الاحترام، ونعلم كم تعانون، وكم ثقيلة الأحمال الملقاة عليكم.

أنتم متمرّسون بثقافة الرّجاء الّتي كرز بها بولس الرّسول، لكن عذرًا إن طرحنا سؤالاً مضافًا على ما سبق وطرحناه ولا ينفكّ المواطنون عن طرحه كل ّيوم: هل أُوصدت أبواب الأمل، وهل يتعيّن علينا أن نخاف من المستقبل، وأن نجد أنفسنا في لبنان آخر لا يشبه دوره ورسالته؟ سيّدنا كلّنا سمع لكلامك الجوهريّ".

وردّ البطريرك الرّاعي بكلمة رحّب فيها بالنّقيب وأعضاء مجلس النّقابة شاكرًا له كلمته وقال: "بفرح كبير نستقبلكم اليوم في الدّيمان الّتي تحمل معان كبيرة وأبعادًا كثيرة على مشارف هذا الوادي المقدّس، سيّما وأنّنا نستعدّ اليوم لمئويّة إعلان دولة لبنان الكبير، حيث من هذا المكان انطلقت المسيرة الكبيرة للبطريرك الحويّك من يوحنّا مارون ومن هذا الوادي الّذي شهد نضال 17 بطريركًا خلال أربعمئة عام، وقاوم وناضل كلّ منهم بذراعيه المدنيّ والكنسيّ مع المقدمين، وواجهوا كلّ الصّعوبات في زمن المماليك وزمن العثمانيّين واستشهد منهم البطريركيّن حجولا والحدشيتيّ، وتوّجت هذه المسيرة مع البطريرك المكرّم الحويك وهذه المسيرة اللّبنانيّة ثمرة جهود ونضال ولم تستمرّ أو تسقط "بقفة". واليوم نتساءل كيف عاش البطاركة آباؤنا في الوادي ونحن اليوم لا نتمكّن من الوصول إليها إلّا بالسّيّارات". وتحدث الرّاعي عن تكريم البطريرك الحويّك وما وصلت إليه دعواه آملاً أن يرفع مع البطريرك الدّويهيّ على مذابح القدّيسين، ونأمل أن تتثبت باعجوبة لكي ندعو قداسة البابا إلى لبنان ليعلن القداسة من عندنا. نحن اليوم نعيش بقلق كبير ونعود إلى الوراء أشواطًا، ونتأسّف على دماء الشّهداء الّتي أريقت لأنّ المسؤولين لم يتعلّموا ويأخذوا العبر من كلّ ما حصل. لقد عشنا الحرب في لبنان والّتي أتت نتائجها باتّفاق الطّائف الّذي وافق عليه المثلّث الرّحمات البطريرك صفير بعد أن خيّر بين الفوضى والحرب أو القبول بالطّائف وأخذ موقفًا بقبول الطّائف بدل الحرب. والمشكلة أنّ اتّفاق الطّائف لم يطبّق بنصّه وروحه وتبيّن أنّه يتضمّن ثغرات عديدة تشبه طريق معبّدة ولكنّها تحوي حفرًا كثيرة. وليس عندنا اليوم سلطة تحكم والبرهان اليوم حادثة قبرشمون المؤسفة الّتي عطّلت الحكومة والّتي لا تزال تتفاعل وتتظهّر الخلافات حول المحاكم وحول صلاحيّات رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة ومن يدعو لعقد مجلس الوزراء، والمسؤولون يواصلون مخالفة الدّستور والقوانين، الدّستور والقانون طريق نسير عليه وإذا تعثّرنا نتدهور. إلى أين سنصل؟ العالم كلّه ينظر إلينا، ينظر إلى لبنان لدعمه، وعقدت عدّة مؤتمرات من روما إلى باريس وبلجيكا من أجل مساعدة لبنان واليوم سيدر لدعم الجيش والاقتصاد والنّازحين، والمسؤولون عندنا غير آبهين فلا رؤيا ولا تطلّع إلى البعيد، أقرّوا الموازنة مشكورين ولكنّها لا تتضمّن قطع حساب ولا إصلاحًا اقتصاديًّا. ونعود إلى موضوع المحاكم فهل بتنا في دولة مزارع وطوائف ونافذين يسير القضاء بحسب الأهواء، وإذا أعجبنا الحكم نرضى به وإن لم يعجبنا نرفضه، وإذا استلمنا منصبًا قضائيًّا أو أمنيًّا أو إداريًّا نتحكّم بالنّاس من خلاله. وهل يجوز أن يأكل القويّ الضّعيف؟ وكيف يمكن أن نرضى بما يحصل على الصّعيد الأمنيّ؟ وأنا اليوم أوجّه من هنا نداء عاجلاً إلى اللّواء عماد عثمان وأسأل كيف يقبل بفبركة ملفّات لأشخاص من دين واحد ومذهب واحد؟ نحن مع القانون ولكن هل مسموح تعذيب النّاس في أقبية الأمن الدّاخليّ وشعبة المعلومات خلال التّحقيق معهم؟ فالأمر لم يعد يطاق لأنّنا بتنا بعيدين عن مفهوم الدّولة وبات القويّ يأكل الضّعيف والشّعب فقد كلّ الثّقة بالحكّام، والبرهان أنّ 51 بالمئة من النّاس لم تشارك في الانتخابات ولم يقترع سوى المنتمين إلى الأحزاب الملزمين بالاقتراع، أمّا الباقون فليس لديهم ثقة بدولة تضع القوانين جانبًا وتنفّذ ما تريد استنسابيًّا خلافًا للدّستور والقانون والميثاق. نعم إنّه لأمر مقلق لأنّ أكثر شبابنا المتعلّم الّذي دفع أهلهم الأموال الطّائلة لتعليمهم يهاجرون ويبرعون في بلدان الاغتراب. ألا يحقّ لهم أن ينجحوا ويعملوا في بلادهم؟ نعم، لا يحقّ لهم العمل والنّجاح في لبنان لأنّ كلّ من يريد إقامة أيّ مشروع في لبنان عليه أن يمرّ "هون وهون وهون ويدفع بكلّ المحلّات". إذا سمح له بذلك يطلب منه توظيف من يريدون لذا يترك المستثمر لبنان إلى الخارج، فهل هذا هو لبنان؟ وهل هكذا نستعدّ للمئويّة الأولى؟ وهل هكذا نطلّ على العالم كلّ مسؤول يرمي التّهم على غيره ويتخاصمون كالأطفال، وإنّ الأطفال يتصالحون بعد ساعة أمّا هم فيتخاصمون إلى الأبد على حساب الدّولة والمؤسّسات والشّعب. وإنّني اتأسّف كبطريرك كما الشّعب اللّبنانيّ على الدّماء الّتي سالت من أجل أن يبقى لبنان، ولكن من لا يتعب بشيء لا يحزن عليه هذا واقعنا للأسف ولكن لا يمكننا الاستمرار بهذا الواقع .

بعدها ردّ البطريرك على عدد من الأسئلة الّتي طرحها بعض المحرّرين حول الأوضاع العامّة في البلاد.