البطريرك الرّاعي: نحن بحاجة لسماع أفكار الرّئيس عون في المواضيع الّتي طرحها مجلس البطاركة
وشدّد الرّئيس عون من جهة ثانية على وجوب القيام "بحملة عالميّة بعد الحرب لإصلاح وترميم كل الأماكن التّاريخيّة بما فيها الكنائس، الّتي تشهد على الحضارات إن في العراق أو سوريا أو لبنان. وقد عرضت هذا الموضوع مع قداسة البابا فرنسيس حين التقيه، ومع الأمين العام للأمم المتّحدة انطونيو غوتيريس وقد أبديا تأييدهما لهذا الأمر. كما إنّني سأتناول هذا الموضوع في كلمتي الّتي سألقيها في أيلول/سبتمبر باسم لبنان، أمام الجمعيّة العّامة للأمم المتّحدة".
كلام رئيس الجمهورية جاء خلال استقباله بعد ظهر اليوم في قصر بعبدا، وفد مجلس بطاركة الشّرق الكاثوليك والأرثوذكس لمناسبة اجتماعهم في المقر الصيفي للبطريركيّة المارونيّة في الديمان. وضمّ الوفد البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، بطريرك السّريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السّريان الأرثوذكس مار اغناطيوس افرام الثّاني، بطريرك الروم الكاثوليك يوسف الأوّل عبسي، بطريرك الاسكندرية للأقباط الكاثوليك ابراهيم اسحق سوراك، كاثوليكوس الأرمن الارثوذكس آرام الأول كيشيشيان، بطريرك الكلدان مار لويس روفايل الأول ساكو، بطريرك الأرمن الكاثوليك كريكور بدروس العشرون، رئيس المجمع الأعلى للطائفة الانجيليّة في سوريا ولبنان القسّ الدكتور سليم صهيوني، ممثّل كنيسة القدس للاتين المطران وليم شوفاني وحضر أيضًا السّفير البابويّ المونسينيور غبريال كاتشا والأمين العام لمجلس البطاركة الكاثوليك في الشّرق الأب خليل علوان، وعدد من المطارنة والأباء.
في مستهل اللقاء، تحدث البطريرك الرّاعي باسم الوفد شاكرًا الرئيس عون على استقباله الوفد في اليوم الأوّل من المؤتمر الـ25 لبطاركة الشّرق الكاثوليك، واللّقاء مع الكنائس الارثوذكسية ورئيس المجلس الوطنيّ الانجيليّ. وقال: "إنّ العنوان العام لليوم الأوّل للمؤتمر هو "الأوضاع الكنسيّة والسياسيّة في بلدان الشّرق الأوسط" ورغبنا في طرح الأمور أمام فخامتكم لسماع أفكاركم وطروحاتكم الّتي نحتاجها. لقد طرحنا اليوم مواضيع عدّة وهي:
- أهميّة لبنان كدولة تتمتّع بخصوصيّاتها ودوره وأهميته في البيئة المشرقيّة، والمخاوف والمصاعب الّتي يواجهها في أوضاع اقتصاديّة وسياسيّة وأمنيّة، وخصوصًا ضرورة ايجاد حلّ للأخوة النّازحين واللّاجئين، علمًا أنّنا نعلن معكم تضامننا الانسانيّ معكم.
- ضرورة الفصل بين الدّين والدّولة في البلدان العربيّة والشّرق الأوسط لانعكاسه الايجابيّ على المسيحي ليساهم بايجابيّة في بناء الوطن.
- أهميّة الحفاظ على وجود المسيحيّين في الشّرق الأوسط القائم منذ ألفي سنة، وليس من السّهل أن تقتلعهم الأحداث من أرضهم وهم يحملون رسالة مسيحيّة قائمة على احترام للانسان وكرامته والمحبّة والشّراكة.
- موضوع المدارس الكاثوليكيّة المسيحيّة والخاصّة في ضوء سلسلة الرّتب والرّواتب في ظلّ الحاجة إلى إعادة النّظر بها بعد صدور الموازنة واجراء الاصلاحات اللّازمة وتأمين التّوازن بين المداخيل والمصاريف وعدم ارهاق المواطنين بالضّرائب، وإنصاف المعلّمين والأهل والمدارس ومطالبة الدّولة لمساعدة الأهل في المدارس الخاصّة من خلال اعتماد البطاقة التّربويّة، واذا كان لا بدّ من تطبيق الزّيادات على الأجور للمعلّمين حاليًا، فيجب على الدّولة أن تتحمّل هذه الزّيادات هذا العام، ونتمنى أن تتشاور اللّجان المعنيّة مع الأمانة العامّة للمدارس الخاصّة."
وردّ الرّئيس عون مرحّبًا بالوفد، مستعرضًا المواضيع الّتي تمّ طرحها، وقال: " إنّها مواضيع منها ما هو شائك ويخرج عن ارادتنا في ما يتعلّق بالوجود المسيحيّ في المنطقة، حيث نحاول في لبنان ترتيب أوضاعنا بشكل جزئيّ، بينما نحاول المحافظة على الوجود المسيحيّ في الدّول الأخرى في ظلّ دعوة عالميّة إلى ذلك، وبعد الردّة الرجعيّة الّتي شاهد العالم مفاعيلها. نتمنّى أن توصلنا هذه القناعة العالميّة إلى تفاهم جديد حول المسيحيّين في الشّرق."
وأضاف: "إنّ لبنان الّذي يتمثّل فيه المسيحيّون بمختلف كنائسهم، والمسلمون بمختلف مذاهبهم، يصلح لأن يكون مركز حوار للحضارات والأديان، فهذه المنطقة المشرقيّة شهدت تطوّر الحضارة من العهد الآرامي وحتى اليوم مع كلّ الحضارات الّتي مرّت فيها (يونانيّة ورومانيّة...). وقد تصدّى اللّبنانيّون سابقًا لمحاولة تغيير اللّغة العربيّة على يدّ الأتراك، كما إنّهم كانوا السّبّاقين نحو نهضة نهاية القرن الـ19 وبداية القرن الـ20، وبعدها تأقلموا مع الحضارة الغربيّة، وكان لبنان بالتّالي الباب الّذي تدخل منه الحرية الى الشرق الأوسط."
وقال الرّئيس عون: "لكلّ هذه الأسباب، نحن الأقدر لإدارة حوار حضاريّ وحوار دينيّ. فهذه الثّقافات المختلفة زوّدتنا بفكر وبسلوك يؤهلاننا للتّحاور والتأقلم مع الحضارات الحديثة، فكل الدّول أصغر من لبنان بالعمر. ونعتبر أنّه إذا نجحنا في هذا الموضوع، ستكون بداية حلّ خارجيّ للحياة المشتركة بعد أن نكون قد تحاورنا مع الجميع. كما يجب أن نقوم بحملة عالميّة بعد الحرب لإصلاح وترميم كلّ الأماكن التّاريخيّة بما فيها الكنائس، الّتي تشهد على الحضارات إن في العراق أو سوريا أو لبنان. وقد عرضت هذا الموضوع مع قداسة البابا فرنسيس حين التقيه، ومع الأمين العام للأمم المتّحدة انطونيو غوتيريس وقد أبديا تأييدهما لهذا الأمر. كما إنّني سأتناول هذا الموضوع في كلمتي التي سألقيها في أيلول/سبتمبر باسم لبنان، أمام الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة. ويمكن أن يتمّ بحث الموضوع على مستوى كلّ الطوائف، وأن يكون جزءًا من خطابنا خصوصًا بعد التّجربة القاسية التي مرّ فيها المسيحيّون".
وتطرّق إلى القضايا الاقتصاديّة والماليّة، معتبرًا "إنّ لبنان يعمل حاليًّا على معالجة الوضع الاقتصادي في خطوة لم تحصل منذ سنوات طويلة، فالاقتصاد كان ريعي وقام على الاستدانة، وتأثّر بتراكم الأزمات الّتي ضربت العالم على مرّ السّنوات ومنها الرّكود الاقتصاديّ والحروب في المنطقة والنّزوح الكثيف. وفي ما خصّ النّقطة الأخيرة، فقد اتُّهمتُ بالعنصريّة لمطالبتي بالحدّ من استقبال النّازحين لعدم قدرة لبنان على استيعاب هذه الأعداد الّتي أضيفت إلى أعداد اللّاجئين الفلسطينيّين وتخطّى عددهم المليونين."
وأوضح الرّئيس عون "إنّ هذه الأزمات أثّرت سلبًا على لبنان، كما أدّت التّراكمات إلى انقسام اللّبنانييّن حول سلسلة الرّتب والرّواتب، ولا بدّ من الوصول إلى تسوية حول الموضوع."
ثمّ دار حوار بين رئيس الجمهوريّة والبطاركة، أعرب خلاله الكاثوليكوس كيشيشيان عن تقديره لأهميّة الاستقرار الأمنيّ الّذي يعيشه لبنان منذ انتخاب الرّئيس عون، مشدّدًا على الدّور الايجابيّ الّذي يلعبه رئيس الجمهوريّة مع الجيش اللّبنانيّ للحفاظ على هذا الاستقرار.
كما تحدّث البطريرك يونان عن أوضاع الرّعايا المسيحيّين في سوريا والعراق، وتطرّق إلى معاناة النّازحين العراقيّين الرّاغبين في العودة إلى أراضيهم في العراق بشكل خاصّ، والتّسهيلات الّتي يمكن أن تقدّمها الحكومة من أجل تحقيق هذا الأمر.
وأشاد البطريرك ساكو من جهّته بالرّئيس عون وبالقرارات الّتي يتّخذها، داعيًا إيّاه إلى زيارة العراق. وقد وعد الرّئيس عون بدراسة توقيت الدّعوة الرّسميّة الّتي كان تلقّاها من السّلطات العراقيّة.